Tuesday 5 October 2010

الاسبوعية 3-10-10

التنيسي عاشق الطبيعة

خالد القشطيني

اعود لذكر من برزوا من ادباء العراق فيما اشتهروا فيه من روح الفكاهة و السخرية فأعرج على ذكر ابي محمد الحسن بن علي بن وكيع التنيسي. لقد ولد في بغداد في القرن العاشر الميلادي و تتلمذ عليه البخاري الذي اخذ عنه 346 حديثا. ولكنه كان من المفكرين الأحرار فلم تطب له حياتها ففعل ما فعله مفكروها في هذا الزمان. و لكنه في زمنه لم يسمع بانكلترا و السويد فرحل الى سوريا و من سوريا الى مصر حيث استقر في بلدة تنيس قرب دمياط. و منها اخذ لقبه. و مات فيها عام 1003م بعد ان كتب الكثير عما عبر عن تمرده على التقاليد الاجتماعية و الأدبية. الحقيقة انه اصبح مرآة لتفسخ المجتمع في عصر انحلال الدولة العباسية. و من تمرده انه ناقض سواه من الادباء في نقد المتنبي و اتهمه بالسرقة الادبية في كتابه الشهير " المنصف للسارق و المسروق منه".
اعتبر التنيسي من شعراء اللهو والوصف و الخمر و الغلمان و المجون و حب الطبيعة. قال:
علل فوآدك فالدنيا اعاليــــــل و لا يشغلنك عن اللهو الاباطيل
و لعل زعماءنا في نزاعهم على المنصب يتعلمون مما قاله في البيتين التاليين:
و إن اتوك فقالوا كن خليفتنا فقل لهم انني عن ذاك مشغول
و ارض الخمول فلا يحظى بلذته الا امرؤ خامل في الناس مجهول
و له قصائد فاحشة نطوي صفحا عنها قبل ان يتهمونا بالأباحية و لكن من اشعاره الماجنة التي اشتهرت مقولته :
جانبت بعدك عفتي و وقاري وخلعت في طرق المجون عذاري
لا تأمرني بالتستر في الهوى فالعيش اجمع في ركاب العار
برع التنيسي في وصف البيئة و الطبيعة فعبر عما عاناه العراقيون من حر بغداد و انقطاع الكهرباء فقال راجزا:
فصل من الدهر اذا قيل حضر اذكرنا بحره نار ســـــــــقر
تبصر فيه البنت مقشــــــــعرا والآرض تشكو حره المضرا
نهاره مقســـم بين قـــــــسم جميعها يعاب عندي و يذم
حر يحيل الأوجه الغرانـــــا حتى ترى الروم به حبشانا
يتحدث الشاعر عن عذاب النوم في الصيف و دور البراغيث و البق في قض مضاجع النائمين:
حتى اذا ملت الى الرقاد نمت على فرش من القتاد
إن البراغيث عذاب مزعج لكل ما قلب و جلد تنضج
لا يستلذ جنبه المضاجعا كإنما افرشته مباضعا
قبح فصلا فوق ما قد ذقته لو انه يظهر لي قتلته !
و من انتقداته الاجتماعية ذم الثقلاء كما قال عن احد جلسائه:
ما السقم في سفر و الدين مع عدم يوما بأثقل منه حين يلقانــي
ما لي عليه حين ابصره غير الصدود وتغميض لأجفاني
لم يتردد في السخرية من التقعر النحوي و التشدد في القواعد:
يحسن النحو في الخطابة و الشـــــــعر و في لفظ سورة و كتاب
فإذا ما تجاوز النحو هذي فهو شيء عن المسامع ناب
و كمعظم الظرفاء انشغل التنيسي بالأكل و الأكلات . له ارجوزة يتغزل فيها بالرقاق و البصل و اللحم. يقول في رقاق الخبز:
ارقها الصانع حتى اختفت و لطفت اجسامها و مدت
تكاد لولا حذقه في صنعته تطيرها انفاسه من راحته
حتى اتت في صورة البدور او مثل جامات من البلور
حتى اذا فرغت منها متقنا ولم ير العائب فيها مطعنا
فأعمد الى مدور من البصل فإنه اكبر انواع العمل
ثم ينتقل الشاعر في هذه الارجوزة الى الحديث عن المشمش و الزيتون و التمر و الريحان ، وهات ما عندك...

الشرق الاوسط 5-10-10

الرافض مرفوض

خالد القشطيني

يتسائل كثير من اصدقائي عن سر غيابي عن سائر هذه النشاطات و المؤتمرات و المأكلات التي يعج بها عالمنا حتى في هذا الشهر ، رمضان الكريم ، اقامت سائر السفارات و المنظمات العربية ،بل وحتى الاجنبية و المسيحية، حفلات افطار دون ان استلم دعوة واحدة لأي منها. سألني صديقي صلاح نيازي، لم نرك في مهرجان اصيلة قط. و لاحظ آخر اختفائي من مؤتمرات البابطين للشعر العربي. حتى الفلسطينيين الذين اضعت لقضيتهم سنوات من حياتي لم يعودوا يشاركونني في اجتماعاتهم.
الحقيقة الواضحة التي لم يلتفت اليها اصحابي، هي انني شخص رافض و عوقبت على رفضي بالرفض فأصبحت الكاتب المرفوض. كان الأخ عبد العزيز البابطين يدعوني لمهرجاناته الشعرية العالمية. و يظهر انه قرأ او سمع ما كتبته في الشعر و الشعراء، يوم قلت ان ممارسة الشعر من صفات الشعوب المتخلفة. الشعوب المتطورة تعنى بالعلم و الطب و الفكر. و قلما اصاحب احدا من الشعراء لأنني اجدهم غارقين في الانانية و الذاتية و الكذب. يظهر ان الأخ البابطين سمع ذلك فتوقف عن استضافتي.
كانت المغرب تدعوني لمهرجانات اصيلة حتى كلفوني بألقاء كلمة. فتكلمت و دعوت لتبسيط قواعد اللغة بحيث تصبح طيعة وفي متناول الناس فلا يهجرها العلماء و الاطباء و المهندسون و يلجأون للغات الاجنبية ولا تثور عليها الاقليات الاثنية فتطالب باستقلالها. ضج المستمعون بالضحك و التصفيق وانا اروي النكات عن النحو العربي كعادتي. غاب عن ذهني ان المغرب تواجه ازمة في تعميم اللغة العربية و تغليبها على الفرانكفونية و النزعة الامازيقية . وهكذا توقفوا عن دعوتي لأصيلة ، و من يلومهم؟
اقام المنتدى العراقي قبل سنوات حفلا لتكريمي فألقيت كلمة شكر وصفت فيها حركة التحرر الوطني و المطالبة بالاستقلال بأنها حركة الحرامية. فالافندية من ابناء الطبقة المتوسطة عاشوا مرفهين في العهد العثماني من السرقات والرشوات. جاء الانجليز فمنعوا ذلك بل و طالبوهم بدفع ضرائب ، فثاروا عليهم. حصلوا على الاستقلال فعادوا الى سابق شأنهم من الفساد ، كما نرى اليوم. قلت كل ذلك فصفق الحاضرون ، و لكن المنتدى توقف عن دعوتي للمشاركة في اي ندوة. شاعت بين الوطنجية سمعتي كداعية لعودة الاستعمار لا ينبغي دعوته لاي مأكلة.
دعتني دار الاسلام لتكريمي ايضا و طالبوني بألقاء كلمة عن الفكاهة العراقية. يقوم نصف الفكاهة على النكات الجنسية في كل العالم. ما ان تورطت بذكر واحدة منها حتى رأيت النسوة، و كلهن محجبات و منقبات جلسن في آخر القاعة، يبارحن الدار. و شاعت بين القوم فكرة ان القشطيني رجل بذيء لا تصح دعوته لأي جلسة محترمة.
و بعد سنوات من التعاون مع الفلسطينيين و الكتابة المتواصلة عن قضيتهم ، قدر لي الاحتكاك بالكثير من قادتهم فلمست مدى الفساد المنتشر بينهم و تجاهلهم لمعاناة شعبهم. فتعال يا سيدي و امنع خالد القشطيني من التنديد بذلك. و بدأت القطيعة و وداعا يا فلسطين!
دعوني للمشاركة في مؤتمر الاصلاح العربي بمصر، بلد الفتاوى، فقلت سأصدق الدعوة للاصلاح عندما يبدأون بتدريس نظرية التطور في المدارس. و كانت آخر دعوة لي للمشاركة. فهل تعجب الا يدعوني احد لأفطار رمضاني؟

Wednesday 8 September 2010

الشرق الاوسط 7-9-10

الحلويات الرمضانية

خالد القشطيني

ارتبط شهر رمضان المبارك بالحلويات و السكاكر ، حتى اننا في العراق لم نكن نرى البقلاوة و القطائف و الزلابية الا في شهر رمضان . نراها في الدكاكين لشهر ثم تختفي و يكون علينا ان ننتظرها ثانية بعد سنة. بيد ان اكتشاف النفط و ما تمخض عنه من رفاه جعل هذه الأطعمة الغالية نسبيا تتواجد في الدكاكين على مدار السنة . و يأكلها الناس كشيء اعتيادي بعد الطعام ، ربما يوميا. و لكنني شخصيا امقت هذا التطور الترفي ، فللأكل في المواسم لذة خاصة تجعل حتى الاطفال ينتظرون شهر رمضان تطلعا للبقلاوة و الحلويات. يجب ان تكون لكل موسم نكهته و مذاقه ليحلو في اعيننا و نفوسنا.
و لكنني كما قلت، ارتبط شهر رمضان المبارك بالحلواء ، حتى قيل المؤمنون حلويون. وذكر معمر العرب ابو عبيدة فقال ان اي طعام لا حلواء فيه فهو خداج ، اي ناقص و غير مكتمل. يأتي التمر طبعا في المقدمة و اصبح من سنن الحياة الرمضانية ان تفطر بتمرات. وهذا اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث كان يفطر بالرطب، وعلى التمر إن لم يتواجد الرطب. و يختتم به فطوره ايضا. ومن استعمالات التمر الشائعة ، ولاسيما بين البدو ، خلطه و اكله مع الزبد . وفيه يقول الشعبي: ما رأيت فارسا احسن من زبد على تمر. و جاء في التراث ان الحجاج استشار صحبه في افضل ما في الطعام. و ان يكتبوا ذلك في قصاصات يضعونها تحت مصلاته. فعلوا ذلك ثم فتحها فّاذا بها جميعا تذكر الزبد و التمر. وهي من امثلة الاستبيانات الرائدة. يا ليته فعلها مع شؤون الحكم و ليس الأكل!
و من التمر ايضا كانوا يصنعون الخبيصة بخلط التمر بالسمن . وقد يضاف اليها ايضا شيء من الدقيق. و اعتقدت العرب ان الخبيصة تنفع الدماغ فقال سفيان ان على العاقل ان يأكل الخبيصة مرة كل اربعين يوما ليحافظ على قوة عقله. و من الواضح اننا لم نتبع هذه النصيحة فابتلينا بالحكام الجهلاء. و يروى ان اول من خبص الخبيصة كان عثمن بن عفان رضي الله عنه.
يأتي العسل في المرتبة الثانية . حتى روى عبد الله بن عباس انه سأل النبي ، اي الشراب افضل؟ فقال الحلو البارد ، اي العسل. وكانوا يصنعون الحلوى منه بخلطه بالدقيق الناعم. و ذكروا ان عثمان بن عفان بعث بشيء منه الى الرسول في منزل زوجته ام سلمة. فسأل من بعث بهذا فأجابوا انه عثمان. فرفع وجهه الى السماء و قال اللهم ان عثمان يرتضيك فارض عنه.
و من اشهر حلاوات رمضان الشريف الشائعة بيننا الآن الكنافة و القطائف و البقلاوة و الزلابية. و بلغ من حب العرب لها ان جمع جلال الدين السيوطي جل ما قيل عنها في كتاب خاص سماه : " منهل اللطائف في الكنافة و القطائف" .
و شاعت في العهد العباسي حلواء الفالوذج التي كانوا يعملونها من الدقيق و الماء و العسل. و قد قيل ايضا ان الرسول الكريم كان يأكل الدجاج مع الفالوذج. اما اللوزينج فكانوا يؤدمونها بدهن اللوز.

Monday 6 September 2010

الاسبوعية 6-9-10

انتقام امرأة

خالد القشطيني

اشير مرارا بأن من يريد ان يفهم حاضرنا عليه ان يرجع لتاريخ اوربا في القرون الوسطى. لهذا يحلو لي دائما متابعة ذلك التاريخ. وكان من حصاد هذه المتابعة قصة الملكة ايزابلا و ما فعلته بزوجها الملك في القرن الثالث عشر. ننبهر في هذه الأيام بمدنية الغربيين و لكن هذه القصة تعرض لنا ما كانوا عليه من الهمجية و القسوة المتناهية التي تجعل كل ما سمعناه من قساوات تاريخنا و حاضرنا نعيما و بلسما بالنسبة لها. وفي ذلك عظة و العظة هي في استيعاب سنة التطور التي خلصت الاوربيين من تلك الهمجية.
كان ادوارد الثاني ملكا غريب الأطوار. شق عصا الطاعة على كل الاعراف الملكية لعصره. و منها انه كان مبتلى بالشذود الجنسي المثلي . ولكنه اختلف عن الآخرين من امثاله في مصارحته به و ممارسته علنا. اعتبرت زوجته الملكة ايزابلا ذلك اثما خطيرا و قررت غسل انكلترا من ذلك العار و الخطيئة الدينية. قالت الزواج ميثاق مقدس بين رجل و امرأة. هربت منه و عبرت الى فرنسا حيث استطاعت ان تعد جيشا جرارا تغزو به انكلترا و تطهرها من هذا الاثم. تم لها ذلك و قادت الجيش الى لندن و انتصرت على زوجها الذي هرب الى سومرست. بيد انها استطاعت ان تلقي القبض على عشيقه فأمرت بقطع خصيتيه و عضوه الجنسي، الذي نافسها في زوجها! ثم امرت بقطع رأسه (رأس الرجل) و تعليقه على رمح فوق جسر لندن ليكون عبرة لمن اعتبر.
اعادت تجميع جيشها و مضت في مطاردة زوجها فدحرته مرة ثانية في معركة حاسمة . لاذ بأحدى القلاع العتيدة. حاصرتها حتى استطاعت في الأخير اقتحام القلعة واعتقاله. و يا ويل ما امرت به! امرت بتسخين قضيب حديدي على النار حتى اصبح احمر كالجمر. ثم امرت بايلاج ذلك الحديد الجمر في دبر زوجها. و بعد ان تم ذلك الفعل السادي الفضيع امرت بحرقه كليا. وبعد ان اشفت غليلها ضد زوجها المأبون ، عادت الى لندن و حكمت الشعب الانكليزي بيد من حديد. و من يقول لا؟
يقول المثل الانكليزي :" غضب المرأة لا حدود له." A woman’s wrath knows no bounds ". لا ادري أن كانوا قد اشتقوا هذا المثل مما فعلته هذه الملكة. و لكن الحكاية على فضاعتها تكشف عن هذا الجانب الرقيق، وهو ان المرأة الانكليزية منذ تلك السنين القصية ، تعتد وتتمسك بشخصيتها فتجيش الجيوش و تخوض المعارك و تنتصر و تحكم. الحقيقة ان الانكليز كثيرا ما يتباهون بأن اعظم امجادهم التاريخية جرت من افعال المرأة. فعلى جسر وستمنستر نجد تمثال العربة الحربية التي ركبتها الملكة بوديشيا في قيادة جيشها ضد الاحتلال الروماني. وفي القرن السادس عشر حققت الملكة اليزابث الاولى ذلك النصر المبين في معركة الارمادا ضد الاسطول الاسباني، اكبر اسطول في اوربا عندئذ. و خلال حياة الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر، استطاعت بريطانيا ان تبني تلك الامبراطورية التي لم تغب الشمس عن اراضيها. وفي جيلنا هذا ، رأينا كيف تمكنت مرغريت ثاتشر ان تحدث هذه الثورة في الاقتصاد العالمي ، ثورة اقتصاديات السوق. و ها هنا نجد الملكة ايزابلا تطهر البلاط من اللواطة – او هكذا تصورت.

Sunday 29 August 2010

الاسبوعية 30-8-10

قرضا حسنا في باكورة رمضان

خالد القشطيني

هذه حادثة عجيبة مررت بها اثناء حضوري الحفلة الموسيقية/ الغنائية لألهام المدفعي في قاعة الالبرت هول بلندن. جلسنا لنتناول الطعام قبل الحفلة في مطعم ايلغار من القاعة. حضر لخدمتنا نادل بنغلاديشي. المفروض في اي نادل ان يطل عليك بوجه صبوح بشوش، يلاطفك و يداعبك و يعينك في فهم قوائم الطعام التي اصبحت في هذه الأيام طلسما من الطلاسم التي تحتاج لساحر يفسرها لك. بيد ان البؤس كان باديا على هذا النادل. وقف امامنا عبوسا قمطريرا و كأنه بعثي يحاول ان يحصل على حصة من الكعكة. جلسنا و اكلنا و شربنا حتى حل موعد ابتداء الحفلة. جائنا بالفاتورة فأعطيته ورقة خمسين باوندا و انتظرت منه ان يعيد الينا الباقي تسعة باوندات. حمل الورقة و الفاتورة و اختفى. قلت لأم نائل، هيا بنا نأخذ اماكننا في القاعة. و كأي زوجة حريصة على مصرف البيت قالت: و التسعة باوندات؟ دعنا ننتظر ، دعنا نسأل عنه. هذا مبلغ ليس بقليل"
" هذا رجل بائس. الم ترين التعاسة بادية عليه؟ فليذهب بالباقي ويسعد اسرته به. انه احق بها مني."
و خرجنا . اخذنا مقاعدنا واستمتعنا و صفقنا و هتفنا و عدنا الى البيت و نسينا كل شيء الا ما اتحفنا به هذا المطرب اللامع. و تناولت الفطور صباحا و خرجت لعملي اليومي ، الذي لا يتجاوز غير اللف و الدوران في اروقة المتاحف و المعارض الفنية. لم اكد اتقدم في طريقي غير بضع خطوات حتى لمحت ورقة مصورة صغيرة تذروها الرياح هنا و هناك. كانت هناك نسمات عذبة من نسمات صيف لندن تلقي بالورقة على هذا الرصيف ولا تلبث ان تهب فتحملها الى الرصيف المقابل.
ثم تسقط في وسط الشارع و تعود فتطير ، عاليا واطئا، حتى استقرت امامي و فتحت لي وجهها. نظرت فيها وإذا هي بورقة نقدية من فئة العشرين بوندا. التقطتها و نظرتت فيها ، نعم ورقة صحيحة و ليست صورة من مجلة. و تحمل صورة العالم الاقتصادي الشهير آدم سمث. ففي البلدان المتطورة التي كتب الله لها الخير يضعون تصاوير عظمائهم على كل الاوراق النقدية.
مسكت بالورقة. و تأملت ففي مثل هذه البلدان ، المنتظر ممن يعثر على شيء ان يسلمه للشرطة و يدلي بأفادته. هذه الورقة النقدية عثرت عليها عند الساعة كذا في يوم كذا في شارع كذا. يحتفظون بها لمدة شهر، اذا لم يحضر صاحبها فتعاد هدية حلال للاقط. قلت لنفسي و لكن هذه اللقطة لن يحظر صاحبها و يطالب بها. فهي من الله تعالى جزاء لما تصدقت به على ذلك النادل. دسست الورقة في جيبي ومشيت.
حكاية ظريفة وقعت في اليوم الأول من هذا الشهر المجيد، رمضان المبارك. ترويها لرجل علماني فيقول لا تكن ساذجا يا سيدي و تزج الموضوع بالغيبيات. هذه صدفة من المصادفات. حياتنا كلها مليئة بالصدف. انظر لكل هؤلاء المسؤولين الذين يتولون شؤون البلد في العراق. من جاء بهم؟ من اهلهم لوظائفهم؟ كيف حصلوا عليها؟ كله بالصدفة. لم تكن تخطر لهم حتى في البال او في المنام.
ولكن تكلم بها مع رجل مؤمن فتراه يرفع عينين خاشعتين الى السماء و يردد لك: شيئا من القرآن الكريم. " إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفر عنكم." الم تر ؟ عشرون باوندا هي ضعف التسعة باوندات مع شوية زيادة.
نعم هكذا. تلقيت صدقتي مضاعفة و بقي علي ان انتظر الغفران، وهي عملية اكبر كما يلوح لي... و لكن رحمة الله اوسع.

Friday 27 August 2010

الشرق الأوسط 27-8-10

الجهل بالشيء خير من العلم به

خالد القشطيني

شكرا للأخ حيدر الطائي من الامارات على توجيه نظري الى هذه الغلطة التي وردت في مقالتي " تهافت التباهي" حيث ذكرت ثمن ساعة الرولكس بستين دولارا. ارجو الا تقيم هذه الشركة السويسرية الذائعة الصيت دعوى علي للحط من قيمة ساعاتها. الصواب طبعا هو ستين الف دولار. و لكن كيف و لماذا وقعت في هذه الغلطة ، بل و كررتها مرتين؟ يقول علماء النفس ان الوقوع في غلط او سهو كثيرا ما يعبر عن ذهنية و تفكير صاحبه. وهذا ما جرى يا اخي الطائي. فأنا غير معتاد على شراء ساعة بأكثر من مائة باوند. و الساعة التي على يدي الآن اشتريتها بعشرين باوند فقط. و من ثم فيعجز دماغي عن التفكير بألوف الدولارات ثمنا لساعة تستطيع اي ساعة رخيصة ان تقوم بمثل عملها و ربما احسن.
يذكرني مثلي هذا في العجز عن التعامل بأكثر من مائة دولار بالأعرابي الذي غنم قطعة كبيرة من السجادة الملكية في بلاط انوشروان عندما استولى العرب على طيسفون و نهبوا قصره. عاد مبتهجا و اخبر قومه بأنه باع تلك القطعة بألف دينار. فضحكوا عليه و انبوه و قالوا له يا مغفل هذه القطعة تسوى اكثر من ذلك بكثير. قال: " ماذا بعد الألف؟ هل هناك شيء اكثر من الف؟"
غير انني اعترف بأنني ابيع بعض الساعات بمثل هذه الاسعار الخيالية. فحالما يكرمني احد ما بساعة ثمينة ، اعود بها الى لندن و ابيعها فورا للدكاكين الهندية. فأنا من المؤمنين بأن المفلس في القافلة امين. فلا اريد ان احمل ما يجلب الي انظار النشالين و المسلبين ، ولا اعين الحساد و المنافقين، ولا طمع الغانيات و الفنانات . شخصيتي تنقصها غريزة التباهي.
وعلى اي حال، فأنا اغنى من ذلك الرجل الذي لم يستطع ان يشتري ساعة لنفسه. جلس في القطار و سأل يهوديا كان بجانبه عن الوقت. لم يجبه. كرر السوآل ، ولم يجبه. فغضب الرجل و قال للتاجر اليهودي ، لماذا لا تجيبني؟ قال و لماذا اجيبك؟ اذا اجبتك فربما تسألني عن دقة ساعتي وهل كانت مضبوطة تماما. اقول لك نعم. انها لا تقع في اي غلط. فتسٍالني من اين اشريتها. اقول لك من الساعاتي فرتز رأس شارعنا. فتلتمس مني ان اصطحبك اليه. فآخذك اليه. ثم يخطر لك ان تكافأني على مساعدتي فتدعوني لشرب القهوة في بيتك. فألبي الدعوة و عندئذ يقتضي علي ان ارد الضيافة بمثلها فأدعوك لتناول البيرة في بيتي. فتأتي و معك ابنك. و انا عندي في البيت ابنتي سلفيا التي احبها حبا جما و احرص على مستقبلها. يراها ابنك فيقع في حبها و يدعوها للمسرح. و تنشأ بينهما علاقة غرامية و يقرران الزواج في الأخير.
" و هكذا يا سيدي ، اكون السبب في زواج ابنتي بشاب والده لا يملك ما يشتري به ساعة يضعها على يده و يسأل الناس عن الوقت!"

Tuesday 24 August 2010

من تجارب الحياة

اعمل ثم اسأل

قدر لي في احد المؤتمرات العالمية عن حل النزاعات ان اجلس لاتناول العشاء قدام استاذة من الدانمرك، معروفة بخبرتها في لم التناقضات و حسمها. و كذا في الواقع كانت هيئتها. كان شعرها اسود فاحما تركته يسترسل على ظهرها و كتفيها. و مالت بشرتها الى سمرة خفيفة . ويظهر انها كانت تعتز بهذه المسحة الخمرية فكشفت عن كل ما يسمحون به من الكشف عن الصدر و النهدين. تجاوبت هذه السمرة مع لون عينيها الغامق وقد جنحت خطوط اجفانهما الى الارتفاع و الزوغان ، على نحو ما نجده غالبا في اعين الصينيات و اليابانيات. و لكنها جمعت كل هذه الصفات بشكل جميل يغري الناظرين على ارتكاب الكبائر.
سرعان ما بدأ النقاش و الحديث المهني عما في العالم من منازعات و مشاكل فانطلقت من جانبي في الاستفاضة عن آخر مستجدات النزاع العربي الاسرائيلي . وبينما رحت اخوض في الموضوع، قاطعتني السيدة الدانمركية بهذا السوآل: " هل انت متزوج؟"
تعجبت من سوآلها و ازددت عجبا في الطريقة العشوائية و الهجومية التي القت بها سوآلها. اعطيتها الجواب الموضوعي في الأمر . نعم و لي ولدان.
استئنفنا الحديث و انتهينا من تناول عشائنا و انصرفنا لتناول القهوة و تدخين السكائر في الصالون. تبسطنا في الكلام و راح كل منا يروي نتفا من تجاربه و حياته الخاصة و العامة. التفت اليها وقلت : " دكتورة ، هل انت دانمركية حقا و حقيقة؟"
" نعم. مائة بالمائة. كان والدي ضابطا في البحرية الملكية و خدم في الاسطول الدانمركي اثناء الحرب. و والدتي من اسرة اشتراكية دانمركية اصيلة . وعندنا في البيت شجرة العائلة لكل من الوالدين. و ليس فيها اي شخصية غريبة عن الجنس الدانمركي الاسكندنافي الأصيل. و لكن لم سألتني هذا السوآل؟"
" اوحت لي سيماء وجهك و شكل عينيك بوجود دم اسيوي في عروقك. فالمتوقع في المرأة الاسكندنافية ان تكون بشرتها ناصعة البياض و شعرها اصفر ذهبي و عينها زرقاء فاتحة. وليس فيك اي شيء من ذلك."
" هذه من مصادفات الطبيعة و مروقاتها. و لكنني اؤكد لك اصالة انتمائي الدانمركي."
عدنا الى مواضيع الساعة و انتقلنا من مشكلة الشرق الأوسط الى مشاكل المسلمين في اوربا و احتمالات تحولهم الى اكثرية في العديد من البلدان الاوربية و اختلاطهم بالسكان الاصليين و نحو ذلك. " الكثير منهم اخذوا يتزوجون و ينسلون من نساء اوربيات.
كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل، و بعد ان احتسينا آخر قطرة من اقداحنا نهضنا للأنصراف ، كل الى غرفته في الفندق. وجدت نفسي اسير بجانب الاستاذة ذاتها عبر ممرات الفندق حتى اذا اقتربنا من باب حجرتي و هممت بتوديعها بكلمات تصبحين على خير، مسكت بي من ذراعي و عادت فألقت علي نفس السوآل : " قل لي! لمذا سألتني هل انا دانمركية اصيلة؟ "
" سيماء وجهك. و شيء آخر. "
" ماذا؟"
" المرأة الدانمركية الاصيلة لا تسأل الرجل اولا هل انت متزوج. و انما تذهب معه الى الفراش و تتنايك معه اولا و عند الصباح تسأله هل انت متزوج و زوجتك تنتظرك؟"

Sunday 22 August 2010

الشرق الوسط 22-8-10

التباهي بالتباهي

خالد القشطيني

كتبت مرارا بأن الفساد مرتبط بالنظام الرأسمالي. فالمكائن يجب ان تستمر في الدوران و تنتج. وعلى المدير ان يجد اسواقا لمنتجاتها . ينجح في ذلك بحمل الجمهور على الشراء و الاستهلاك و نبذ القديم. هداهم ذلك لظاهرة الموضة و غرسها في النفوس. عيب على البنت ان تلبس نفس فستان العام الماضي. يتطلب ذلك سيلا مستمرا من الفلوس للشراء و الشراء و الشراء. من اين تحصل المرأة الفقيرة على هذه الفلوس؟ من بيع جسمها او حمل زوجها على السرقة و الرشوة.
صبت الروح الاستهلاكية في محصلة التباهي. لا احد يركب الباصات في القاهرة غير الرعاع من امثالي. كنت جالسا في مؤخرة احد الباصات و بجنبي احدى السيدات المحجبات. نظرت علي فتصورت انني من احد سراة الخليج. رفعت رأسها و نادت على الجابي في مقدمة الباص و صاحت بأعلى صوتها: " يا كمساري و حياتك تقول لي التذكرة كام دي الوقت؟ اصلي انا عمري ما ركبتش الاوتوبيس!"
ذهبت مع صديقي لتناول العشاء في احد المطاعم. لاحظت امرأة وضعت جوالها عل الطاولة. و كان الجوال يرن من حين لآخر بأغنية من فريد الأطرش ازعجتني كثيرا. سألت صاحبي، لماذا لا تجيب السيدة على التلفون و تتركه يرن و يرن؟ لمذا لا تغلقه اذا كانت لا تريد احدا يزعجها بمكالمة؟
" لأ يا ابو نايل. الفكرة هي ان تلفت الانظار انها بنت ذوات وعندها تلفون جوال. الجوال غالي في مصر و تكاليفه باهضة!"
يظهر ان الست سمعتنا فبعد قليل مدت يدها و اغلقت التلفون.
في اوربا، تحتل بولندا هذه الاسبقية. و فيها وصلت روح المباهاة الاستهلاكية اوجها في تحولها الى مستنقع من الفساد و التحلل الخلقي. شاع فيها مؤخرا البغاء في المولات، على حد ما وصفته صحيفة النيو يورك تايمس. تخرج الصبايا و يتجولن في المولات و يقعن في حب طراز جديد من احذية جمي تشو او كامرا صغيرة من كوداك . تهيم بها البنت دون ان تجد في جيبها المبلغ الكافي للشراء. تنظر حولها بحثا عن اي رجل غني قوي البنية فتتسلل اليه. كلمة منها و كلمة منه و تتم الصفقة. يشتري لها الحذاء و تعطيه جسمها في غرفة الاستراحة. و فطن مالكو المول الى حاجة الفتيات لمثل هذه المرافق المتسترة . غرفة استراحة. فما يهم المول هو تسويق البضائع لا ما يجري في هذه الغرف. سرعان ما تحول هذا النمط من التسويق الاستهلاكي الى ظاهرة شائعة. لا يسمونها بغاء و انما تبنيا ( سبونسرشب) . الرجل يتبنى الفتاة لبضع دقائق يشتري لها ما تريد و تعطيه ما يريد. و ظهرت معاهد تعلم الصبايا كيف يكتشفون الرجل المناسب للتبني. يقولون لهن انظرن لحذاء الرجل. ففي هذا الزمن غدت مكانة الرجال تتجلى في حذائهم. عندنا في العراق تتجلى مكانة الرجل في عدد الحرس الذين يحرسونه. و لكنهم في الغرب يعرفونه من حذائه. الرجل يتباهى بحذائه و المرأة تتباهى بشنطتها . فارغة كانت او مليئة.

الاسبوعية 22-8-10

كله يروح بالصابون

خالد القشطيني

العلم في خدمة الذنوب. هذا ما توصل اليه الغرب في استخدام العلوم و التنكنولوجيا. فبعد ان انحسر دور الدين عندهم ، الاعتراف و الغفران و ما شاكل ذلك في معالجة الآثام و الذنوب ، اتجهوا لاستعمال التطور ات العلمية و الطبية في خدمة المقصرين و الآثمين و المجرمين عموما. كانت اول محاولة في هذا لاتجاه التوصل الى اجهاض الجنين الحرام بأيسر السبل واقلها كلفة و فضيحة. ثم توصلوا الى ابتكار العازل و عقاقير منع الحمل، بحيث يستطيع الرجل ان يمارس المرأة عشرات المرات دون اي عواقب. بقيت مشكلة البكارة. اخيرا توصل الصينيون الى صنع غشاء البكارة و تصديرها و بيعها بالأسواق لكل من تحتاج اليها. قالوا ان اي شغالة او سكرتيرة تستطيع ان تشتريها الآن بخمسة جنيهات في مصر من اقرب دكان في علبة مزودة بكافة التعليمات عن كيفية التركيب و الاستعمال.
و حيث يكون البلد ملتزما بمقاطعة التجارة الصينية ، تستطيع الفتاة الثيب ان تراجع اي جراح او طبيب حاذق ليقوم لها بعملية ترقيع البكارة تحت البنج الموضعي خلال مدة لا تتجاوز نصف ساعة و تخرج بعدها البنت بكرا بتول، و حورية من حوريات الجنان. تجري الآن في بريطانيا عمليات ترقيع البكارة مجانا ضمن الضمان الاجتماعي للمسلمات اللواتي يستطعن اقناع الطبيب بأن العيش بدون بكارة يسبب لهن كآبة فيقوم الطبيب برقع بكارتها المثقوبة مجانا و في سبيل الله . علما بأنه في السنة الماضية فقط اجريت في بريطانيا 1100 عملية ترقيع بكارة لنساء مسلمات على حساب الحكومة. اقول ذلك وانا اخشى ان يسبب ذكر ذلك، تدفقا خطيرا على الهجرة لبريطانيا ، ولا سيما انهم اخذوا يعتبرون تعرض المرأة للقتل غسلا للعار سببا كافيا لمنحها حق اللجوء، على اعتبار ان ممارسة الفسق حقا من حقوق الانسان.
و ماذا بعد من مبتكرات العصر الحديث؟ آه ، هناك عمليات غسل الأموال. التقيت مؤخرا برجل محترم في طريقه الى جنوب افريقيا. سألته عن غرض سفره فقال دخول دورة تدريبية في موضوع غسل الأموال. وهكذا يستطيع الآن كل هؤلاء الحرامية ، المختلسين من اموال الدولة و المرتشين من ضعفاء الناس و كبار الشركات غسل اموالهم الحرام بحيث يستطيعون ان يحولوها لأي بلد، ويشتروا بها اي عمارة او يتزوجوا بأي اميرة و يعيشوا بأبذخ الأماكن ، و كله يروح بالصابون؟
تفرع مؤخرا عن عمليةغسل الأموال ، تكنولوجيا غسل السمعة. نعم تستطيع ان تسرق ما تشاء من اموال الدولة و تغسلها و تحولها. و لكن سرعان ما يكتشف امر السرقة فتصبح شهيرة بين الناس كحرامي و حرام ابن حرام. فيصعب عليك العيش رغيدا و انت ترى الناس يزوغون بأبصارهم و يتغامون بأعينهم كلما مررت امامهم او جلست لتأكل الكافيار بالشمبانيا. ربما تجد ان حتى ضباط السفريات و القنصليات يحققون معك بصورة اغلظ حيثما اقتضى عليك مراجعتهم. فما العمل؟
هناك ايضا هذه الكوكبة الكبيرة من الجلادين و سفاكي دماء الأبرياء و من عذبوا و اذاقوا المر و اغتصبوا المحصنات و ابادوا السكان ثم ضاقت بهم ارض الوطن فهربوا الى الغرب. كيف يستطيعون العيش و ورائهم هذا السجل من الخزي؟ الحاجة ام الاختراع. ظهرت تكنولوجيا غسل السمعة. كما تخصصت الصين بصنع غشاء البكارة، تخصصت بريطانيا الآن بغسل السمعة. تقوم بها خمس شركات متخصصة. تدفع لها فتتولى امرك. بعد اشهر قليلة تجد وسائل الأعلام لا تذكر اسمك الا و تلته بصفة المحسن الكبير الذي بنى المسجد الفلاني و اغاث ايتام عزة و المناضل ضد الاحتلال الاجنبي ، وهات ما عندك ، و كله يروح بالصابون يا عمي.

Thursday 19 August 2010

Unpublished

عنصرية في الفراش

خالد القشطيني

اوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا غريبا من اسرائيل عن قرار قضائي لا يقل غرابة. قضت محكمة القدس بالسجن لمدة 18 شهرا على مواطن عربي مسلم ، صبار كاشور، بجريمة الاغتصاب لأنه واقع امرأة يهودية دون اعلامها بأنه ليس يهوديا. علق الكاتب الاسرائيلي جيدون ليفي على الخبر قائلا ماذا لو ان يهوديا تظاهر بأنه مسلم و واقع امرأة مسلمة؟ هل يعتبر قد اغتصبها؟ " طبعا لا" اجاب الكاتب على سوآله.
هذه محنة اخرى من المحن العديدة التي تواجهها اسرائيل. و هي محنة الطهور. فكلا اليهودي و المسلم يحملان عضوا مطهرا بين رجليهما. يا مصيبتك يا اسرائيل. فللموضوع آثاره الخطيرة على الاقتصاد الاسرائيلي. فكثير من المليونيرات اليهوديات الامريكيات يأتين لاسرائيل يحدوهن الأمل و الايمان العميق بأن يتباركن على مقربة من حائط المبكى بمضاجعة شاب اسرائيلي يهودي لقاء حفنة من الدولارات. عملية البغاء الذكوري المعروفة بالجيكولو. راجت هذه التجارة في القدس حتى لفتت انظار الشبان الفلسطينيين الذين مزقتهم البطالة و ضيق العيش. و لم لا؟ وهم مطهرون طهورا افضل من طهور الاشكناز، و يتكلمون العبرية احسن من الاسرئيليين الروس. راحوا يزاحمون الجيكولو اليهود بأعضائهم المطهرة. وهكذا راحت المليونيرات العجائز الامريكيات يعدن الى بلدهن سعيدات بما حضين به في اورشليم وراء حائط المبكى دون اي علم بأن من قام بخدمتهن كانوا شلة من زعران المسلمين المطهرين و ليس فتية من بني اسرائيل. و الحق معهن ، ففي آخر المطاف الأعمال بالنيات.
وهذا هو الخطر على الاقتصاد الاسرائيلي الذي اشرت اليه . فما الذي ستتفتق عنه ذهن حكومة نتنياهو لمنع هذه المنافسة غير الشريفة؟ فأي امرأة يهودية هناك ستكون واثقة بأن هذا الرجل العريان معها في الفراش هو يهودي حقا . فالفلسطينيون كما ذكرت في مناسبة سابقة هم علميا احفاد بني اسرائيل ، تنصروا في عهد الروم و اسلموا في عهد الاسلام و لكن ظلت جيناتهم و وجناتهم و مناخيرهم و اعضائهم تحمل سمات بني هرون و موسى عليهما السلام.
لا ادري اين قام صبار كاشور بجريمة الاغتصاب ، في فراش او على حصيرة او ربما على قارعة الطريق كما اتذكر، و لكن المشكلة ستظل قائمة لنتنياهو. كيف سيجد حلا يصون التمييز العنصري في الفراش، او على الحصيرة ، دون ان تصدر قانونا يحمي ذكورية اليهودي بتحريم الطهور على المسلمين فيصبح الختان امتيازا لشعب الله المختار وحدهم . و تؤسس عيادات خاصة تحقق في هوية الطفل ، انه يهودي صحيح النسب قبل القيام بختانه. ليسهل على المرأة الاسرائيلية ان تميز بين العاشق و الآخر، ما هو كوشير و ما هو حاريم. و يا عيني على الصبية المسكينة التي يقتضي عليها و هي في حمأة عشقها و شوقها ان تفتش و تتحقق اولا.
الخطوة التالية لحماية الذكورية اليهودية و منع الاغتصاب العنصري ستكون في تغيير بطاقات الهوية و جوازات السفر. على كل مواطني اسرائيل ان يضعوا عليها صورة اعضائهم بدلا من صورة وجوههم ليميز الناس بين المطهر و غير المطهر فلا تقع امرأة ساذجة بما وقعت فيه صاحبة السيد صبار بن كاشور في تبادل الحب مع رجل من الكوييم.

Sunday 15 August 2010

الشرق الأوسط 12-8-10

القبور الضاحكة

خالد القشطيني

بقدر ما اتحاشى دخول المقابر العربية ، استمتع بزيارة المقابر الاجنبية. فكثيرا ما تكون آية من آيات الجمال و الفن بما فيها من تماثيل و مجسمات ساحرة. من تجاربي في هذا الخصوص زيارتي لمقبرة جنوة في ايطاليا. انها تحفة من تحف الفن. قلت لنفسي هذا مكان يطيب لأي انسان ان يموت فيه. و كدت ان احقق هذه الامنية بالفعل. فعندما نظرت الى ساعتي اوشكت على سكتة قلبية فقد ادركت ان الباخرة التي كانت تنقلني الى مرسيليا قد غادرت الميناء و انا غارق في التأمل بكل هذه التماثيل.
بيد ان للقبور في الغرب، جانبها الكوميدي الضاحك و العملي ايضا. كهذا الشاهد الظريف الذي يقول:
"هنا ترقد رفاة جيمس اوكونيل. مخرج سينمائي. مات في 20 اكتوبر 1969 تاركا وراءه ارملته الشقراء بصدر 38 و خصر 24 وعجز 36 بعنوان 5 هنلي ستريت . تلفون 5269 243.
وهو ما يذكرني بالأرملة المصرية التي راحت تمشي وراء جنازة زوجها و هي تبكي و تنحب و تقول: " ليه يا حبيبي، ليه؟ تموت و تتركني بالبيت وحيدة كده!. " سمع نحيبها رجل من المشيعين فهمس في اذنها :
" الله يساعك يا وليه. لكن انت فين ساكنة؟"
" امشي كلب! تسألني كدة و انا اندب على زوجي."
واصلت سيرها و استأنفت نحيبها : " ليه يا حبيبي؟ يا سبعي، تموت و تسيبني كدة وحيدة في نمرة 18 شارع قصر النيل."
يظهر ان الشاعر العراقي الاستاذ حسن جبر شاركني بهذا الهوس في المقابر. لاحظ اثناء طوافه بمقبرة ريفية في ويلز قبرا كتبوا عليه " هنا يرقد جون اكسلي ولد عام 1925 و توفي عام 1980 عن عمر يناهز عشرة ايام." استغرب من الأمر فتسائل. قالوا له نحن في هذه القرية نحسب عمر الانسان بالأيام السعيدة التي عاشها. كل ايامه الأخرى شقاء و ضياع." عاد للبيت مساء فقال لزوجته ، عيني ام سعد ، اذا متت فاكتبوا على قبري ، "هنا يرقد حسن جبر من بطن امه للقبر."
ممن شغفوا بزيارة المقابر ايضا برناردشو. كان يبحث عن مسكن ريفي له فمر بمقبرة سان لورنس. رأى شاهدا يقول: " هنا يرقد جيمس هولوي. مات مأسوفا على شبابه في الثالثة و الثمانين من عمره."
تأمل شو في هذه الكلمات و حكمتها فقال، القرية التي يعتبر سكانها سن الثمانين سن شباب، قرية جديرة بأن يعيش المرء فيها.
القى عصا ترحاله و اشترى بيتا فيها عاش فيه حتى وفاته بسن 93. و لولا ان كسر رجله لربما بقي معنا حتى الآن. المؤسف انه لم يذهب لقرية دلهوسي. فلو فعل لوجد فيها شاهد قبر يقول:
" هنا يرقد ازكيال ايلك.
العمر 98
ايه ايها الموت! تأخذ دائما الناس الطيبين في شبابهم."

الشرق الاوسط 15-8-10

و القبور الباكية

خالد القشطيني

استعرضت في مقالتي السابقة شيئا عن القبور الضاحكة، وهي قبور الغربيين. عندنا في الشرق القبور تبكي كما يبكي الأحياء. ينطبق هذا بصورة خاصة على المقابر العراقية ، فهي تمثل خير تمثيل رواح الاكتئاب و الملانخوليا التي يتسم بها الظمير البابلي. هناك في مقبرة شيخ معروف في جانب الكرخ من مدينة بغداد شاهد قبر يستجدي دموع المشاهد و كأن الدفين مازال في حاجة اليها بعد كل الدموع الغزيرة التي ذرفها و شهدها في حياته. يقول الشاهد:
يا قاريء كتابي ابك على شبابي
بالأمس كنت حيا و اليوم في التراب
و هذا كله شيء يسير و معقول بالنسبة للوحة الشاهد التي تتجاهل القاريء وتخاطب الديدان و البكتيريا فتقول :
يا دود! يا دود!
اكل لحمي و عظمي و خلي عيوني السود.
صورة سريالية اصيلة تجاوزت كل نواح غلغامش في تك الملحمة الشهيرة يوم راح الملك البابلي يبكي على صديقه انكيدو. لوحات القبور الفرعونية كلها عز وفرفشة و بنات حلوات.و لكن ليس شواهد القبور البابلية كهذه اللوحة التي عثروا عليها في الهند و تعود للألف الثالث قبل الميلاد. :
" هنا يرقد آنور زركال. رجل من مدينة اوروك. هرب مما عاناه من ظلم . جاء حافي القدمين رث الثياب. مات غريبا في هذا المكان."
لا جديد تحت الشمس بالنسبة لمن يعيش في بلاد الرافدين.
قدر لي ان اشاهد قبرا في مقبرة باب المعظم من بغداد. فيما كان الميت قد آوى في قبره و استراح من هذه الحياة ، انفجر اصحابه و ذووه في معركة ضارية بشأن ما هو مكتوب على شاهد القبر. " هنا يرقد الدكتور فلان ابن فلان الحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفرد والليسانس من جامعة الصوربون و البلكلوريوس من ريجنت بوليتكنك، بلندن ... الخ. عجبت من امره و امر هذا الشاهد. انا افهم ان عالمنا العربي ، عالم من ورق . كل شيء يه يتوقف على ما بيدك من اوراق و شهادات و دولارات. تتباهي بها عندما تكلم اصحابك في المقهى او تخطب امرأة للزواج او تسعى لوظيفة ، و لكنني لم اتصور انك تحتاجها عندما تموت و تكتبها على شاهد قبرك. سألت نفسي، يا ترى هل وضعوا هذه الشهادت معه في التابوت ليبرزها لملك الموت ويطالب بمراعاته بإمتياز ومعاملته معاملة خاصة؟ ربما تأملوا ان تنفعه في الآخرة في الحصول على مكان افضل في الجنة... او النار.
فيما كنت افكر بكل ذلك، انفجرت معركة بين الحاضرين كما قلت. " عيب عليكم! تقولون عنده دكتوراه من هارفرد! شهادته هذي كانت مزورة. يعني تريدون تكذبون حتى على الله سبحانه و تعالى."
رد عليه اخو الميت: " اسكت كلب! هذا كلام البعثيين. يتهمون الناس بالتزوير لأن هم ما عندهم شهادات. "
" لكن إحنا مو خونة مثل اخوك اللي اشتغل للسي آي أي و اعطوه شهادة مزورة."
بهذه الكلمات فقد الطرفان السيطرة على اعصابهم فهجموا بعضا على بعض و دارت معركة ضارية تعالى في سمائها تراب القبور ، فأخذت طريقي الى الباب متسائلا، كم من صدق او زور يا ترى في كل هذه الشواهد التي مررت بها؟

Sunday 8 August 2010

الاسبوعية 8-8-10

الدم الخفيف و الدم الثقيل

خالد القشطيني

الثقل و الثقلاء باب اساسي من ابواب الفكاهة العربية. شاعت حكاياته و ملحه في بغداد العهد العباسي و اوردت الكتب نماذج عديدة منها. الغريب ان هذا الباب من الفكاهة العربية انقبر و لم نعد نسمع منه شيئا في عصرنا هذا. لا ادري لماذا. ربما خوفا من السلطة فجل من تولوا الحكم في عالمنا العربي تميزوا بدمهم الثقيل فيتصورون انهم هم المقصودون في الحكاية. فباستثناء سعد زغلول في مصر و بورقيبة في تونس و فارس الخوري في سوريا ، لم نسمع عن اي من الزعماء العرب تميز بخفة الدم وروح الظرف. اخذنا في الآونة الأخيرة نسمع الكثير من ظرافات و سخريات جلال الطالباني. نحتاج لكردي يعيد الينا شيئا من تراثنا و يغذي ارواحنا الكئيبة بشيء من الدم الخفيف.
كان ممن ولع بحكايات الثقلاء عبد الرحمن بن الجوزي. روى فيما كتبه عن العلماء و الحكماء الكثير من ذلك. و الظاهر ان مشايخ الاسلام و علماء الدين كانوا متميزين بخفة الروح و الظرافة في ذلك الزمن . فبعد ان روى ابن الجوزي الكثير من طرائف الشيخ الشعبي انتقل الى ظريف عراقي آخر هو سليمان الأعمش . ولد سليمان بن مهران الكاهلي عام 61 هـ في الري و نشأ و مات في الكوفة. وهو من الرواة. وقد لقب بالأعمش وهي صفة سألوه عنها . قالوا له ، " مم عمشت عيناك ؟" فقال من النظر الى الثقلاء."
و يظهر انه كان حساسا جدا بالنسبة للثقلاء و معاناته منهم، حتى روى عنه القاضي شريك بن عبد الله النخعي ، فقال: انه سمع الأعمش يقول: " اذا كان عن يسارك رجل ثقيل و انت في الصلاة ، فتسليمة عن اليمين تجزئك." فتوى ظريفة في ايام ظريفة!
استشهد الأعمش بغالينوس فنسب اليه قوله ان لكل شيء حمى، و حمى الروح النظر الى الثقلاء.
و دخل عليه رجل ثقيل يعوده في مرضه فقال: " ما اشد ما مر بك في علتك هذه؟" فأجابه : " دخولك!" و كان من عادته انه اذا رأى ثقيلا قال له :" كم عزمك تقيم في هذا البلد؟"
و روى حفص بن غياث لأبنه انه التقى ذات يوم بالأعمش فقال له هذا : " اذا كان غد فتعال علي حتى احدثك عشرة احاديث ، و اطعمك عصيدة. و انظر لا تجيء معك بثقيل!" قال حفص فعدوت اريد الأعمش فلقيني ابن ادريس فقال لي اين تريد؟ قلت الى الأعمش. قال فامض بنا . فلما بصرناالأعمش دخل الى منزله و اوصد الباب و جعل يقول من الداخل " يا حفص لا تأكل العصيدة الا بجوز. الم اقل لك لا تجئني بثقيل؟!"
و قال السيناني ان رجلا دخل على الأعمش فقال: " يا ابا محمد لولا اني اكره ان اثقل عليك لزرتك في عيادتك. فقال له الأعمش: " انك تثقل علي و انت في بيتك ، فكيف اذا دخلت علي؟"
و قال الربيع ن نافع: كنا نجلس الى الأعمش فنقول "في السماء غيم. يعني ه هنا من نكره."
و كان الأعمش بالأضافة الى ظرفه في الكلام ، ظريفا في المزاح العملي. روى من ذلك جرير فقال ، دعي الأعمش لعرس فنشر فروته ثم جاء فرده الحاجب. فلبس قميصا و ازرارا و جاء. فإذن له الحاجب فدخل. و جاؤا بالمائدة فبسط كمه على المائدة و قال لقميصه: " كل! فأنما انت دعيت وليس انا!" و قام و لم يأكل.
و قال وكيع بن الجراح الرواسي ، وهو من حفظة الحديث، " كنا يوما عند الأعمش فجاء رجل يسأله عن شيء. فقال: إيش معك؟ قال خوخ. فجعل يحدثه بحديث و يعطيه واحدة حتى فني. قال : ابقي شيء من الخوخ؟ قال فني يا ابا محمد. قال" قم فقد فني الحديث."
و يدلنا كا ذلك على ان الأعمش كان كالشعبي ، من الظرفاء العراقيين الذين كان الناس يقصدونهم لمجرد الاستمتاع بأحاديثهم و ما حفظوه من معارف و طرائف.

الشرق الأوسط 8-8-10

في ذكرى الدروبي

خالد القشطيني

من المعتاد للعراقيات ان يحيين ذكرى موت ازواجهن بمأتم صاخب يكثر فيه النحيب و البكاء و اللطم. ينتهي بوليمة سخية من الأطعمة التي كان المرحوم يحبها. يأكلن الدولمة و المحشي ثم يخرجن من البيت و يبدأ التجريح. " يا عيني ولا مبين عليها الحزن! دمعة دمعتين و سكتت. لطمت على صدرها نص دقيقة و بطلت."
" شتتوقعين يا ام حسين؟ المرحوم شيعي و هي سنية. و ما تنسين يا عيني، السنة ما يحسنون اللطم و البكا مثلنا".
بيد ان السيدة سهيلة الدروبي لم تحتفل بذكرى زوجها، استاذنا الرسام حافظ الدروبي، بمأتم. الفنانون لا يموتون. احتفلت بذكراه بمعرض لبعض اعماله الحية المتواجدة في لندن. لم اتتلمذ على حافظ و لكنني عرفته مرارا ضمن نشاطاتنا الفنية و زياراته المتكررة لبريطانيا. فحكى لي كيف تلعب الأقدار دورها في حياة العراقيين. ادرك مبكرا ان التعاطي بالفن افضل من التعاطي بالسياسة في العراق ، و حتما افضل من الاعتماد على الكتابة. و لكنه رحمه الله تطلع للمسرح و ليس للفرشة والاصباغ. و ليقنع مدير المعارف سامي شوكت بابتعاثه لدراسة المسرح في اوربا، قدم مسرحية عن البطولات العربية قام فيها بدور بشر ابن وائل في مصارعة الأسد و دعى اليها السيد المدير. بالطبع قتل العراقيون آخر اسد عندهم في القرن التاسع عشر و لم يبق في البلد اي اسود و حلت محلهم الثعالب و الغربان. جاؤا بكبش ذي قرنين مخيفين ليمثل دور الأسد. تضمن الأخراج دخول الدروبي الى المسرح بدشداشة بيضاء وسيف عتيد، وينشد القصيدة الشهيرة:
افاطم لو شهدت ببطن خبت وقد لاقى الهزبر اخاك بشرا
اذا لرأيت ليثا زار ليثا هزبر اغلبا لاقى هزبــــرا
كان الخروف قد دخل المسرح من اليسار ، و لكن يظهر انه لم يكن من عشاق الشعر العربي ، او ربما لم تعجبه تلاوة حافظ الدروبي للقصيدة فهجم عليه و نطحه من الخلف نطحة القت بها خارج المسرح فسقط في احضان المديرالعام. ضج المشاهدون بالضحك. فهنأه المدير على اختيار المسرحية و قال له ان الخروف كان اروع من قام بدوره فيها . ثم دعاه ملاطفا لتناول الشاي معه في مكتبه. وهناك توسل به ان يعطوه بعثة لدراسة المسرح . أجابه سامي شوكت بأن هذا لم يعد ممكنا فقد ابتعثوا حقي الشبلي لدراسة هذا الفن في فرنسا. و ما يصلح للعراق ان يكون فيه اكثر من ممثل واحد. أجابه حافظ: " اذن فابعثوني لدراسة الرسم. فأنا ارسم ايضا." اجابه قائلا : ارنا ما عندك .
انهمك استاذنا الفاضل برسم عدد من التصاوير و اقام معرضا صغيرا لها ، دعى اليه السيد المدير و معالي وزير المعارف. و لم يكن في بغداد عندئذ ناقد فني ينبري في الكتابة و يخرب على حافظ الدروبي فرصته و يدمر له مستقبله. فرشحه الوزير لدراسة فن الرسم في ايطاليا ثم اكمل المشوار في بريطانيا و عاد لتدريس الفن و استلام عمادة اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد قبل ان يمزق عملها المتشددون من الاسلامجية. فنم رغيدا في مثواك يا استاذنا الجليل و لاترى ما حل ببلدك و نهضتك الفنية من الخراب.

Tuesday 3 August 2010

الشرق الأوسط 3-8-10

من احوال الى اوحال

خالد القشطيني

ان مما يقتضي التبصر فيه النهوض المفاجيء لشعب من الشعوب . ينطبق ذلك في عصرنا هذا على اليابان و كوريا الجنوبية و نحوهما مما يسمى بدول النمور . هذا شيء تستهويني متابعته. بيد ان شيئا آخر على عكس ذلك يستهويني اكثر منه. وهو التدهور المستمر لشعب ناهض. ينطبق ذلك بصورة خاصة على العراق.
ان معظم هذا التمدن و الرقي و التقدم العلمي و التكنولوجي يعود الفضل الأول فيه الى ما تفتق عنه ذهن ابن وادي الرافدين في العصور الخوالي. يكفينا ان نشير هنا الى اختراعين من الاختراعات الاساسية لذلك المواطن. و هما الحروف الصوتية و العجلة.لم يكن بالامكان قط انتاج هذه الصحيفة بدون اختراع الحروف الصوتية . يمكن للغرب ان يبتدع شتى الكمبيوترات و الاقمار و المعدات الدقيقة و لكنها ستكون عقيمة كليا بدون الحروف.
نحن نفترص ان هذه العجلات الأربع التي تسير عليها سياراتنا شيء عادي لا يستحق النظر . و لكنه على بساطته لم يكن بأمكان البشرية ان تحرز اي تقدم بدونه. و الفضل كل الفضل يعود للمواطن العراقي الذي اخترع العجلة . المؤسف انه نسي ان يسجل برائة اختراعه. العراقيون ينسون دائما منجزاتهم. و لكن على اي حال لم يكن هناك مكتب لتسجيل الاختراعات . هذا المكتب من اختراعات الغرب الذي راح يفرض علينا اعلى اسعار عن اي شيء نريد الحصول عليه منهم. انهم يسمونه اسرار التكنولوجبا. المخترع العراقي المسكين لم يفرض عمولة على اي احد اقتبس منه صناعة العجلة . لو قدرله ذلك لآصبح العراق اغنى بلد في العالم. تصوروا لو انه فرض عمولة و لو بمقدار فلس واحد عن كل عجلة تستعمل في العالم. كم سيكون دخل العراق سنويا؟
و مع الحروف و العجلة وضع اول شريعة في تاريخ العالم، قانون حمورابي. منه اخذ اليهود الشريعة الموسوية و الوصايا العشر. ومنهم شاعت افكارها بين الملل. كل ذلك قبل قرون و قرون. و انظروا ما آلت اليه احواله. البلد الذي اخترع الحروف الأبجدية لم تتجاوز نسبة القادرين على القراءة من السكان عند تأسيس المملكة العراقية في 1920 عشرة بالمائة من السكان. و البلد الذي اخترع العجلة لم يعد قادرا على استعمالها لانعدام الطرق اللازمة لسيرها فالتجأ الناس لاستعمال التخت روان ، واسطة النقل العجيبة التي تعتمد على حمارين يقومان بمهمة العجلات. توضع بينهما خشبة يقعد عليها المسافرون و يمشون ببركة الله و بركة الحمارين المسكينين.
و الآن هذا البلد الذي اعطى البشرية اول قانون اصبح اول دولة في العالم في انهيار القانون. وهو ما اوحى للمالكي بتبني شعار " دولة القانون" ، عسى و لعل! امر حمورابي بنقش شريعته على صخر لئلا ينساها الناس، و نصب المسلة التي تحمل نص هذا القانون وسط مدينة بابل . و كان اهل بابل يقرأون . يمرون امامها و يقرأونها و يتعلمون منها كيف تبنى الحضارات. لم يقم بمثل ذلك نوري المالكي لأنه كان يعرف بأنه لو فعل هذا لجاء الحرامية في الليل و دفعوا للحارس ورقتين دولار و سرقوا المسلة.
فقولوا معي سبحان مغير الأحوال من حال الى اوحال.

من المرفوضات

عنصرية في الفراش

خالد القشطيني

اوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا غريبا من اسرائيل عن قرار قضائي لا يقل غرابة. قضت محكمة القدس بالسجن لمدة 18 شهرا على مواطن عربي مسلم ، صبار كاشور، بجريمة الاغتصاب لأنه واقع امرأة يهودية دون اعلامها بأنه ليس يهوديا. علق الكاتب الاسرائيلي جيدون ليفي على الخبر قائلا ماذا لو ان يهوديا تظاهر بأنه مسلم و واقع امرأة مسلمة؟ هل يعتبر قد اغتصبها؟ " طبعا لا" اجاب الكاتب على سوآله.
هذه محنة اخرى من المحن العديدة التي تواجهها اسرائيل. و هي محنة الطهور. فكلا اليهودي و المسلم يحملان عضوا مطهرا بين رجليهما. يا مصيبتك يا اسرائيل. فللموضوع آثاره الخطيرة على الاقتصاد الاسرائيلي. فكثير من المليونيرات اليهوديات الامريكيات يأتين لاسرائيل يحدوهن الأمل و الايمان العميق بأن يتباركن على مقربة من حائط المبكى بمضاجعة شاب اسرائيلي يهودي لقاء حفنة من الدولارات. عملية البغاء الذكوري المعروفة بالجيكولو. راجت هذه التجارة في القدس حتى لفتت انظار الشبان الفلسطينيين الذين مزقتهم البطالة و ضيق العيش. و لم لا؟ وهم مطهرون طهورا افضل من طهور الاشكناز، و يتكلمون العبرية احسن من الاسرئيليين الروس. راحوا يزاحمون الجيكولو اليهود بأعضائهم المطهرة. وهكذا راحت المليونيرات العجائز الامريكيات يعدن الى بلدهن سعيدات بما حضين به في اورشليم وراء حائط المبكى دون اي علم بأن من قام بخدمتهن كانوا شلة من زعران المسلمين المطهرين و ليس فتية من بني اسرائيل. و الحق معهن ، ففي آخر المطاف الأعمال بالنيات.
وهذا هو الخطر على الاقتصاد الاسرائيلي الذي اشرت اليه . فما الذي ستتفتق عنه ذهن حكومة نتنياهو لمنع هذه المنافسة غير الشريفة؟ فأي امرأة يهودية هناك ستكون واثقة بأن هذا الرجل العريان معها في الفراش هو يهودي حقا . فالفلسطينيون كما ذكرت في مناسبة سابقة هم علميا احفاد بني اسرائيل ، تنصروا في عهد الروم و اسلموا في عهد الاسلام و لكن ظلت جيناتهم و وجناتهم و مناخيرهم و اعضائهم تحمل سمات بني هرون و موسى عليهما السلام.
لا ادري اين قام صبار كاشور بجريمة الاغتصاب ، في فراش او على حصيرة او ربما على قارعة الطريق كما اتذكر، و لكن المشكلة ستظل قائمة لنتنياهو. كيف سيجد حلا يصون التمييز العنصري في الفراش، او على الحصيرة ، دون ان تصدر قانونا يحمي ذكورية اليهودي بتحريم الطهور على المسلمين فيصبح الختان امتيازا لشعب الله المختار وحدهم . و تؤسس عيادات خاصة تحقق في هوية الطفل ، انه يهودي صحيح النسب قبل القيام بختانه. ليسهل على المرأة الاسرائيلية ان تميز بين العاشق و الآخر، ما هو كوشير و ما هو حاريم. و يا عيني على الصبية المسكينة التي يقتضي عليها و هي في حمأة عشقها و شوقها ان تفتش و تتحقق اولا.
الخطوة التالية لحماية الذكورية اليهودية و منع الاغتصاب العنصري ستكون في تغيير بطاقات الهوية و جوازات السفر. على كل مواطني اسرائيل ان يضعوا عليها صورة اعضائهم بدلا من صورة وجوههم ليميز الناس بين المطهر و غير المطهر فلا تقع امرأة ساذجة بما وقعت فيه صاحبة السيد صبار بن كاشور في تبادل الحب مع رجل من الكوييم.

Sunday 1 August 2010

الاسبوعية 1-8-10

من ظرفاء ايام الخير

خالد القشطيني

اشرت في مقالة سابقة الى انحسار روح الفكاهة عند العراقيين في هذه الأيام الحالكة. و لكنهم تركوا لنا من ايام الخير الكثير من تراث الظرف و الفكاهة الذي تميزوا به و جعلوه اثرا يحتذى به و يتعلم المسلمون منه. وهو موضوع جدير بالمتابعة و التزود بنفائسه فلا املك غير ان اعود اليه. اشرت من قبل الى عبد الرحمن ابن الجوزي . كان قد جمع الكثير من تراث هذا الأدب في كتابه " اخبار الظراف و المتماجنين." بعد رواياته عن الظرفاء بين صحابة رسول الله صلى اله عليه و سلم، ، انتقل الى فصل بعنوان : " فيما يروى عن العلماء و الحكماء".
يستهل هذا الفصل بالأستشهاد بأبي القاسم السلمي، فيقول ان شريحا عاد الأمير زياد وهو في اشد المرض. و خرج منه فسألوه، كيف تركت الأمير ؟ فقال " تركته يأمر و ينهي." فتعجبوا من مقاله و هم على ما يعلمون من شدة مرض الأمير واقتراب اجله. فأضاف قائلا: " يأمر بالوصية و ينهى عن النياحة"!
بالطبع كان ذلك عصرا لا سينما فيه او تلفزيون او راديو او كرة قدم او مشكلة فلسطين لينشغل بها الناس، فانصرف القوم لقضاء اوقاتهم الى مجالسة الظرفاء و الاستماع الى احاديث العلماء ، كما نستشف مما رواه ابن الجوزي عن العالم الكبير الشعبي. قال ان رجلا جاء الى مجلسه و قال له :" لقد اكتريت حمارا بنصف درهم و جئتك لتحدثني. "
و لكن العالم الجليل اجابه قائلا: " اكتر بالنصف الأخر حمارا و ارجع. فما اريد ان احدثك!" الظاهر ان ذلك الرجل كان يعتبر العلامة الشعبي بمثابة التلفزيون الذي نقصده عند جيراننا او في المقهى لنستأنس و نتسلى به. كانت ايام خير، ففي هذه الأيام اصبح الناس لا يسمعون من علماء الدين غير الكلام الثقيل الدم و الفتاوى المتناقضة و الخوض فيما لا يعنيهم . كيف يضاجع المسلم امرأته وما يعتبر نجسا او غير نجس.
ومن الواضح ان العالم و الأديب الظريف الشعبي قد استحوذ على اهتمام ابن الجوزي و استحسانه في هذا الفصل بطرائف عديدة عن الشعبي و اجوبته اللاذعة. يقول دخل الحمام يوما فرأى داود الأودي يسير وهو بلا مئزر . فأغمض الشعبي عينيه ، فقال له داود، " متى عميت يا ابا عمرو؟" فأجابه قائلا، منذ هتك الله سترك!"
و سأله بعض مريديه و تلامذته ، هل تمرض الروح؟ فقال، نعم. تمرض من ظل الثقلاء." و مرت ايام فرآه بعض اصحابه جالسا بين رجلين عرفا بثقل دمهما ، فقال له احدهم ، " كيف الروح؟ " أجاب: " في النزاع!"
و بالطبع ،و ككل علماء العرب، كان له نصيبه من حنقبازيات اللغة العربية. ومن الطرائف اللغوية المروية عنه، انه دخل يوما على الخليفة عبد الملك بن مروان فبادره بالسوآل : " كم عطاءك؟" فقال لحن العراقي. ثم رد عليه فقال : " كم عطاؤك؟ قال " الفا درهم". فسألوه عن ذلك فأجاب قائلا:
" لقد لحن امير المؤمنين ، فلحنت لأني كرهت ان يكون راجلا و اكون فارسا!"

الشرق الأوسط 1-8-10

ليالي بغداد

خالد القشطيني

الأخت الفاضلة ابتسام العطيات واقعة في غرام. و غرامها هو العراق. كشفت عن هذا الغرام المبرح في تعليقها على ما قلته عن التعددية في العراق. قالت انها ترى ان حتى الظلام في العراق اجمل منه في اي مكان في العالم. الم اقل؟ هذه عين العاشقين. و لكنني اتفق معك تماما في هذا. فليالي بغداد من اجمل الليالي في العالم، و لهذا ذاع صيتها " ليالي بغداد". و لهذا ايضا نرى ان العراقيين تفردوا عن كل العالمين في النوم و قضاء لياليهم على سطوح بيوتهم. كل الآخرين ينامون في الغرف الا العراقيين. لا يريدون ان يفوتوا على انفسهم متعة النظر الى سماء بغداد ليلا. فبدرها اغنى ضياء و يبدو كما لو كان اكبر بدرا منه في بقية العالم. و نجومها اكثر لمعانا حتى انني عند عودتي بعد غيابي الطويل عن العراق كنت اضطر لأن اغمض عيني عندما انظر للسماء ليلا لأنني وجدت ان شدة لمعان نجومها كان يتعب عيني. هناك حاجة لأختراع نظارات خاصة تقي العين من نجوم بغداد. ففيها يحتاج الانسان الى نظارتين، واحدة للشمس في النهار ، وواحدة للنجوم في الليل.
كتبت عن التعددية فأثرت بها تعددية في التعليقات. كلا الأخوين محمد احمد محمد من مصر و متقي عادل يشككان في مقولتي عن خطر التعددية على الوحدة الوطنية ويلفتان نظري الى الازدهار و القوة التي تمر به امريكا رغم كل ما فيها من تعدد اجناس سكانها. ليس لي غير ان اقول ان امريكا هي الشذوذ الذي يثبت القاعدة، كما يقال. و لكن علينا ان نتذكر انها عندما انطلقت من عشها لتبني مجدها في القرن الثامن عشر لم تكن فيها اي تعددية. كانوا جميعا انغلوسكسون من بريطانيا. ظهر التعدد فيما بعد في القرن العشرين.
المثل الأفضل من امريكا هو سويسرة. فلعدة قرون ظل شعبها يتكون من المان و فرنسيين و ايطاليين و يتكلمون بلغاتهم القومية المختلفة و يؤمنون بمذاهب مختلف. و مع ذلك فلم نسمع عن اي
حرب اهلية بينهم او اي تقاتل طائفي او قومي. مضوا و حققوا كل هذا الرفاه و الازدهار و التقدم الذي نعرفه عن سويسرة. انبهر بما رآه فيها كامل الجادرجي ، الزعيم العراقي المعروف. التقى بعد عودته بأصحابه ووصف لهم ما رآه من حضارة و سؤدد هناك ، ثم التفت الى بعض الحاضرين من الزعماء الأكراد و قال لهم، انظروا ما حققه السويسريون في بلدهم. سويسرة مثل كردستان. بلد جبلي فقير، منعزل عن العالم ، لا معادن و لا موارد غير الجبال الجرداء الوعرة. و مع ذلك استطاعوا ان يبنوا هذه الحضارة و الرقي. لماذا انتم ايها الكرد عجزتم عن تحقيق مثل ذلك لكردستان؟ اجابه احدهم قائلا : معلوم يحققون كل هذا الازدهار و الرقي لأنه ماكو حولهم عرب!
" الى شمالهم يوجد المان. الى شرقهم يوجد فرنسيون. الى جنوبهم يوجد ايطاليون . الى شرقهم يوجد نمساويون. نحن اش عندنا في كردستان؟ بشرقنا عجم و بغربنا عرب. شلون ننهض؟"

Thursday 29 July 2010

الشرق الأوسط 29-7-10

يوم الثورة و يوم النهضة

خالد القشطيني

اقامت وزارة الأعلام العمانية احتفالا عبر سفارة السلطنة و مكتبها الصحافي في لندن في ذكرى يوم النهضة المصادف 23 يوليو. في الكثير من الدول العربية تحتفل الدولة بيوم الثورة، و اعتقد انه قد آن الأوان لأكثرها ان تغير العنوان الى يوم الورطة. و لكن في سلطنة عمان تجري الاحتفالات بأسم يوم النهضة ، يوم بدء المسيرة الجديدة نحو النمو و التطور السلمي للبلاد. كثيرا ما اثار اعجابي هذا التطور المرحلي نحو الرخاء الاقتصادي المصحوب بالسعي الحثيث نحو الحكم الديمقراطي. مشاركة في رفاه البلاد و مشاركة في ادارة البلاد.
لمست جزء صغيرا من هذا التطور في هذا الحفل الهاديء الذي اقامته السفارة العمانية عند مشاهدتي الفرقة الموسيقية التي عزفت لنا عينات احسنوا اختيارها من شتى ضروب الموسيقى العربية الكلاسيكية و الشعبية و الفلكلورية، تضمنت حتى مقطوعات من ناظم الغزالي، رحمه الله. خمسة من اعضاء الفرقة السلطانية الأولى للموسيقى و الفنون الشعبية، جيء بهم ، او بالأحرى بهن خصيصا من مسقط الى لندن لأحياء هذه الحفلة. فقد كانت المجموعة تشمل اربع فتيات عازفات ، طاهرة جمال البلوشي على الكمان ، و فرح جمال البلوشي على القانون و رحمة مسلم الشبلي على العود و مطلوبة درويش الميمني على الناي. يصاحبهن عازف الايقاع طلال ناصر السيابي. كانت مجموعة ظريفة لا تمثل فقط الجمال العماني الرشيق بثيابهن و زينتهن التقليدية الباهرة و انما تعطينا ايضا اشارة بليغة عن تحرر المرأة العمانية و دأبها على اقتحام كل ميادين الحضارة و رموز المدنية القديمة و الحديثة. حقا لقد رأينا الكثير من نسائنا يعزفن على العود و الكمان و الناي ، و لكنني لأول مرة شهدت فتاة تعزف على اوتار القانون ، هذه الآلة الدقيقة الرجالية. و بعين الوقت - اخشى ان اقول – تمثل التراث و تقاليد المجتمع العربي. الرجل في آخر المطاف هو ضابط الأيقاع و المرأة تعزف علي ضربات ايقاعه! في المطبخ كما في المسرح!
كانت لفتة بليغة و موفقة حقا من وزارة الأعلام العمانية في اختيار هذه النخبة من مجموع المائتين او اكثر من عازفي و عازفات الفرقة السلطانية الأولى التي طالما استمتعت بعزفها على قناة التلفزيون العماني في اواخر الليل.
سرعان ما استأثرت الفرقة باهتمام ضيوف الحفلة من اعرب و الأجانب فجاؤا بكراسيهم و اصطفوا امامها ، تركوا ورائهم المأكولات العربية اللذيذة و الحلوى المسقطية الشهيرة، اكتفوا بما رأوه على الشاشة من مناظر عمان الخلابة وافلاجها العجيبة، و جلسوا يستمعون لموسيقاها و يصفقون لها بحماس. و فيما كنت افعل ذلك ، استطعت ان اخترق اندماجي بها و انطلق بالتفكير. اربع نساء عازفات وعازف رجل واحد. اخرجت دفتري و قلمي و انهمكت في الحساب. يعني ذلك ان ثمانين بالمائة من الفرقة اناث. و عشرون بالمائة فقط ذكور. لماذا لم نحصل على هذه النسبة في مجلس الشورة العماني الذي لم تفز فيه امرأة عمانية واحدة بمقعد لها؟! الى متى يبقي الرجل يحتكر الايقاع ويستأثربالضرب على الطبل؟ افتوني يرحمكم الله.

Tuesday 20 July 2010

العالم 21-7-10

لا خلاص من الفتنة

خالد القشطيني

قلما اشاهد الفضائيات العربية. و عندما افعل فالشيء الوحيد الذي يثير تفكيري هو المذيعات و المعلقات المحجبات. يختاروهن من اجمل الحسان. و يمدونهن بما يكفي من التخصيصات لتجميل انفسهن و فتن المشاهدين و المشاهدات. ما اعرفه عن الأسلام هو انه ينهى عن التبرج. و المقصود من الحجاب هو حجب الفتنة عن الرجال ( و النساء ايضا طبعا). اذا كانت هذه هي الفكرة ، فلماذا يختارون فتيات جميلات؟ اليس من الأفضل ان يختاروا نساء مسنات و دميمات ، ربما اكثر ثقافة و معرفة باللغة من صبية شابة فنركز على ما تقول و ليس على ما على وجهها من حواجب ساحرة و شفاه مغرية، فنفكر بدلا من ان نحلم؟
و انت ايتها المذيعة المحجبة، لم كل هذا التبرج والمكياج اذا كنت من المؤمنات و المتمسكات بتقاليد الاسلام و اعرافه؟ اليس في هذا الكثير من النفاق و الرياء؟
بالطبع ، يريد المخرجون و مدراء التلفزيون ان يجروا الجمهور الى قنواتهم و يعرفون ان الحسان الفاتنات هن العنصر الذي يجذب المشاهدين، والا فمن يريد ان يضيع وقته في الاستماع لكلام فارغ و برامج عاطلة؟
دلال المذيعات المحجبات يذكرني بدلال الفتيات الاوربيات اللواتي يلبسن التنورة القصيرة. تقضي وقتها في القطار او في صالات الانتظار في جر ذيل تنورتها الى الأسفل لتغطي على ما انكشف من فخذيها و تستر على عورتها و لباسها. يا بنت ، اذا كنت تشعرين بالحرج في الكشف عن فخذيك و لون لباسك، فلماذا تختارين تنورة قصيرة لا تغطيهما؟ لماذا لا تلبسين تنورة اطول الى الركبتين و تريحين نفسك؟ يعني انت ايضا تريدين ان ترددي الأغنية العراقية "قولي قليل الخام."
بالطبع ، يخطر للذهن انها تتقصد ذلك. تجر بحاشية تنورتها الى الأسفل لتلفت نظرك الى ما كشفت لك عن فخذيها. انها دعوة متسترة. يا رجل لا تفوّت هذا المنظر. العمر قصير و السفرة الى واترلو ربع ساعة فاغتنم الفرصة و انظر، قبل ان يفوتك القطار. تستجيب لدعوتها فتنظر و تبحلق بكلتا عينيك. لا تفعل ذلك الا و تراها تنزعج من نظراتك. تجر تنورتها اكثر فأكثر الى الآسفل. تسرع فتضع حقيبتها في حضنها لتستر على فخذيها. و اذا لم ينفع كل ذلك، فتراها تقوم و تلقي نظرة غضب و استياء عليك و تذهب لتجلس في مكان آخر. تجلس و تتمتم: "يعني حقيقة الرجال مخلوقات كريهة. ما عندهم ادب!"
لابسة المني جوب تذكرني بلابسة الحجاب. اذا كان الغرض الستر ، فلماذا كل هذا المكياج والاستعراض؟ هناك الآن مصممون في لندن يكسبون دخلا جيدا من تصميم حجابات جميلة فاتنة لبنات الذوات المسلمات . و صل الموضوع في ايران ان اضطر المعممون لاصدار فتوى ضد حجاب الموضة . اثرت ضجة في مصر عندما كتبت و قلت اذا مرضت فلا اريد دكتورة محجبة تقوم بمعالجتي. يظهر انني سأغير رأيي الآن بعد ماسمعت عن كل هذه الحجابات الفاتنة.

Saturday 17 July 2010

الآسبوعية 11-7-10

من منجزات الكلاب

خالد القشطيني

من المشاهد الظريفة في المدن الغربية مشهد الكلب الدليل للعميان. يختارونه اعتياديا من فصيلة اللبرادور الذكية و الوديعة و القوية. يدربونه تدريبا محكما على قيادة صاحبه. يفهم كلامه و يقوده الى حيث يريد. يجتاز به الشوارع المكتضة بالمارة و السيارات، يعبر به الشارع عبورا سليما و يأخذه لمحطة الباصات او القطار ، المنصة المطلوبة، يدخل به القطار، يجلس بجانبه. ثم ينهض في المحطة اللازمة و يخرج به ، و هلمجرا. تنال هذه الكلاب عطفا و محبة خاصة بين الجمهور. يتبرعون لها بمبالغ سخية و كثيرا ما يوصون بتركتهم لها. و لها يوم مشهود في السنة " يوم اللكلاب الدليلة للعميان." تراهم يمسحون عل ظهرها و رأسها و يدللونها.
بيد انه صبيا صغيرا كان ورائي في قطار واترلو بالغ في محبته و مداعبته لاحد هذه الكلاب قريبا مني. رمى اليه بكرته ، كرة تنس صغيرة صفراء. من المعتاد لكل الكلاب ، عندما ترمي اليها بشيء ، كرة او عصا او حجرا، ان تثب و تهرع نحوه ، تلتقفه بفمها و تركض به نحوك لتعيده اليك. هذا سلوك غريزي في الكلاب. رمى الطفل بكرته نحو هذا الكلب الدليل الذي كان يقود امرأة عجوز كفيفة.
مسكت انفاسي متسائلا . ماذا سيفعل هذا الكلب اللبرادور؟ هل سيلبي نداء غريزته فيتخلى عن واجبه في مصاحبة المرأة العجوز و قيادتها و يجري نحو الكرة الصفراء؟ ام سيتجاهل الكرة و يواصل واجبه الذي تدرب عليه نحو المرأة؟
لم يكن الكلب اقل حيرة مني. لاحظته يكشر عن انيابه و قد دخل في ازمة نفسية و صراع مع ذاته و غريزته ، كما يفعل اي موظف عندنا عندما تقع بيده كومة من اموال الدولة. هل يختلسها ام يذكر ربه و آخرته و يتمسك بنزاهته؟ هكذا لمحت الكلب في هذه الأزمة. نظر صوب الكرة في الجانب الآخر من العربة . ثم توجه بعينيه الصغيرتين الجوزيتين نحو سيدته العجوز المكلف بها. و عاد ينظر نحو الكرة ثم عاد ينظر الى سيدته ، ثم رأيته يغمض عينيه كما تفعل جماهير شعبنا عندما تحير في امرها و لا تعرف لمن تستمع و من تصدق. اغمض عينيه و استسلم لواجبه و مهمته المكلف بها. و بقيت الكرة في مكانها . قمت انا بدور الكلب، فمشيت و التقطتها واعدتها للطفل الذي كان جالسا في احضان امه. نظر الي الكلب و ابتسم . يشكرني ان قمت بدور كلب، وهو شيء تعلمنا عليه في عالمنا العربي. وصلنا محطة واترلو ، فانتفض واقفا و اقتاد المرأة الكفيفة الى باب العربة ثم نزل معها ، يقودها الى العنوان المطلوب منه.
ظلت الواقعة تشغل بالي. ففي هذه الأيام التفكير في سلوك الكلاب و الحيوان افضل و اجدى من التفكير في سلوك الانسان. التقيت مساء في مطعم سليمانية بصديقي اسماعيل احمد. رويت له الحكاية و قلت ، يا عزيزي اسماعيل، انظر لهذا الكلب ، كيف التزم بواجبه و التزامه نحو من عهد اليه و تجاهل حتى نوازعه الغريزية و فطرته. لماذا لا يتعلم زعماؤنا و ساستنا من هذا الكلب احترام اولوية الواجب، واجبهم نحو شعبهم و وظيفتهم ؟
" اوه يا ابو نايل، انت تبقى على سذاجتك؟ تريد تقارن بين اخلاق كلب انكليزي بأخلاق ساستنا و قادتنا و مثقفينا؟"

Saturday 3 July 2010

صحيفة العالم 3-7-10

عنتر العربي و عنتر الأنكليزي

خالد القشطيني

لكل شعب ابطاله الاسطورية الذين يتغنى بهم . نحن نتغنى بعنتر العبسي . الانكليز يتغنون بروبن هود. كان كلاهما قطّاع طرق ، سلابين و نهابين. طبعا مع الفارق. فما هو الفارق؟
سبق ان كتبت و قلت مرارا و تكرارا، وهو ان من الجدير بنا حذف تدريس التاريخ العربي في مدارسنا و استبداله بتاريخ اوربا. تاريخنا مليء بالسموم التي ينبغي ان نخجل من ذكرها .
اشرت سابقا ان السلب و النهب ، اي السرقة، جزء من تراثنا. يعود عميقا الى ايام الجاهلية. قصة عنتر بن شداد العبسي التي يدرسونها في المدارس و نعتز بها و يشير اليها الكتاب العرب فيصفونه دوما بالفارس البطل، هي واحدة من القصص التي ينبغي حذفها من مناهجنا الدراسية. اولا انها حكاية رجل سخيف العقل احب امرأة ، عبلة ، و قضى كل حياته يحارب و يقتل و يسفك الدماء و ينهب اموال الناس من اجلها بدون طائل. همه و غمه انه شايل زبه و يدوّر على مرة. و لكن عبلة تزوجت برجل آخر، ابيض البشرة ، كما وصفه في بكائيته الشعرية ، كما اوردها الأصمعي :
اما تريني قد نحلت و من يكن غرضا لأطراف الأنة ينحل
فلرب ابلج مثل بعلك بادن ضخم على ظهر الجواد اصيل
غادرته متعفرا اوصاله و القوم بين مجرح و مجدل
يستشف من هذه الأبيات انه كان حاضرا في عرسها ، راضخا لمصيره غير الأصيل. فقد قضى حياته في اعزوبية لا يجرؤ على خطبة اي عربية اصيلة.
ثانيا انها حكاية عنصرية. فعندما تقدم لخطبتها من والدها رفض ان يزوجه بها لأنه كان اسود اللون و من سلالة العبيد. كانت والدته امة من امات بني عبس. افترض ان والده المحترم قد اغتصبها فحملت منه عنتر. لا ادري هل يدرسون هذه الحكاية في السودان و الصومال و اي بلد عربي يغلب على سكانه اللون الأسود؟ بل كيف يدرسونها في كل مدارسنا العربية، فلا يوجد بلد عربي خلى من اطفال ملونين و سود.
ثالثا انها حكاية تشجع على النهب و السلب، السرقة و قتل الأبرياء . فعندما تقدم لخطبة ابنة عمه، شعر عمه بالحرج. فها هو بطل بني عبس الذي انقذ العشيرة في معارك دامية ، حامي الحمى، كيف يرفض زواجه بأبنة عمه؟ فأستعمل اسلوب التعجيز معه. طلب منه مهرا لعبلة ، الف ناقة من ناقات الملك النعمان الشهيرة و المعروفة بالعصافير. فغزى و جاء بها. حكاية سرقة و نهب و قتل اناس ابرياء.
الم اقل انه كان رجلا سخيف العقل. فما ان جاء بالمهر حتى طلب منه عمه شيئا اكبر و اصعب و استمرت التجربة و تكررت و لم يفهم الفكرة التعجيزية وراء كل طلب جديد. أي انسان
عاقل يقول لعمه دعنا نتزوج اولا و ادخل بعبلة و انا آتيك بما تريد. سلّم بلّم...
و المرأة في الحكاية مجرد بضاعة مجردة من العواطف، يتساوم عليها الرجال و يزفونها لمن يشاؤن.
و الآن نأتي الى عنتر الانكليزي، روبد هود.

كثيرا ما واجهت هذه الظاهرة و حرت في تفسيرها. غالبا ما اظهر الأنغلو سكسون جنوحهم للديمقراطية و الاعتدال و الأنصاف fairness حتى في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ في القرون الوسطى، و اينما ذهبوا، من نيوزيلاندة الى كندا. هل انها مسألة جينات تجري في عروقهم؟ تكلمت توا عن عنتر العبسي و كيف انه احب عبلة و كرس كل قوته و بسالته للنهب و السلب و القتل لمجرد أرضاء والدها بالمهر الذي طلبه. تقابله في الأدب الانكليزي شخصية اسطورية مشابهة يمتد تاريخها الى القرن 11. ايام عز الحضارة العربية، ايام الجواري و الغلمان و الخصيان. كان روبن هود قطاع طرق و نهاب سلاب مثل عنترالعبسي، مع الفارق. لم يفعل ذلك للحصول على امرأة ، و انما لحماية المرأة و أعادة توزيع الثروة في البلاد، على حد قول الموسوعة البريطانية. كان يسرق من الاغنياء ليوزع ما ينهبه على الفقراء. هكذا جاءت الأغنية الشعبية التي مازال اولاد الأنكليز يغنونها في المدارس:
Robin Hood, Robin Hood, riding through the glen
Robin Hood, Robin Hood, with his band of men,
He robbed the rich to give the poor.
روبن هود، روبن هود ، راكبا جواده في الوادي
روبن هود، روبن هود ، مع عصبته من الرجال،
ليسرقوا من الأغنياء و يوزعوا على الفقراء.
تقول الموسوعة البريطانية انه كان يجسم تطلعات الجماهير لمجتمع عادل ، بدون طبقات ، خال من رجال الدين، و بلد مستقل لا يتسلط عليه الأجنبي . كانت اساطيره تجسم ايضا حب الطبيعة و الخضرة و البيئة وممارسة الرياضة. فقد كان وعصبته قد اختاروا العيش في غابة شروود، قرب مدينة نوتنغهام، حياة الحرية. تسجل اقاصيصه نضاله المستمر ضد الطبقة الحاكمة في شخصية الأمير آرثر، عمدة نوتنغهام الذي بذل المستحيل لآلقاء القبض عليه و ايداعه السجن. و لكن روبن هود كان يفلت من يديه دائما ببسالته و حنكته. من مغامراته ايضا مهاجمة عربات رجال الدين لسلبهم من مجوهراتهم و حليهم الذهبية وما يحملون من نقود. و عندما سمع بالغزو النورماندي لأنكلترا في 1066، ترك غابة شروود و توجه مع رجاله الى الجنوب ليشاركوا بقية المواطنين في درء الغزو الأجنبي والدفاع عن انكلترا.
لا ذكر في اقاصيصه للوقوع في الحب او السعي للزواج بأمرأة و لكنه كان يتصرف دائما تصرف الفارس الشهم في انقاذ المرأة من الأخطار و عدوان الرجال حيثما تعرضت للأغتصاب و الاختطاف. و لهذا فقد حصر عبادته المسيحية في التعبد لمريم العذراء لأنها جسمت له المرأة الطاهرة.
كيف لا ينشأ المواطن محبا للحرية و الديمقرطية والعدالة وقد استمع لهذه الحكايات في طفولته و غنى هذه الأغاني في احضان امه و ساحات مدرسته؟

Sunday 13 June 2010

الشرق الأوسط 13-6-10

هل ستموت اللغة العربية؟

خالد القشطيني

و اعود لموضوع النحو العربي و الإملاء العربي لما اجد فيه من الأهمية السياسية و الاجتماعية و العلمية. اثارت هذا السوآل " هل ستموت اللغة العربية؟" مجلة الايكونومست البريطانية المهيبة في 24 ابريل الماضي. هذه مجلة متخصصة في مواضيع الاقتصاد و السياسة. فلماذا تناولت هذا الموضوع اللغوي المتعلق اساسا بقوم يلبسون دشاديش و جلابيات؟ الجواب هو فيما سبق و قلته، وهو ان مصير اللغة العربية له دوره في المستقبل السياسي و الاقتصادي للشرق الأوسط.
اكد الكاتب على ما سبق و قاله هذا الكاتب ، انا. وهو ان اللغة العربية الفصحى بشكلها الحالي لم تعد لغة عملية ونبذها العلماء و الاطباء و كل المهنيين. لم يعد قادرا على استعمالها غير المتخصصين بها الذين اصبحوا مثل السحرة و الكهان العارفين بأسرار المهنة. نصف من يستعمل لغتة الأصلية فيجيد بها بأنه يستعمل "لغة الأم." ، اللغة التي تعلمها من امه. و لكن لا توجد الآن امرأة عربية واحدة تكلم طفلها بالفصحى. فاللغة التي يستعمها كل الكتاب ليست لغة الأم. و انما لغة المدرسة. تعلمناها فيما بعد مع اللغة الانجليزية. و استطيع كمحام ان اطعن في كل الافادات و الشهادات المطروحة امامي في دعوى و اعتبرها باطلة لأنها دونت بلغة القاضي و ليس بالكلمات التي قالها فعلا المتهم. كل القرارات الصادرة من المحاكم العربية باطلة لأنها لا تقوم على اللغة التي قالها فعلا المتهم و الشرطي و الشهود.
اضيفت مؤخرا مشكلة جديدة للموضوع. لم يعد الأمر يمس فقط الأقليات الأثنية في عالمنا العربي. فبسبب العولمة و النفط و الثروات العربية وانتشار الاسلام في الغرب ، وجد بعضهم ضرورة لتعلم العربية. التقيت بعشرات منهم. حاولوا ثم نبذوا المحاولة بعد اشهر قليلة بسبب صعوبات لغتنا. لا يواجه مشاكل كتابة الهمزة و التعامل مع " حتى" في مواضع شتى حتى يرمي بالكتاب في سلة المهملات و ينصرف للبحث عن لغة اسهل .
طوروا اخيرا ما يسمى بلغة MSAالعربية المعتادة الحديثة Modern Standard Arabic
هذا موضوع يهم دعاة الاسلام في الخارج. يحتاجون لمثل هذه اللغة تحت تناول الداخلين لدين محمد.
استطيع ان اتصور رجلا يعتنق الاسلام ثم يواجه صعوبات اللغة فيهجره لدين آخر.
بانتهابنا لرموز الحضارة الغربية وجدنا انفسنا نستعمل الكثير من مفردات و تراكيب لغاتهم . اصبحنا مثلا نبدأ بالفاعل ثم الفعل " المعلم قال" بدلا من " قال المعلم" كما تقتضي القواعد العربية. وهذا شيء كثيرا ما اقع فيه فأبدأ بالأسم ، ربما خوفا من غضب الحكام. فالمهم ذكر الحاكم اولا و لا يهم ماذا فعله او سيفعله. يرى البروفسور كلايف هولز ، استاذ اللغة العربية في جامعة اكسفورد، ان هذا لايعني افول هذه اللغة و موتها بل يدل على حيويتها و قدرتها على التطور و التعامل مع كل الظروف الجديدة. وهذا صحيح. فاللغة كائن حي و يتطور. اللغة العربية قادرة على التطور . العاجز عن التطور هو المواطن العربي ، او بالأحرى المثقف العربي. إنه هو الذي يرفض ان يتطور و يتردد في تطويع لغته و تبسيط قواعدها فيبقى متمسكا بنون النسوة و رفع المثنى بالألف.

العالم 13-6-10

غلغامش و العشق المثلي

خالد القشطيني

اشرت سابقا في مقالتي "الجنس و السياسة " الى ملحمة غلغامش. و ربما استغرب القراء من هذه الأشارة فليس فيها شيء من الحب غير العلاقة الجنسية الفجة و العابرة بين البغي و الرجل الوحش. و هذا هو ما وددت تناوله و بحثه. فعلى خلاف الملحمات الاسطورية الأخرى لا تقابل البطل في الملحمة السومرية اي انثى يرتبط و اياها بعلاقة عاطفية. بالحقيقة لا توجد هناك اي انثى غير البغي. عاطفة الحب عند غلغامش انصبت فقط على رجل، رجل وحشي قوي العضلات. و كان حبا جامحا صحبه في كل سفراته و عندما اصابه المرض و مات، تدفق غلغامش بأشعار مفعمة بعواطف جنونية هزت كل كيانه:
اسمعوني ايها الفتية، اسمعوني
اسمعوني يا شيوخ اوروك، اسمعوني
سأبكي على صديقي انكيدو
سأبكي و انحب عليه كالمرأة العدادة بالأجرة
يدفن صديقه و يهيم على وجهه تائها حائرا مكتئبا. لا يعرف لمن يتجه. يفكر اخيرا بالبحث عن الخلود. ما الذي حداه لهذا البحث؟ يجد سكان المنطقة خلودهم في اولادهم ، في نسلهم. يخلدون ذكر اسمهم بهم ، ابن فلان و ابو فلان. بيد ان غلغامش لم يتزوج و لم يخلف. اكان حرمانه من الأسرة سبب سعيه للخلود؟ و هذا عنصر غريب آخر في حياة غلغامش. فالمعتاد في ملوك و امراء المنطقة ان يبادروا للزواج و يكثروا من الزوجات . و لكن هذا الملك السومري لم يسع او يفكر بذلك.
في النص الذي قرأته، كانت امه المرأة الوحيدة التي يذكرها بحرارة . وهذا عرض آخر من اعراض الحب المثلي. غالبا ما ترى المثليين يتعلقون بأمهاتهم بصورة قوية.
علاقة انكيدو بالمومس هي الأخرى تستدعي النظر. فبعد تمتعه بها جنسيا لفترة قصيرة ، تمرض و اوشك على الموت. لم يكن هناك ايدز و لا نعرف اي امراض تناسلية كانت شائعة بين البغايا. و لكن هل اراد الشاعر ، مؤلف الملحمة ، ان يعطينا اشارة ( مثلية) في هذا الخصوص، اشارة ان نبتعد عن الحب و العلاقة الجنسية مع الاناث؟ ينطلق انكيدو بمقارعة البغي و يلومها على ما حل به و خداعه و جره لهذا المطب. و على أي حال ، فأن انكيدو يقطع علاقته بها و لا يكرر التجربة مع اي امرأة اخرى. و لسان حاله يقول : كفاية بقى! يلعن ابو النسوان!
لا علم لي بمدى انتشار اللواطة في الشرق في تلك السنين. و لكن حكاية لوط و ما ورد في القرآن الكريم و النصوص الأخرى يؤكدعلى انتشار هذه الممارسة. بالطبع انا لا اقصد ان الملك السومري كان واحدا منهم بالفعل فليس من الضروري ان يطابق النص الشعري الواقع التاريخي. ربما كان الشاعر لواطا و نظر للتاريخ من منظاره. المهم ان لا يتهمني احد بأنني انا واحد منهم ففسرت الملحمة من هذه الزاوية. و لكنني اهيب بالباحثين في تعقب الموضوع فلربما نثبت للعالم ان عندنا اقدم نص في الحب المثلي.

Sunday 6 June 2010

الشرق الأوسط 6-6-10

ابو علقمة – بهلول اللغة

خالد القشطيني

كما ذكرت في مقالتي السابقة ، اخذ الجمهور في العهد العباسي يجدون في قواعد النحو العربي و حوشي الكلام مصدرا للتندر و الفكاهة و السخرية و ينظرون للنحويين كحمقى و بهاليل يثيرون في النفس الضحك و الشفقة. و شاعت بين الناس اسماء طائفة منهم فتصدر القائمة الفقيه ابو علقمة. رأينا كيف حاول ان يغازل جارية فثارت عليه و وبخته على غزله و تصورت انه كان يشتمها.
وردت عنه حكايات و طرائف كثيرة. ذهب الى طبيب يشكو مرضه فقال:
"اني اكلت من لحوم هذه الجوازل فطسئت طسأة فأصابني وجع بين الوابلة الى داية العنق، فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب و المت له الشراسيف . فهل عندك دواء؟"
فقال له الطبيب: " خذ حرقفا و سلقفا و شرقفا ثم اهرقه و رقرقه و اغسله بماء مروّث و اشربه بماء الماء."
فقال ابو علقمة : ويحك! أعد علي فأني لم افهم.
فقال له الطبيب، " لعن الله اقلنا افهاما لصاحبه. فهل فهمت شيئا من كلامك؟
و احتاج الفقيه الى خدمات حجام ليحجمه. بادره بالقول:
" لا تعجل حتى اصف لك. ولا تكن كأمرء خالف ما امر به و فعل غيره. اشدد قصب المحاجم ، و ارهف ظبة المشارط ، و اسرع الوضع ، و عجل النزعة .
و ليكن شرطك وخزا، و مصك نهزا ، ولا تردّن آتيا ولا تكرهن ابيا."
فوضع الحجام محاجمه في قفته وقال: يا قوم هذا رجل قد ثارت به المرة (مزاج السوداوية) ولا يصح ان يخرج دمه في هذا الوقت.
قال و انصرف.
وفي حكاية بهلولية مشابهة ، بعث ابو علقمة بغلامه الى غريم خاصمه و قال للغلام، "خذ من غريمنا هذا كفيلا ، و من الكفيل امينا ، و من الأمين زعيما ، و من الزعيم غريما. " فقال الغلام للغريم: " مولاي هذا كثير الكلام. فهل معك شيء؟ فأرضاه الغريم فخلا سبيله الغلام. و عاد الى سيده فسأله : يا غلام ، ما صنعت بالغريم؟ فقال: سقع! قال ويلك ، ما سقع ؟ قال بقع. قال ويلك ، وما معنى بقع؟ قال : استقلع. قال ويلك، ما معنى استقلع؟ قال انقلع! قال ويلك، و لم طولت علي كل هذا الكلام؟ قال منك تعلمت!
لا اخال هذه الحكايات حقيقية جملة و تفصيلا ، و لكنها مؤشرات على قرف الناس من فقهاء اللغة و تحذلقهم و تزمتهم و تعلقهم بكلام الغابرين و تمنعهم عن مماشاة روح العصر و التبسط باللغة. و كان من معالم تحجرهم استقراء ما يقوله البدو و الاعراب. يحاول اهل الريف في معظم المجتمعات ان يتعلموا من اهل الحواضر. بيد ان فقهاءنا دأبوا على عكس ذلك فكانوا يخرجون الى البادية ليستمعوا و يسجلوا استعمال البدو للغة . و جلسوا في المدينة يتربصون لأي اعرابي امي زائر ليسألوه و يتعلموا منه. لاحظ بعض الاعراب ان هؤلاء الفقهاء كانوا يستضيفونهم و يهادونهم و يدفعون اجرا لهم عن أي شيء حوشي ينطقون به و يتعلمونه منهم. فأخذوا يفتعلون الكلام و يخترعون الكلمات و يكسرون قواعد النحو ليكسبوا فلسا او فلسين من هؤلاء القوم ، بهاليل اللغة!

العالم 6-6-19

من طرافات الكرخي

خالد القشطيني

انني اعتبر الملا عبود الكرخي من اعظم شعراء العرب في الهجاء. حال دون بروزه خارج بلده نظمه الشعر باللغة العامية و نشر شعره بطريقة يصعب على غير العراقين قراءتها. من سلوكيات العراقيين ضلوعهم بالكفر و الشتم . وهو ما تميز به شعراؤهم ، بمن فيهم الجواهري. قلما يوجد مثقف بيننا لا يحفظ شيئا من شتائميات الكرخي التي تصل حد البذائة. بيد انهم قلما لاحظوا لفتاته الفلسفية ، كتساؤله : " هم هاي دنيا و تنقضي و حساب اكو تاليها؟" انها كلمات تذكرنا بالكثير مما قاله المعري في تأملاته العلمانية، و تعبر عن روح الشك المستأصلة في المواطن العراقي. احقا هناك آخرة و يوم الحساب؟
من ولع العراقيين بالشتائم ان حولوه الى نزهة تأخذ صيغة المطاردات الهجائية الاخوانية التي يداعب فيها الشعراء الشعبيون بعضهم البعض. و من ذلك ان انبرى الشاعر الشعبي الحاج جودي، القهوجي في مدينة الكوت، فهجا عبود الكرخي فرد عليه هذا الصاع بالصاعين بقصيدة طويلة فيها الكثيرمن التصوير الكاريكاتيري الظريف بعد ان تحقق جيدا من شكله و هيئته و شواربه المديدة:
يا حاج جودي يا عتر يا الشاربك طوله متر
ثخنه جمع ، عرضه شبر يشـــــبه ذيل البزون
يا قهوجينـــــا يا قزم بالجسم والشارب ضخم
توجه علينا هالشــــتم ما تخاف من الله يكون؟
بطيبة وزمزم والحرم و شواربك اعظم قسم
عندي حضرتك محترم كل الخلايق يدرون
و بعد ان طمأنه على حسن نيته و احترامه له، مضى ليدغدغ جوانبه بهذا المزاح البريء الذي نشره في جريدته " الكرخ":
يا اشقر الشارب اظن من ثقلهن حامل حزن
عندك شوارب للسفن بيها حبال يجرون
خذ نصحي يا احمر بوز يا مشورب ويا قزموز
زينها بأول تموز و هدها بأول كانون
بالصيف حتما تأذيك ومن مشتريتك تلهيك
بفصل الشتا اتدفيك وحملك اخي شوية يهون
يا حاج جودي يا عتر يا الشاربك مثل الوتر
عند الشبيبة بالنظر انت خرافي ومجنون
وكانت ايام خير، يتبادل فيها اهل العراق النكات و المداعبات ، لا الرصاص و المتفجرات.

Friday 4 June 2010

العالم 5-6-10

دائرة الثأر المفرغة

خالد القشطيني

تذكرني عمليات اجتثاث البعث و قطار الانتقام و الثارات الجاري في العراق بالحكاية النمساوية عن التلميذ فرانك الذي عقد العزم على الانتقام من معلمه. كان معلمه هذا يرهقه بالواجبات و يتشدد في معاقبته بالضرب بالخيزرانة اقسى الضرب و يعطيه اسوء النتائج في الامتحانات. فكر كيف يمكنه الانتقام منه وهو تلميذ صغير و المعلم رجل قوي كبير. و لكنه اهتدى الى طريقة ذكية في الانتقام منه لا تكلفه غير بضعة دراهم. قال سأذهب للمبغى في فيينا و اضاجع عاهرة مصابة بالسفلس بنصف مارك، فينتقل المرض الي. اعود للبيت فأضاجع الخدامة فينتقل السفلس اليها. و انا اعرف ان والدي يضاجع خادمتنا سوزانة بين الحين و الآخر، و كلما كانت امي خارج البيت. سيفعل ذلك فيأخذ مرض السفلس من الخدامة . و لوالدي عشيقة يحبها ويقضي معها عصر كل يوم احد عندما يذهب زوجها للكنيسة. و عشيقته هي المدام فرتز . سيضاجعها فيصيبها بالسفلس. و المدام فرتز هي زوجة معلمي اللي معذبني، الاستاذ فرتز. فيضاجع هذا زوجته عندما يعود للبيت مساء فينتقل اليه مرض السفلس . و اكون بذلك قد انتقمت افضع انتقام من هالكلب هذا استاذي اللي معذبني.
انها الدائرة المفرغة للثار. تذكرتها و انا اراجع في ذهني ما جرى و يجري في العراق طيلة حياتي وما اسمعه من ارهاب و تصفيات و تنظيف طائفي و اثني في بغداد و سواها من المدن و المناطق العراقية. دأبت التحقيقات في العهد الملكي على الانتقام من الشيوعيين . ثم آل الحكم بيد الشيوعيين بعد انقلاب عبد الكريم قاسم فأنتقموا من الملكيين و البعثيين. و جاء دور البعثيين فانتقموا من الشيوعيين افضع انتقام. سلموا الحكم لعبد السلام عارف الذي كان ناصريا فانزعج من البعثيين فانتقم منهم. اخيرا انتقل الحكم الى صدام حسين الذي ابتلي بصورة خاصة بسفلس الانتقام. تحالف مع الشيوعيين الذين ايدوه اولا في الانتقام من اليهود. ثم انقلب على الشيوعيين فانتقم منهم. تمادى في عمليات نقل السفلس فسلط جراثيمه على اعضاء حزبه و قادته الأوائل. من بقي؟
آه ، نعم. بقي الكرد . فسلط عليهم السفلس السام و اباد ما يكفي منهم. جاء الامريكان و الانكيز في الأخير. اسقطوا النظام الصدامي و ابادوا تماثيله و سلموا الحكم لسفلس الطائفية. فراحت جراثيمها تضرب يمينا و يسارا ، وراء واماما . كل ينتقم من الكل . و البعض من البعض. الدائرة المفرغة للثأر.
انها حكاية المعلم فرتز و تلميذه الصغير فرانك. بيد ان اصحاب الدائرة المفرغة العراقية لم يهبهم الله عز وجل فطنة التلميذ النمساوي و عقله و طيبة قلبه. نال ثأره السلمي في اطار الأنس و المتعة. و لم يكلفه غير نصف مارك . دائرة الثأر العراقية دائرة دموية ، ضحاياها الوف القتلى و ثمنها ملايين الدولارات ، و ربما وحدة البلاد و تشرذم الشعب.

Monday 31 May 2010

الاسبوعية30-5-10

ابن الجوزي من نجوم السخرية العراقية

خالد القشطيني

عرف عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي بأنتاجه الغزير في ميادين العلم و الدين والأدب و الشعر في القرن الثاني عشر من تاريخ الفكر العراقي. غير ان له جانبه الظريف الذي بات غير معروف عند الكثيرين. و له في ذلك كتاب مؤنس و طريف بأسم " اخبار الظرّاف و المتماجنين". سأروي نتفا منه بمشيئة الله خلال الاسابيع القادمة. و بخلاف ذلك ، عبر الكثير من اشعاره عن روح سخرية قوية. و من اشهر الأمثلة في هذا ما قله في اهل بلده ، اهل بغداد في مقطوعة طالما سمعتها تتردد على السنة المثقفين و الفنانين العراقيين، بل و سبق لي ان استشهدت بها:
و عذيري من فتية بالعراق قلوبهم بالجفا قـــــــــلّب
يرون العجيب كلام الغريب وقول القريب فلا يعجب
ميازيبهم إن تندت بخير الى غير جيرانهم تقلب
و عذرهم عند توبيخهم مغنية الحي لا تطرب!
انعكست سخريته في الكثير من ملاسناته و منازعاته مع الفقهاء و العلماء و المتصوفة، وهي كثيرة حتى اتهمه ابو الفداء بميله الى الوقيعة في العلماء. وردت نماذج كثيرة من لذعات قلمه في كتابه " تلبيس ابليس" في نقد الصوفية. و استشهد فيه بأقوال الشافعي و ابن عقيل ، فقال: " لو ان رجلا تصوف اول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير احمق. و ما لزم احد الصوفية اربعين يوما وعاد عقله اليه ابدا. و الناس يقولون اذا احب الله خراب بيت تاجر، عاشر الصوفية.!"
و يختتم رسالته ببيتين من الشعر:
ارى جيل التصوف شر جيل فقل لهــــم و اهون بالحلول
اقال الله حين عشـــــــقتموه كلوا اكل البهائم وارقصوا لي؟
و عندما قربت منيته ، اوصى ابن الجوزي بأن يكتبوا على شاهد قبره هذه الكلمات:
يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديـــــه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه
انا ضيف، و جزاء الضيف احسان اليه
و له اقوال ظريفة و بليغة. قال:
" شهوات الدنيا انموذج ، و الانموذج يعرض و لا يقبض!"
و قال و كان كمن ينظر الى الأمام ليخاطب هذه الحفنة الراهنة ممن تمادوا في نهب العراق و إفساده:
" من قنع طاب عيشه . و من طمع طال طيشه!"
و ذكروا له ان قوما اخذوا يتعاطون الوعظ و ليس هذا مما لا شغل لهم به. فأنشد وقال:
قالوا تصاهلت الحمير فقلت : إذ عدم السوابق
خلت الديار من الرخاخ ففرزت فيها البيادق
و ربما يجد بعض القراء هذا الكلام منغلقا عليهم. كما وجدته انا في الواقع ، و كما وجده رجل آخر فسأله فأجابه. و لكن السائل عاد فقال: " ما فهمت." فأنشد الشاعر :
علي نصب المعاني في مناصبها فإن كبت دونها الأفهام لم المِ
بأبي انت و امي يا ابن الجوزي! ما اشبه اليوم بالبارحة!

العالم 31-5-10

في مسيرة الديمقرالطية( 13)

الدين و الدولة

خالد القشطيني

ارتبط الدين بالسلطة منذ عرف الآنسان الأله. و جرى الترتيب بأن يدعم الحاكم رجال الدين فيطلق يدهم في السيطرة على الجمهور وغسل دماغهم و استغلالهم لقاء تأييد الكاهن للحاكم وغسل دماغ الجمهور بالطاعة له. سرى هذا الازدواج في اوربا المسيحية . نجد حتى في هذه الأيام و في بلد علماني كبريطانيا ، تعتبر الملكة رأس الكنيسة الانغلكانية و لا يتم تتويجها الا بقيام اسقف كانتربري بتقديسها في الكنيسة.
نجد مثل ذلك في العالم الاسلامي في نشوء المملكة السعودية حيث تم في القرن الثامن عشر ذلك الاتفاق التاريخي بين محمد عبد الوهاب ، شيخ الوهابية، و محمد بن سعود، عاهل الأسرة السعودية. و بموجبه يؤيد المشايخ سلطة الأمير الدنيوية مقابل إطلاق يد المشايخ في الأمور الدينية، الأمر الذي اصبح يعرقل الكثير من الأصلاحات التي يعتبرها المشايخ مناقضة للدين، كمنع الرق. و آن لهذا الترتيب ان يتفجر في عصر النفط و الذرة بين المتشددين و الاصلاحيين. وهو ما جرى قبل قرون في اوربا.
جرى الترتيب في اوربا في تقاسم السلطة بين البابا ورئيس الامبراطورية الرومانية المقدسة ، التي وصفها فولتير بأنها لم تكن امبراطورية و لا رومانية و لا مقدسة. الملوك و الأمراء يحكمون بدعم الكهنوت و الكهنوت يأتمرون بأوامر الفاتيكان. و الجمهور يعيشون او يموتون حسب ما يؤمرون. بيد ان هذه العلاقة كثيرا ما تأزمت و افضت الى مآس دامية. كان منها ما جرى في بريطانيا في القرن الثاني عشر.
يظهر ان الانكليز لم يرتاحوا قط لتلقي الأوامر من روما فشعرهنري الثاني بمضايقات الكنيسة له و تدخلها في شؤون دولته، فكر بطريقة لوذعية – كما تصور. اعتمد كثيرا على وزيره توماس بكت. لم يكن هذا من ارستقراطية البلاد و انما ولد و نشأ من منبت وضيع و فقير و لكنه اؤتي بما يكفي من الذكاء و المواهب بحيث ارتقى منصب الوزارة و استحوذ على صداقة الملك و ثقته. و عندما شغر منصب رآسة كاتدرائية كانتربري، ( المرجعية الدينية في بريطانيا) رأى هنري الثاني ان تعيين صديقه في هذا المنصب سيحل المشكلة فلا تحصل خلافات بينه و بين الكنيسة و ينال ما يريد.
بيد ان توماس بكت ، ما ان استلم هذه المنصب حتى تقمص ثوب الكنيسة و تشدد في تمثيلها و تنفيذ سياساتها. ادى ذلك الى تصادم مرير مع العرش. اغتاض الملك بصورة خاصة من تحول صديقه و ربيبه الى خصم لدود له و عقبة ضد سياساته. لم يعرف ماذا يعمل، و تعيين رجال الدين او طردهم لا يتم بدون موافقة البابا. و في ساعة من ساعات غيضه قال يائسا: " اما من احد يخلصني من هذا الرجل؟"
تصور زبانية البلاط انه قصد قتله. فمضوا و قتلوه (1170) وسط كنيسته شر قتلة بما اصبح مشهدا خالدا في تاريخ الاستشهاد المسيحي، و شكل حلقة مهمة في علاقة الدين بالدولة و تقليص ظل الكنيسة.

Sunday 30 May 2010

العالم 30-5-10

الأيمان الكروي

خالد القشطيني

اخذ الغربيون يعتبرون الايمان بالله مؤشرا على اختلال عقل الانسان و ابتلائه بعاهة نفسية. شككت في ذلك فقلت لأحد الزملاء ، هذا مبالغ فيه. انظر لقوة الايمان في امريكا و انتشار الأصولية ( فندمنتالزم) بينهم. فقال ، الم اقل؟ الأمريكان قصار العقول و يصدقون اي شيء، حتى ما يقوله نتنياهو و ساسة العراق.
في بريطانيا لا يؤمن بالدين غير ثلاثة بالمائة. قلما تجد كنيسة مفتوحة للجمهورالآن . و عندما تجد واحدة مفتوحة و تدخل لا تجد غالبا احدا يتعبد فيها. تنظر فترى القس جالسا في مكتبه يتفرج على صور العاريات في جريدة بيبل. راحوا يتوسلون بالجمهور للدخول و المشاركة في العبادة، او على الأقل الإنشاد و الترتيل. رأيت لوحة على احدى الكنائس تقول: تفضل معنا حتى و لو كنت لاتؤمن بالله."
الأدارة الدينية حائرة فيما يمكن عمله بهذه الكنائس التاريخية الجميلة. اخذوا يستعملون بعضها للحفلات الموسيقية و المسرحية. راح الشيوعيون العراقيون يستأجرون كنيسة رفرسايد لعقد مؤتمراتهم الماركسية. اخذت الأدارة تبيع بعض كنائسها. احتج بعض المؤمنين على بيع كنيسة للمسلمين ليمسحوا الصليب منها ويحولوها الى مسجد. اجاب الاسقف قائلا، و لكن اليس ذلك احسن من ان تتحول الى كباريه او كرخانة؟
بيد انني اكتشفت مؤخرا ميدانا واحدا ما زال الدين يتألق و يتعالي فيه بين الغربيين، وهو سباقات كرة القدم. فهذه لعبة كثيرا ما تتعرض لحكم القدر ولا يستطيع اللاعب او المتفرج ان يحسب فيها ما سيقع. يرفس الكرة فتصطدم بظهر الحكم و تدخل الهدف، و هلمجرا. و كله – كما يحسب المتفرجون – بمشيئة الله. جعل ذلك معظم اللاعبين يهتدون لوجود القادر. ترى اللاعب البرازيلي ينزل للساحة فيسرع و يرسم الصليب على صدره. و يهم لاعب سعودي بضربة جزاء فيرفع يديه اولا للسماء و يتلوا آية الكرسي ثم يضرب. تذهب بعض فرق امريكا اللاتينية الى الكنيسة اولا ليبارك القس على اقدامهم قبل الذهاب للملعب. و سمعت بأن احدهم لا يلعب بلابجين جديد الا بعد ان يدور به سبع مرات حول تمثال مريم العذراء. وهذه من اسرار تفوق الفريق البرازيلي باستمرار. فالفضل لا يعود الى مدربه الجيد، كما يتصو البعض، و انما الى الكاهن الجيد الذي يبارك عليهم.
حسم النتيجة عند التعادل بضربات الجزاء من احرج حلقات اي مسابقة عالمية . تتوقف كل ضربة منها على القدر. فتتوتر الأعصاب و يرتفع ضغط الدم و يتسارع النبض. بعض ضعاف القلوب يغمضون اعينهم و الفتاة تشد على ذراع عشيقها. و الجميع يتذكرون الله ، يصلون و يرتلون و يدعون. اصيب بعضهم بنوبة قلبية و نقلوه للمستشفى. مات غيرهم بالجلطة و دفنوه مع شهداء كرة القدم.
فطنت الكنيسة الانكليزية لكل ذلك فأصدرت في الاسبوع الماضي ثلاثة نصوص مختلفة لصلوات خاصة يتلوها المتفرجون و اللاعبون اثناء ازمة ضربات الجزاء تساعد فريقهم على النصر و تداوي اعصاب ضارب الكرة. لا داعي لأيراد نصوصها فنحن عندنا آية الكرسي و سورة قل هو الله احد.
هكذا انتقل الأيمان من المعبد الى الملعب. و لكن بقيت نقطة تحيرني. فكل فريق سيدعو الرب ان ينصره. كيف سيقرر الخالق لمن يعطي النصر؟

االشرق الأوسط 30-5-10

قراءات في صورة

خالد القشطيني

نشرت الصحف البريطانية ، و على رأسها صحيفة الغارديان، صورة كبيرة ملونة لحفلة وداع غوردن براون ، رئيس الحكومة البريطانية السابق ، لمكتبه و وزرائه بعد استقالته من الحكومة ورآسة حزب العمال. عاينت في الصورة فوجدت ان الرجل الوحيد الذي حمل وجهه ابتسامة عريضة كان المستر براون نفسه. يتوقع المشاهد ان يجده في اسوء حال و احزن مآل وقد خسر الانتخابات و الحكم و الحزب وهذا المسكن المهيب 10 داوننغ ستريت. لأول مرة وجدت معالم البهجة بادية عليه. و لم لا؟ لقد القى من كتفيه اعباء كل هذه المسؤوليات. وقف يحتضن بكلتا يديه طفله الصغير فريزر في الثالثة من عمره وهو يصرخ بضحكة داوية. اخيرا سيتفرغ بابا لي و يحملني على كتفيه و اضربه على رأسه. لا عجب ان يبتسم غوردن . و يعلمنا بابتسامته ان العائلة ، الاولاد و الزوجة ، هي الملاذ الأخير و الحقيقي للرجل.
وهو ما يفسر للمشاهد البؤس البادي على وجه بيتر مندلسن ، وزير الأعمال، (البزنس). فالسيد بيتر اعزب و مبتلى بالشذوذ المثلي. ليس له ملاذ يأوي اليه بعد فقدان منصبه – او هكذا اتصور ، و من يدريني بهذه الأمور. بيد ان سائر الوزراء الآخرين يشاركونه في الصورة بملامح التعاسة و الأسى و قد فقدوا مناصبهم الوفيرة. استثني من ذلك اد مليباند الذي وقف وراء غوردن براون يحدق في الآخرين ويخطط و يحلم بخلافة براون في المستقبل القريب. وقد رشح نفسه لزعامة الحزب. بدا عليه شيء من ملامح القلق، فمنافسه على الرآسة اخوه.
السيدة سارة براون، زوجة رئيس الحكومة السابق بدت في اسوء نفسية و قرف. يا الله! سيعود زوجي و يقضي كل وقته في البيت و ينغص علي حياتي. سيصعب علي ان اقنعه بالذهاب للحانة في رأس الشارع حتى افرغ من مشاهدة مسلسل كورونيشن ستريت. فقد اصبح رئيس وزراء سابق لا يليق به ذلك.
كيرستي مكلين ، كاتبة خطب رئيس الحكومة تبدو على عكس الآخرين في منتهى البشر و السعادة . لقد نفضت عن كاهلها هذه المتاعب و المعاناة. لن يطلب منها بعد اليوم ان تكتب كل هذا الهذيان و النفاق و المغالطات و المتناقضات التي تفرض عليها كتابتها لتكسب لقمة عيشها و لقمة عيش رئيسها. انها بدينة و سمينة على خلاف الأخريات. لم تترك لها كتابة الخطب اي وقت لتتحرك و تريض رجليها. و لكن اين كانت تكتب خطب الزعيم؟
بالطبع، هناك على الكومبيوتر التي احتلت الصدارة في هذه الصورة. عاينت و اطلت النظر فيها. أي اسرار قد اخفت تحت شاشتها و بين احشائها؟ كم سيدفع المحافظون ، او الأمريكان ، او اليابانيون ثمنا لهذه الكومبيوتر التي صنعوها و اضاعوها؟ كم سيدفع رجال الموساد ثمنا لها؟ و لكن كلا. لن تدفع الموساد فلسا واحدا عنها. فكل ما فيها من معلومات معروفة مسبقا لديهم. و مع ذلك، فقد اعطى المصور المكان المركزي في الصورة لجهاز الكومبيوتر.
و هذه هي زبدة عالمنا السياسي. الكومبيوتر تحرك الساسة و تصيغ السياسة . لا عجب ان ينظر اليها براون الأبن الأكبر في شوق و حرص.

Saturday 29 May 2010

العالم 29-5-10

كول على نفسه

خالد القشطيني

من اصطلاحات و عمليات كرة القدم تسجيل اللاعب هدفا (كول) على حساب فريقه. يحصل ذلك عندما يخطيء المدافع فيرمي الكرة الى هدفه بدلا من ابعادها عنه، فيقال انه سجل كول على نفسه. و شاع الاصطلاح. أخذنا نطبقه على كل عملية تسفر عن مردود عكسي خلاف ما كان يرمي اليه صاحبها. وها انا شهدت مثالا سياسيا لهذه العملية الخاطئة فيما يقوم به الاسلاميون الارهابيون ضد الغرب.
اصدر فريق من الباحثين في بريطانيا قبل بضعة اشهر دراسة تقول ان المسلمين سيشكلون الأكثرية في بريطانيا عند نهاية هذا القرن بفضل نسبة الولادة العالية بينهم و استمرار تدفق اللاجئين و المهاجرين المسلمين و نزوح بعض الانجليز الى المناطق الدافئة من العالم و اعتناق بعضهم الاسلام. قمع هذا التقرير اعلاميا خوفا مما يسببه من ردود فعل سلبية و تفاقم الاسلام فوبيا.
يصدق ذلك بصورة اكبر في البلدان الاوربية الأخرى التي اصبح المسلمون يشكلون فيها اقليات كبيرة كألمانيا مثلا حيث ذكر تقرير من معهد الأبحاث الاجتماعية يشير الى التباين الشاسع في نسبة الولادة بين الالمانيات و التركيات. فأمومة الالمانيات في سن الأخصاب (من سن 25 الى سن 35) لا تتجاوز 12% في حين ترتفع هذه النسبة بين التركيات الى 80%.
امل المسلمين الذي سعوا اليه عبر القرون بالسيف و فشلوا، وهو اسلمة اوربا ، اصبح الآن امكانية واقعية و بدون اراقة دماء. لم يعد هيمنة الاسلام على اوربا مجرد تكهنات و انما مسألة وقت، ولا سيما اذا انضمت تركيا الى المجموعة الاوربية.
و عليه فما يسعى اليه الاسلاميون برفع راية " لا اله الا الله" فوق قصر بكنغهام و كل القصور السيادية في اوربا غدا موضوعا بمتناول اليد. كل ما يحتاجون له هو الصبر و السعي لزيادة معدلات تكاثر المسلمين. بيد ان ما يفعلونه الآن من العمليات الارهابية و التصرفات السلبية و الفوضوية يجري في عكس ذلك. فهذه العمليات و التصرفات (كالاصرار على لبس البرقع) اخذت تعمق الاسلام فوبيا و تستنفر الجمهور الغربي لأتخاذ الاجراءات للحد من ورود المسلمين و تجنيسهم و اقامتهم. اصبح موضوع تقييد الهجرة من المواضيع الرئيسية في الانتخابات البريطانية الأخيرة و كل انتخابات في اوربا. تقول الأخبار ان وضع المسلمين ، ولاسيما الباكستانيين، غدا عسيرا تماما في امريكا بما جعل بعضهم يفكرون في الخروج منها . و اصبح حصول المسلمين على سمة دخول اليها من اصعب المهمات.
وهذا ما يحدوني للقول بأن الاسلاميين قد سجلوا كول على انفسهم.
و حتى في غياب الأكثرية ، فأن وجودهم كأقلية كبيرة يعطيهم الفرصة للتأثير على سياسات الغرب و الارتقاء الى مراكز قيادية والتغلغل في ميادين استراتيجية، كالتجارة والاكاديميا. و لكنهم الآن مقيدون بسبب الخوف منهم. لا تسمح لهم الجامعات الآن مثلا بدراسة المواضيع الحساسة ، كالذرة. و يترددون بالسماح لمسلم في دخول ميادين استراتيجية. و يواجهون صعوبة في نيل اصوات الناخبين في الانتخابات. وهذا كله كول آخر سجله الاسلاميون على انفسهم.

Thursday 20 May 2010

العالم 20- 5 -10

فكاهات فكاهة البداهة

خالد القشطيني

من ظرافات الفكاهة صياغة امور بداهية بطابع الجد والحكمة . شاع من ذلك الكثير في مداعبات الكوميديين العالميين. و لكن لنا نصيبنا منها. كيف لا؟ و قد اسمعنا صدام حسين و قادة البعث نماذج عجيبة منها. بل و اسمعنا الكثير من نوابنا شيئا منها. وما زلنا نسمع. و لكن شعرائنا لم يقصروا في ذلك. برع منهم ابن سودون في كتابه :" قرة الناظر و نزهة الخاطر." وكان شخصية هزلية مرحة ترك لنا آثارا ضاحكة منها المعروف و منها المغمور على سبيل التقرير البديهي للبديهيات من نوع " و فسر الماء بعد الجهد بالماء." من انتاجه القصيدة التالية من هذا الغرار حفظناها في طفولتنا من باب ادبيات الأطفال:
عجب عجب عجب عجب بقر تمشي و لها ذنب
و لها في بزبزها لبن يبدو للناس اذا حلبوا
لا تغضب يوما إن شتمت والناس اذا شتموا غضبوا
من اعجب ما في مصر يرى الـــكرم يرى فيه العنب
و النخل يرى فيه بلح ايضا و يرى فيه رطب
او سيم بها البرسيم كذا في الجيزة قد زرع القصب
زهر الكتان مع البلسا ن هما لونان و لا كذب
و قناطر ام الخمس بها ماء في الحفرة ينسرب
و الخيمة قال الناس اذا نصبت فالحبل لها طنب
و المركب مع ما قد وسقت في البحر بحبل تنسحب
البيض اذا جاعوا اكلوا و السمر اذا عطشوا شربوا
و الناقة لا منقار لها و الوزة ليس لها قتب
لابد لهذا من سبب حزّر فزّر، ماذا السبب؟
الم اقل؟ تقرأ هذه الكلمات فتتصور انها جزء من خطبة لأحد قادتنا السياسيين. و كذا اقول بالنسبة لقصيدة ابن سودون الأخرى:
اذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما تيقن ان الأرض من فوقها السما
و إن السما من تحتها الأرض لم تزل و بينهم اشياء إن ظهرت ترى
و اني سأبدي بعض ما قد علمته لتعلم اني من ذوي العقل و الحجا
فمن ذاك ان الناس من نسل آدم و منهم ابو سودون ايضا و إن قضى
و ان ابي زوج لأمي و انني انا ابنها، و الناس هم يعرفون ذا
و كم عجب عندي بمصر وغيرها فمصر بها نيل على الطين قد جرى
و من عجائب الشاعر قوله:
البحر بحر و النخيل نخيل و الفيل فيل و الزراف طويل
و الارض ارض و السماء خلافها و الطير فيما بينهن يجول

الشرق الأوسط 20-5-10

المتعة فن و الخدمة متعة

خالد القشطيني

كثيرا ما احزن بل و ارثي لمعظم المغتربين الذين يعانون من الوحدة و الضياع و احيانا المرض و الأكتئاب. فالكثير منهم يعيشون على المساعدة و ليس لهم اي عمل يشغلهم. لا يعرفون ماذا يفعلون بكل هذا الوقت الضائع و الفارغ من حياتهم. و العجيب في شأنهم انهم يعيشون في هذه العواصم الغربية التي تعج بالفعاليات ، موسيقى و رقص و مسارح و معارض و متاحف ، و اكثرها مفتوحة مجانا. لماذا لا يذهبون و يستمتعون بها؟ الجواب هو ان المتعة في مجتمع متحضر تتطب قدرا من الثقافة. فالمتاحف لا تعني شيئا بالنسبة لمن لا يعرف التاريخ. و الموسيقى و الغناء و الرقص يتطلب بعض الأمام بهذه الفنون. و كذا بالنسبة للمعارض و الاعمال التشكيلية. هذا من نقائص التعليم في مدارسنا. لا يوسعون مفاهم الطفل ليستطيع الاستمتاع بجمال الحياة و روعة الفنون. يضطر احيانا لملأ الفراغ في حياته بالشغب و الارهاب و الأدمان. اجد المواطن العربي لا يستمتع في شيء غير الأكل و الجنس ، و كلاهما لا يستنزفان من وقته غير دقائق قليلة. فكيف يقضي الساعات الطويلة المتبقية؟ نعم ، بالهذرفة و الشغب و العراك مع اهله و صحبه و حكومته. اضيف التلفزيون اليها مؤخرا.
الخدمة باب آخر من ابواب الاستمتاع بالحياة التي لم يعلمونا عليها، رغم كل ما يوصينا به ديننا من اعمال الخير. و لكن الكثير من الغربيين يجدون متعتهم، و سلواهم اذا عانوا من شيء، في القيام بخدمة الآخرين، المشردين و المقعدين و المحتاجين ، الخ. تجدهم احيانا يتركون اعمالهم و عوائلهم و يذهبون الى اقاصي افريقيا لمساعدة الجياع و المرضى. انه شيء يعطيهم سعادة داخلية و شعورا بالرضى و الحيوية. تفقد امرأة زوجها فتجد سعادتها في حب الآخرين و خدمة الملايين.
لا تجلس و تقضي بقية حياتها في البكاء و النحيب ، و انما في العمل و المعاونة.
بيد ان عددا من المغتربين ( ذكورا و اناثا) تغذوا بهذه الروح الانسانية و كرسوا اوقاتهم لمساعدة شعوبهم. حضرت قبل اشهر حفلة خيرية قامت بها جمعية نسائية تونسية لمساعدة الأطفال المقعدين في تونس. و في السبت القادم 22 مايو ستقيم جمعية الأمل العراقية حفلة موسيقية مشابهة في قاعة الملكة اليزابث بلندن، يشارك فيها العواد احمد مختار مع هذه المجموعة الطريفة من الموسيقيين العرب و الافرنج " مجموعة بغداد" و فرقة المقام العراقي التي يقودها محمد قمر على آلة الجوزة. ستكون حفلة فريدة حافلة بالتجارب الموسيقية و الأغاني التراثية.
تضم جمعية الأمل عددا من السيدات اللواتي يجدن سعادتهن و يستمتعن بحياتهن في السعي لتحسين حياة الآخرين ، الأطفال المقعدين و الأيتام المشردين ، و النساء المستضعفات في العراق و الغربة من ضحايا كل هذه الحروب التي دكت المجتمع العراقي . سأكون واحدا ممن سيلتمس سعادته و متعته في الحياة ليس فقط في الأستماع لموسيقى المقام و العود بل و في المساهمة في مساعدة من هم اقل حظا مني، كل هذه الضحايا التي ملأ بها صدام حسين هذا البلد المنكوب.

Tuesday 18 May 2010

العالم 19-5-10

حلاّل المشاكل

خالد القشطيني

يروى عن تروتسكي قوله بأن الماركسية ستحل كل مشاكل العالم بأستثناء مشكلة واحدة، وهي الموت. و كان قولا حكيما جدا فبعد آونة قصيرة بعث له ستالين من ضربه بفأس على رأسه و فلقه و اماته فورا. لم تحل الماركسية مشكلة الضرب بالفأس، ولا انقذت حياته.
و لكن هكذا كانت قوة ايمان الماركسيين بماركسيتهم. انها تحل كل المشاكل. و للموضوع حكايات طريفة كثيرة. منها ما اورده الزعيم العمالي الن و اتكنسن في كتابه " حيوات قصيرة". و العنوان كناية عن حياة الانسان ، ولو ان بالأمكان تطبيقه ايضا على حياة الماركسية.
قال ان والدة الزعيم العمالي الآخر فرانسس هوب رأت حلمات في المنام عندما كانت تعاني من وجع في اسنانها. رأت نفسها جالسة في كرسي طبابة الآسنان و جاءها رشارد كروسمان ، الزعيم العمالي المعروف، وقد شد حوله صدرية طبيب بيضاء. و شرع يحاول معالجة اسنانها. فقالت له في منامها: " لا تكن سخيفا يا رشارد. انت تعرف انك ليس بطبيب اسنان."
اجابها قائلا: " نعم اعرف ذلك ايتها المرأة الجاهلة. و لكنني استطيع ان اعالج اسنانك بسهولة من منطلق مبادئنا الأساسية."
كان يقصد بها طبعا المباديء الماركسية. استفاقت من نومها عند الصباح فروت ذلك لهيو غيتسكل، زعيم حزب العمال عندئذ. فهو ايضا لم يستطع ان يحل مشكلة الموت ، فتوفي بعد اشهر قليلة و لكن على فراشه. وكان قد حل ضيفا على العائلة و جلس يتناول فطوره. فقال لها: " إن ذلك الحلم و جواب كروسمان عليك ، يفسر تفسيرا كاملا لماذا سأصر على عدم اعطائه اي منصب في اي حكومة يقدر لي ان اشكلها."
و بالفعل لم يصبح كروسمان وزيرا في حكومته. اكتفوا بترشيحه للجنة الأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية فأوصى بتقسيم فلسطيني و خلق للعالم هذه المشكلة ، و ايضا من منطلق المباديء الاساسية على ما يظهر. يا ليته بقي يقوم بمعالجة اسنان الناس، و لو في الحلم.
و حدث ان اتهمت مجلة السبكتيتر هذا الثلاثي العمالي المرح ، فرانسس هوب، و رشارد كروسمان و هيو غيتسكل انهم كانوا سكارى في اجتماع الأممية الاشتراكية في فينا عام 1957. فأقاموا دعوى عليها بتهمة القذف. من عيوب الماركسيين كثرة الثرثرة ، وهو ما فعله كروسمان اثناء المحاكمة فقاطعه محامي الدفاع قائلا: " تذكر يا سيدي انك لست في البرلمان لتسترسل في الكلام كما يعجبك."
فمسك لسانه و نال بذلك من المحكمة تعويضا من مجلة السبكتيتر بمقدار 2500 باوند. سمع بالقرار زميلهم الآخر في النضال ، سدني جاكوبسن ،فشهق و قال: " آه لو استطيع الحصول على 2500 باوند خالصة من الضريبة لمجرد اتهامي بالسكر، لسرني ان يتهمني اي انسان بالسكر."
اسوق كل هذا الكلام على هامش الهزيمة التي مني بها حزب العمال مؤخرا. و لكن غوردن براون لم يخسر الانتخابات بسبب " المباديء الاساسية". و انما – وهو ما يقوله الماركسيون – لأنه لم يتمسك بها.

العالم 18-5-10

من اعباء الحكم

خالد القشطيني

تحمل من تضيق بتحمله و احترامه مشقة واحدة من مشقات الحكم. فكثيرا ما يضطر الحاكم و الموظف المسؤول الى مداراة و مجاملة اشخاص يكرههم و يحتقرهم و لكن واجب الحكم و المسؤولية تفرض ذلك عليه. وهو تماما مثلما يضطر المرء الى تحمل هذيان امرأة حسناء من اجل نيل مرامه منها. لا بد ان يعاني الكثير من المسؤولين في العراق الآن من عبأ تحمل مقابلة الكثيرين من الجهلاء و الخرافيين طمعا بمرضاتهم و مساندتهم و خوفا من فتاواهم. تماما مثلما يقتضي على الكثير من المفكرين و المثقفين الأفاضل تحمل هؤلاء المسؤولين الجهلاء و اظهار الأحترام لهم حرصا لى تمشية معاملاتهم او الحصول على وظيفة او مكرمة منهم.
وجد الكساندر، قيصر روسيا مشقة في مخاطبة نابليون الثالث الذي اعتبره دعيا و رخيصا اغتصب الحكم. لم يعرف كيف يخاطبه. فأضطر الى استعمال صيغة " صديقي الامبراطور" بدلا من الصيغة المتعارف عليها " اخي الأمبراطور". شكى نابليون ذلك الى الملكة فكتوريا فأجابته بما عرفت عنه من الحكمة و قالت له. " يجب ان تعتز بذلك و لا تنزعج منه. فالأخ شيء يفرض عليك بالولادة . و لكن الصديق شخص تختاره بارادتك."
كان الملك جورج الخامس يكره المؤتمرات الدولية لأن الكثير ممن يحضرونها اناس رعاع. و كان آخر ملك يلعب دورا مهما في شؤون بلاده و يتدخل في عمل الحكومة. سمع بأن رئيس وزرائه لويد جورج سيذهب لحضور مؤتمر جنوة عن السلام العالمي. فبادره قائلا: ": هل افترض انك ستذهب الى هناك و تقابل لنين و تروتسكي؟" فأجابه قائلا: " لا استطيع ان اختار من يقتضي علي مقابلتهم في خدمة جلالتكم. فقبل ايام قليلة ، اقتضى علي ان امد يدي و اصافح جناب سامي بك. الرجل الوضيع الذي اختفى من المفاوضات ليوم كامل حتى عثروا عليه في بيت دعارة في شرقي لندن. كان يمثل حكومة مصطفي كمال اتاتورك... لا بد ان اعترف لجلالتكم بأنني لا املك اي خيار في مقابلة مثل هؤلاء الناس!"
علما بأن الملك نفسه لم يملك هذا الخيار فصافح لويد جورج عالما بأنه كان يعيش سرا مع عاهرة! و في حكاية اخرى ، رواها هارولد نكلسن ، قال ان الملك جورج الخامس اضطر لاستقبال انطوني ايدن في الغرفة الشمالية من قصر بكنغهام بسبب أصلاحات في البهو الرسمي. و كانت الغرفة الشمالية تقابل الساحة التي يقوم فيها الجوق الملكي بعزف الموسيقى. اعتذر لأنطوني ايدن عن ذلك و قال له انه اصدر اوامره الى الجوق بالا يقوم بالعزف اثناء الاجتماع. تحدث وزير الخارجية عن المهمات التي سيقتضي عليه القيام بها ثم انتقل الى ذكر الشخصيات التي سيلتقي بها من المشاركين في المفاوضات. و كان بينهم طبعا مثلوا الحكومة البلشفية الجديدة للأتحاد السوفيتي. فضرب الملك على الجرس لينادي الخادم. و عندما حضر بادره جلالته فقال له ، يمكنك ان تخبر قائد الجوق الموسيقي بأن يباشر في العزف و التمرين.

الشرق الأوسط 18-5-10

عود للبيئات و الجينات

خالد القشطيني

هذا نقد و سوآل وجيه من القاريء جمال قريو من السويد . يقول ما كان يصح لي ان اخوض في هذا الموضوع المعقد عن البيئة و الوراثة في مثل هذه الزاوية الوجيزة. لقد استنزف من العلماء مجلدات طويلة و قصروا فيما انتهوا اليه، و انا اسعى لحسمه في بحر اربعمائة كلمة.
هذا شيء اعترف بنقصه و بنقصي انا ايضا. فما انا من العلماء و لا كان العلم من اختصاصي. لماذا ازج نفسي في هذه المواضيع؟ افعل ذلك لأنني اعتبر العلم مفتاح المعرفة و النجاح في الحياة و السياسة. و به تفوق الغربيون علينا. وهذا غرضي في الخوض فيما لا اعرف. أتأمل من ورائه ان يتعلم جمورنا على النظر في الأمور من زاوية علمية بعيدا عن الخرافات و الخزعبلات. يعتقد الكثيرون مثلا ان اليهود قصار القامة لأن الله غضب عليهم و جعلهم هكذا. و لكن العلم يتطلب منا اولا ان نتحقق هل اليهود فعلا قصار القامة؟ نتنياهو ليس قصيرا. هل نستنتج منه ان اليهود طوال القامة؟ فالأخ عامر العامري يرد علي من اسبانيا و يقول ان الافريقيين ليسوا قصار القامة لأنه رأى ابطالهم في كرة القدم طوالا؟ ايجوز علميا ان نحكم على امة كبيرة بحسب ما عندها من لواعيب كرة القدم؟ يا عزيزي الأخ العامري، الأجادة في الكرة يتطلب قامة طويلة. هكذا اصبح الطوال متميزين فيها و جرى انتخابهم على هذا الاساس و لكنهم لا يمثلون معدل طول ابناء شعبهم. انهم نخبة في طول البدن ولكن ربما فئة سيئة في قصر العقل، كما اجدهم غالبا.
يعلمنا العلم على التريث و الشك فيما نسمع، حتى فيما يقوله المعلم في المدرسة. علينا ان نفكر و نتحقق. هل إن ما سمعناه صحيح؟ ما الذي يسنده من حقائق و تجارب؟ يقول القشطيني ان بشرة المسيحيين في بلاد الشام بيضاء و عيونهم فاتحة و شعرهم اصفر. هل هذا صحيح؟ سرعان ما تجد ان المسلمين هناك ايضا يتسمون بهذه الصفات! و الآن لديك هذا السوآل: لماذا اتصف عرب بلاد الشام بهذه الصفات في حين غلبت السمرة و الشعر الأسود على عرب الجنوب؟ لماذا نجد العراق يعاني من الفساد والمحن ؟ هل هي نقمة من السماء لقتلهم الحسين و الملك فيصل؟ ام هي نتيجة للحكم الاجنبي عبر القرون ، ام بسبب الخلطة العرقية و الطائفية للشعب ، ام بسبب ما قيل عنهم من الشقاق و النفاق؟ ما العوامل الطبيعية و المناخية و التاريخية التي تعلم الناس على الفساد و الشقاق؟
وهذا ما اقوله. هذه الزاوية ليست جدولا بالحقائق و المعارف. و سبق ان حذرت من اخذها كمصدر. إنها زاوية ساخرة تتحدى القاريء و تستفزه للتفكير فيما سمع وسلم به. تدعوه لاستعمال العقل و التحليل العلمي و ادراك اوجه النظر المختلفة لذات الموضوع. وهذه مهمة صعبة. فكثيرا ما وجدت مواطنا لا يصيبه السرطان الا واسرعت زوجته للتفكير بالعفاريت و السحر و عين الحسود التي تسببت به. قلما تتذكر السكائر التي دخنها. و حتى المثقفين منا، لا تفلس حكومتهم الا و ارجعوا افلاسها
لموآمرة استعمارية ، وهي النسخة الحديثة من دنيا الخرافات.

Monday 17 May 2010

الأسبوعية 16-5-10

الزهاوي في مسار الجاحظ

خالد القشطيني

جسّم جميل صدقي الزهاوي وحدة الشعب العراقي في كونه كردي المولد، تركي اللسان، عربي القلم، و حمل بين جوانحه الروح الرافدينية المتمثلة بالعلمانية و العقلانية. و لكن اغلب الناس يجهلون جانب الظرف و الفكاهة من شخصيته. قلما نظر اليه احد كعلم آخر من اعلام الفكاهة العراقية. و رغم اختلافه عن الجاحظ في كونه شاعرا و الجاحظ ناثرا، فأنه في الحقيقة تابع مسار ذلك العالم الظريف في عقلانيته وعلمانيته.
بعد ان غيب الموت تلك النجوم الساطعة من نجوم الفكاهة و السخرية العربية ، ابن الرومي و ابن المقفع و ابو نوآس و كل تلك الشلة التي نعتز بظرفها، و غيب المغول عاصمة الخلافة، انطوت صفحة الظرف العربي في بلاد الرافدين. بيد ان الفكاهة لا يمكن ان تموت. و كان الزهاوي ممن واصل ذلك التراث على طريقته و مزاجه.
لا اجد شيئا يمثل تلك الشخصية المركبة التي مزجت بين العلم و العقل و الشعر و الظرافة كتفسيره " العلمي" لظاهرة جاذبية الكرة الارضية. نشر كتيبا في الموضوع و مقالات عديدة ينفي فيها فكرة الجذب و يستبدلها بفكرة الدفع. فحسب رأيه ، الأجسام لا تسقط على الأرض بفعل جاذبية الأرض و انما بفعل قوة دافعة من الأجرام السماوية تتمثل بجزيئات تنطلق منها و تقطع ملايين الأميال وترشق كل شيء في طريقها و تدفعه باتجاهها فيسقط علينا، على الأرض. انها بدون شك "تحشيشة" ظريفة جره اليها ايمانه بأنه فيلسوف ولا خير في فيلسوف لا يأتي بنظرية علمية جديدة. و كانت نظرية الرشق و الدفع من اعظم نكات الزهاوي في رأيي.
و واصل الشاعر خوضه في الشؤون العلمية فبشر بنظرية التطور. سمع احد المواطنين بما قال فاعتبره زندقة وكفرا بالله . قصده في المقهى المعروف بإسمه ، مقهى الزهاوي في شارع الشرطة. و تحداه : كلب كافر! تقول الانسان طلع من القرد؟ يعني آني ابويه كان شادي؟"
مسك الزهاوي بذقنه و مد وجهه المغضن القبيح و لحيته المنتفة نحو الرجل و قال له : لا ابني، لا . انا ما قلت انه ابوك كان قرد . انا اقول آني ابويه كان قرد."
و كان الشاعر عالما حق العلم بالمدى الكاريكاتيري لوجهه. ففي مجلس السيد محمود صبحي الدفتري ، جاءه الوحي فارتجل بعض الاشعار الأخوانية وقال:
جمع الأديب الحر صبحي شملنا في داره ، اكرم بها من دار
لو لم تكن لي لحية و ســــــدارة لحسبتني طيرا من الأطيار
كان المفروض ان يقول " لحسبتني قردا من القرود"، و لكن القافية منعته من ذلك. انطقه هذا التوأم الأدبي في شخصيته ، توأم العلم و الفكاهة ، كثيرا من الكلمات البليغة. اشتهر منها ما قاله في مجلس المبعوثان العثماني عندما كان نائبا فيه و طرحوا فكرة تدريس صحاح البخاري في الكلية البحرية التي اسسوها عندئذ ضمن مناهجها الدراسية. وقف و خاطب المجلس قائلا:
آسف. يظهر ان هناك سوء فهم في الموضوع. فالبواخر لا تمشي بالبخاري. و انما بالبخار!"
قال وضج المجلس بالضحك. و عاد النائب الشاعر الى بيته سالما لم يعتد عليه احد و يتهمه بالسخرية بالدين. كانت ايام خير و الناس كان عندها عقل.

العالم 17-5-10

في مسيرة الديمقراطية(11)

الدنيا الفانية و الدنيا الباقية

خالد القشطيني

بعد سقوط الأمبراطورية الرومانية و سيادة المسيحية على اوربا و البحر المتوسط، انمحت معالم الديمقراطية الكلاسيكية و اتخذ الانسان نظرة جديدة نحو المجتمع و العالم. فلسف هذه النظرة القديس اوغسطين في كتابه "مدينة الله"(423م) حث فيها المؤمنين على تحاشي التركيز على مشاكل هذا العالم ، فهذا العالم دنيا فانية و مجرد جسر نحو ملكوت السماء ، الدنيا الباقية . المطلوب هو التوجه نحو العبادة و الذوبان في الذات الالهية. و في هذا المسعى تبرز السلطة الدينية ( الكنيسة) فوق السلطة الدنيوية ( الحكومة). اختفت في هذا الإطار الأوغسطيني الأفكار القديمة التي طورها الأغريق عن المواطنة و حقوقها و دور المواطن الفرد في الحكم و كمصدر للسلطة و ككيان مستقل له حرياته . لم يعد للديمقراطية اي مكان في مناقشات الرهبان و القسان.
بيد ان المسيحية حافظت على بعض الأفكار الكلاسيكية كالمساواة ، و إن استثنت منها بعض الفئات كالرقيق. و اكدت بصورة خاصة على الإحسان واعمال الخير و ضيقت من ناحية اخرى على الحريات الفردية و شهوات البدن.
انطمر التراث الأغريقي كليا في اوربا حتى ظهر العرب على المسرح و قاموا بترجمة ارسطو و افلاطون و نشروا افكارهما و تشربوا بها. و عن طريقهم ، و بصورة خاصة على لسان ابن رشد، انتقل ذلك التراث العقلاني الى اوربا و تأثر بها الكثيرون ، و على الخصوص المنظر اللاهوتي الشهير اكويناس (1274م) . حاول هذا المزج بين العقل و الايمان في معالجة الشؤون السياسية. اوصى بالحكم الملكي كأحسن نظام صالح شريطة ان يلتزم الملك بما اسماه الشريعة الأبدية ، اي شريعة الله. و اذا لم يلتزم بها فتحق الثورة عليه والأطاحة به. من يقرر ذلك؟ الكنيسة هي التي تقرر.
نشأ في هذا الأطار ذلك التحالف بين الكنيسة و العرش و تمثل بتتويج الملك في الكنيسة و تقديسه فيها من قبل رئيس الاساقفة. ظهرت بفضل ذلك فكرة الحكم الالهي، او الحكم المطلق الذي جسمه الملك لويس الرابع عشر في كلمته الشهيرة " الدولة انا." و طوّر ابنه لويس الخامس عشر(1774م) هذا المفهوم بهذه الكلمات:"
" تنحصر سيادة الحكم في شخصي فقط. لا يملك السلطة التشريعية احد سواي او يشاركني فيها احد. تتمثل بالضرورة حقوق الأمة و مصالحها في شخصي انا و تستقر بيدي."
الحقيقة ان المفهوم الاوربي للحكم لم يختلف كثيرا عن الحكم الاسلامي . و لكن المسيحية حددت من هم " اهل الحل و العقد" التي تركها المسلمون غامضة بأنهم اساقفة الكنيسة. و كان من حظهم ان المسيح لم يخلف ذرية ليتنازعوا بشأنها و لم يعرفوا القبلية العربية ليخوضوا في موضوع النسب، و إن جرت بينهم "حروب وراثة " دامية . كما ان خليفة المسلمين لم يستطع ان يقول ما قاله ملك فرنسا و يدعي بأن السلطة التشريعية بيده وحده. الشريعة عند المسلمين موجودة في القرآن الكريم و السنة النبوية.

Sunday 16 May 2010

العالم 16-5-10

الولاء للأسماء

خالد القشطيني

تعرضت في مقالة سابقة الى موضوع تغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي الى اسم آخر يتناسب مع ما تجدد من مناهجه و اساليب عمله. معظم من اصادفه في الغرب من قدامى الرفاق يميلون الى ضرورة تغيير اسم حزبهم القديم. يقولون هذا ما فعلته معظم الأحزاب الشيوعية في العالم. بيد ان احد اصدقائي تحداني في الموضوع ، قال ترضى انت يغيرون اسمك من خالد القشطيني الى بيتر كتكتوني لأنك انتقلت الى اوربا وغيرت مجرى حياتك؟ سوآل وجيه له ابعاد كثيرة. قلت له لم يعد اسمي الحالي ملكا لي لأستطيع تغييره. انه اسم قلمي. واذا غيرته فستتوقف هذه الصحيفة عن نشر مقالاتي. فالقراء كما اشعر لا يعبؤن بما اقول . يقرأون المقالة لأن عليها اسم خالد القشطيني، وهذا شأنهم مع اكلهم وشربهم ايضا. يفضلون الويسكي على العرق لأنه مكتوب عليه " ويسكي."
و لكن وراء تمسكي بأسمي بعدا آخر، وهو الحرص العربي و الاسلامي على الأسم. وهذه مشكلة اصبحت تواجه المغتربين. فمن اسرار نجاح اليهود عالميا استعدادهم لتغيير اسمائهم حسب ظروفهم الجديدة. كل اليهود تقريبا الذين نزحوا من العراق لى اسرائيل غيروا اسمائهم العربية. و كان من اول ما فعله اليهود المهاجرون من اوربا الشرقية و الوسطى الى بريطانيا و امريكا ان غيروا اسمائهم الى اسماء انغلوسكسونية نمطية حتى لم يعد بالأمكان معرفة اصولهم و جذورهم. الكثير من اليهود الوزراء و النواب في البرلمان في بريطانيا يحملون اسماء غير اسمائهم الاصلية.
نصحت زملائي العرب ان يحتذوا بذلك ليستطيعوا التقدم في مهنتهم، ولاسيما بالنسبة لمستقبل أولادهم، وخاصة بعد هجمة الاسلامفوبيا ( الخوف من الاسلام) . واجه بعض اقاربي في فرنسا مشكلة في التجنس عندما سألهم الموظف لماذا سميتم اولادكم بأسماء عربية و ليس فرنسية؟
و لكننا نواجه مشكلة هنا ، و بصورة خاصة بسبب القيمة الدينية. فلا يسهل على رجل بأسم سيد محمد علي ان يغير اسمه الى مستر جون مكسويل او يسمي اولاده بإسم هنري او فرانسس ، اليزابث او مرغريت. نصحت الجراح القدير سامي البنا ان يحذف حرفي التعريف من اسمه " ِal " حرصا على مستقبله. فهذان الحرفان يكشفان عن اصله العربي الاسلامي. فلا المرضى العرب يأتون اليه لأنه غير انكليزي مضبوط ولا المرضى الانكليز يأتون اليه خوفا ان يكون عنده قنابل في العيادة.
الاسماء تعني الكثير لدينا و نعتبرها جزء من شرف العائلة، نعتز بها و ندافع عنها. شعر الكثيرون بأنزعاج عميق من امر صدام حسين بحذف الألقاب من اسمائنا. و رفض كل اقاربي في العراق الانصياع لهذا الأمر. كتب شكسبير متسائلا على لسان جولييت : " ماذا في الأسم؟ فالوردة تعطي نفس الأريج مهما سميتها." و لكن شكسبير كان انكليزيا. لو كان عربيا لما استطاع ان يشم رائحة الوردة قط اذا سميتها بغير اسمها فقلت صونة او جيفة او جرّية، او اطلقت عليها اسما من الاسماء الطائفية التي تمقتها الطائفة الأخرى.