Sunday 6 June 2010

الشرق الأوسط 6-6-10

ابو علقمة – بهلول اللغة

خالد القشطيني

كما ذكرت في مقالتي السابقة ، اخذ الجمهور في العهد العباسي يجدون في قواعد النحو العربي و حوشي الكلام مصدرا للتندر و الفكاهة و السخرية و ينظرون للنحويين كحمقى و بهاليل يثيرون في النفس الضحك و الشفقة. و شاعت بين الناس اسماء طائفة منهم فتصدر القائمة الفقيه ابو علقمة. رأينا كيف حاول ان يغازل جارية فثارت عليه و وبخته على غزله و تصورت انه كان يشتمها.
وردت عنه حكايات و طرائف كثيرة. ذهب الى طبيب يشكو مرضه فقال:
"اني اكلت من لحوم هذه الجوازل فطسئت طسأة فأصابني وجع بين الوابلة الى داية العنق، فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب و المت له الشراسيف . فهل عندك دواء؟"
فقال له الطبيب: " خذ حرقفا و سلقفا و شرقفا ثم اهرقه و رقرقه و اغسله بماء مروّث و اشربه بماء الماء."
فقال ابو علقمة : ويحك! أعد علي فأني لم افهم.
فقال له الطبيب، " لعن الله اقلنا افهاما لصاحبه. فهل فهمت شيئا من كلامك؟
و احتاج الفقيه الى خدمات حجام ليحجمه. بادره بالقول:
" لا تعجل حتى اصف لك. ولا تكن كأمرء خالف ما امر به و فعل غيره. اشدد قصب المحاجم ، و ارهف ظبة المشارط ، و اسرع الوضع ، و عجل النزعة .
و ليكن شرطك وخزا، و مصك نهزا ، ولا تردّن آتيا ولا تكرهن ابيا."
فوضع الحجام محاجمه في قفته وقال: يا قوم هذا رجل قد ثارت به المرة (مزاج السوداوية) ولا يصح ان يخرج دمه في هذا الوقت.
قال و انصرف.
وفي حكاية بهلولية مشابهة ، بعث ابو علقمة بغلامه الى غريم خاصمه و قال للغلام، "خذ من غريمنا هذا كفيلا ، و من الكفيل امينا ، و من الأمين زعيما ، و من الزعيم غريما. " فقال الغلام للغريم: " مولاي هذا كثير الكلام. فهل معك شيء؟ فأرضاه الغريم فخلا سبيله الغلام. و عاد الى سيده فسأله : يا غلام ، ما صنعت بالغريم؟ فقال: سقع! قال ويلك ، ما سقع ؟ قال بقع. قال ويلك ، وما معنى بقع؟ قال : استقلع. قال ويلك، ما معنى استقلع؟ قال انقلع! قال ويلك، و لم طولت علي كل هذا الكلام؟ قال منك تعلمت!
لا اخال هذه الحكايات حقيقية جملة و تفصيلا ، و لكنها مؤشرات على قرف الناس من فقهاء اللغة و تحذلقهم و تزمتهم و تعلقهم بكلام الغابرين و تمنعهم عن مماشاة روح العصر و التبسط باللغة. و كان من معالم تحجرهم استقراء ما يقوله البدو و الاعراب. يحاول اهل الريف في معظم المجتمعات ان يتعلموا من اهل الحواضر. بيد ان فقهاءنا دأبوا على عكس ذلك فكانوا يخرجون الى البادية ليستمعوا و يسجلوا استعمال البدو للغة . و جلسوا في المدينة يتربصون لأي اعرابي امي زائر ليسألوه و يتعلموا منه. لاحظ بعض الاعراب ان هؤلاء الفقهاء كانوا يستضيفونهم و يهادونهم و يدفعون اجرا لهم عن أي شيء حوشي ينطقون به و يتعلمونه منهم. فأخذوا يفتعلون الكلام و يخترعون الكلمات و يكسرون قواعد النحو ليكسبوا فلسا او فلسين من هؤلاء القوم ، بهاليل اللغة!

No comments: