Monday 17 May 2010

العالم 17-5-10

في مسيرة الديمقراطية(11)

الدنيا الفانية و الدنيا الباقية

خالد القشطيني

بعد سقوط الأمبراطورية الرومانية و سيادة المسيحية على اوربا و البحر المتوسط، انمحت معالم الديمقراطية الكلاسيكية و اتخذ الانسان نظرة جديدة نحو المجتمع و العالم. فلسف هذه النظرة القديس اوغسطين في كتابه "مدينة الله"(423م) حث فيها المؤمنين على تحاشي التركيز على مشاكل هذا العالم ، فهذا العالم دنيا فانية و مجرد جسر نحو ملكوت السماء ، الدنيا الباقية . المطلوب هو التوجه نحو العبادة و الذوبان في الذات الالهية. و في هذا المسعى تبرز السلطة الدينية ( الكنيسة) فوق السلطة الدنيوية ( الحكومة). اختفت في هذا الإطار الأوغسطيني الأفكار القديمة التي طورها الأغريق عن المواطنة و حقوقها و دور المواطن الفرد في الحكم و كمصدر للسلطة و ككيان مستقل له حرياته . لم يعد للديمقراطية اي مكان في مناقشات الرهبان و القسان.
بيد ان المسيحية حافظت على بعض الأفكار الكلاسيكية كالمساواة ، و إن استثنت منها بعض الفئات كالرقيق. و اكدت بصورة خاصة على الإحسان واعمال الخير و ضيقت من ناحية اخرى على الحريات الفردية و شهوات البدن.
انطمر التراث الأغريقي كليا في اوربا حتى ظهر العرب على المسرح و قاموا بترجمة ارسطو و افلاطون و نشروا افكارهما و تشربوا بها. و عن طريقهم ، و بصورة خاصة على لسان ابن رشد، انتقل ذلك التراث العقلاني الى اوربا و تأثر بها الكثيرون ، و على الخصوص المنظر اللاهوتي الشهير اكويناس (1274م) . حاول هذا المزج بين العقل و الايمان في معالجة الشؤون السياسية. اوصى بالحكم الملكي كأحسن نظام صالح شريطة ان يلتزم الملك بما اسماه الشريعة الأبدية ، اي شريعة الله. و اذا لم يلتزم بها فتحق الثورة عليه والأطاحة به. من يقرر ذلك؟ الكنيسة هي التي تقرر.
نشأ في هذا الأطار ذلك التحالف بين الكنيسة و العرش و تمثل بتتويج الملك في الكنيسة و تقديسه فيها من قبل رئيس الاساقفة. ظهرت بفضل ذلك فكرة الحكم الالهي، او الحكم المطلق الذي جسمه الملك لويس الرابع عشر في كلمته الشهيرة " الدولة انا." و طوّر ابنه لويس الخامس عشر(1774م) هذا المفهوم بهذه الكلمات:"
" تنحصر سيادة الحكم في شخصي فقط. لا يملك السلطة التشريعية احد سواي او يشاركني فيها احد. تتمثل بالضرورة حقوق الأمة و مصالحها في شخصي انا و تستقر بيدي."
الحقيقة ان المفهوم الاوربي للحكم لم يختلف كثيرا عن الحكم الاسلامي . و لكن المسيحية حددت من هم " اهل الحل و العقد" التي تركها المسلمون غامضة بأنهم اساقفة الكنيسة. و كان من حظهم ان المسيح لم يخلف ذرية ليتنازعوا بشأنها و لم يعرفوا القبلية العربية ليخوضوا في موضوع النسب، و إن جرت بينهم "حروب وراثة " دامية . كما ان خليفة المسلمين لم يستطع ان يقول ما قاله ملك فرنسا و يدعي بأن السلطة التشريعية بيده وحده. الشريعة عند المسلمين موجودة في القرآن الكريم و السنة النبوية.

No comments: