Wednesday 8 September 2010

الشرق الاوسط 7-9-10

الحلويات الرمضانية

خالد القشطيني

ارتبط شهر رمضان المبارك بالحلويات و السكاكر ، حتى اننا في العراق لم نكن نرى البقلاوة و القطائف و الزلابية الا في شهر رمضان . نراها في الدكاكين لشهر ثم تختفي و يكون علينا ان ننتظرها ثانية بعد سنة. بيد ان اكتشاف النفط و ما تمخض عنه من رفاه جعل هذه الأطعمة الغالية نسبيا تتواجد في الدكاكين على مدار السنة . و يأكلها الناس كشيء اعتيادي بعد الطعام ، ربما يوميا. و لكنني شخصيا امقت هذا التطور الترفي ، فللأكل في المواسم لذة خاصة تجعل حتى الاطفال ينتظرون شهر رمضان تطلعا للبقلاوة و الحلويات. يجب ان تكون لكل موسم نكهته و مذاقه ليحلو في اعيننا و نفوسنا.
و لكنني كما قلت، ارتبط شهر رمضان المبارك بالحلواء ، حتى قيل المؤمنون حلويون. وذكر معمر العرب ابو عبيدة فقال ان اي طعام لا حلواء فيه فهو خداج ، اي ناقص و غير مكتمل. يأتي التمر طبعا في المقدمة و اصبح من سنن الحياة الرمضانية ان تفطر بتمرات. وهذا اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث كان يفطر بالرطب، وعلى التمر إن لم يتواجد الرطب. و يختتم به فطوره ايضا. ومن استعمالات التمر الشائعة ، ولاسيما بين البدو ، خلطه و اكله مع الزبد . وفيه يقول الشعبي: ما رأيت فارسا احسن من زبد على تمر. و جاء في التراث ان الحجاج استشار صحبه في افضل ما في الطعام. و ان يكتبوا ذلك في قصاصات يضعونها تحت مصلاته. فعلوا ذلك ثم فتحها فّاذا بها جميعا تذكر الزبد و التمر. وهي من امثلة الاستبيانات الرائدة. يا ليته فعلها مع شؤون الحكم و ليس الأكل!
و من التمر ايضا كانوا يصنعون الخبيصة بخلط التمر بالسمن . وقد يضاف اليها ايضا شيء من الدقيق. و اعتقدت العرب ان الخبيصة تنفع الدماغ فقال سفيان ان على العاقل ان يأكل الخبيصة مرة كل اربعين يوما ليحافظ على قوة عقله. و من الواضح اننا لم نتبع هذه النصيحة فابتلينا بالحكام الجهلاء. و يروى ان اول من خبص الخبيصة كان عثمن بن عفان رضي الله عنه.
يأتي العسل في المرتبة الثانية . حتى روى عبد الله بن عباس انه سأل النبي ، اي الشراب افضل؟ فقال الحلو البارد ، اي العسل. وكانوا يصنعون الحلوى منه بخلطه بالدقيق الناعم. و ذكروا ان عثمان بن عفان بعث بشيء منه الى الرسول في منزل زوجته ام سلمة. فسأل من بعث بهذا فأجابوا انه عثمان. فرفع وجهه الى السماء و قال اللهم ان عثمان يرتضيك فارض عنه.
و من اشهر حلاوات رمضان الشريف الشائعة بيننا الآن الكنافة و القطائف و البقلاوة و الزلابية. و بلغ من حب العرب لها ان جمع جلال الدين السيوطي جل ما قيل عنها في كتاب خاص سماه : " منهل اللطائف في الكنافة و القطائف" .
و شاعت في العهد العباسي حلواء الفالوذج التي كانوا يعملونها من الدقيق و الماء و العسل. و قد قيل ايضا ان الرسول الكريم كان يأكل الدجاج مع الفالوذج. اما اللوزينج فكانوا يؤدمونها بدهن اللوز.

Monday 6 September 2010

الاسبوعية 6-9-10

انتقام امرأة

خالد القشطيني

اشير مرارا بأن من يريد ان يفهم حاضرنا عليه ان يرجع لتاريخ اوربا في القرون الوسطى. لهذا يحلو لي دائما متابعة ذلك التاريخ. وكان من حصاد هذه المتابعة قصة الملكة ايزابلا و ما فعلته بزوجها الملك في القرن الثالث عشر. ننبهر في هذه الأيام بمدنية الغربيين و لكن هذه القصة تعرض لنا ما كانوا عليه من الهمجية و القسوة المتناهية التي تجعل كل ما سمعناه من قساوات تاريخنا و حاضرنا نعيما و بلسما بالنسبة لها. وفي ذلك عظة و العظة هي في استيعاب سنة التطور التي خلصت الاوربيين من تلك الهمجية.
كان ادوارد الثاني ملكا غريب الأطوار. شق عصا الطاعة على كل الاعراف الملكية لعصره. و منها انه كان مبتلى بالشذود الجنسي المثلي . ولكنه اختلف عن الآخرين من امثاله في مصارحته به و ممارسته علنا. اعتبرت زوجته الملكة ايزابلا ذلك اثما خطيرا و قررت غسل انكلترا من ذلك العار و الخطيئة الدينية. قالت الزواج ميثاق مقدس بين رجل و امرأة. هربت منه و عبرت الى فرنسا حيث استطاعت ان تعد جيشا جرارا تغزو به انكلترا و تطهرها من هذا الاثم. تم لها ذلك و قادت الجيش الى لندن و انتصرت على زوجها الذي هرب الى سومرست. بيد انها استطاعت ان تلقي القبض على عشيقه فأمرت بقطع خصيتيه و عضوه الجنسي، الذي نافسها في زوجها! ثم امرت بقطع رأسه (رأس الرجل) و تعليقه على رمح فوق جسر لندن ليكون عبرة لمن اعتبر.
اعادت تجميع جيشها و مضت في مطاردة زوجها فدحرته مرة ثانية في معركة حاسمة . لاذ بأحدى القلاع العتيدة. حاصرتها حتى استطاعت في الأخير اقتحام القلعة واعتقاله. و يا ويل ما امرت به! امرت بتسخين قضيب حديدي على النار حتى اصبح احمر كالجمر. ثم امرت بايلاج ذلك الحديد الجمر في دبر زوجها. و بعد ان تم ذلك الفعل السادي الفضيع امرت بحرقه كليا. وبعد ان اشفت غليلها ضد زوجها المأبون ، عادت الى لندن و حكمت الشعب الانكليزي بيد من حديد. و من يقول لا؟
يقول المثل الانكليزي :" غضب المرأة لا حدود له." A woman’s wrath knows no bounds ". لا ادري أن كانوا قد اشتقوا هذا المثل مما فعلته هذه الملكة. و لكن الحكاية على فضاعتها تكشف عن هذا الجانب الرقيق، وهو ان المرأة الانكليزية منذ تلك السنين القصية ، تعتد وتتمسك بشخصيتها فتجيش الجيوش و تخوض المعارك و تنتصر و تحكم. الحقيقة ان الانكليز كثيرا ما يتباهون بأن اعظم امجادهم التاريخية جرت من افعال المرأة. فعلى جسر وستمنستر نجد تمثال العربة الحربية التي ركبتها الملكة بوديشيا في قيادة جيشها ضد الاحتلال الروماني. وفي القرن السادس عشر حققت الملكة اليزابث الاولى ذلك النصر المبين في معركة الارمادا ضد الاسطول الاسباني، اكبر اسطول في اوربا عندئذ. و خلال حياة الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر، استطاعت بريطانيا ان تبني تلك الامبراطورية التي لم تغب الشمس عن اراضيها. وفي جيلنا هذا ، رأينا كيف تمكنت مرغريت ثاتشر ان تحدث هذه الثورة في الاقتصاد العالمي ، ثورة اقتصاديات السوق. و ها هنا نجد الملكة ايزابلا تطهر البلاط من اللواطة – او هكذا تصورت.