Sunday 30 May 2010

االشرق الأوسط 30-5-10

قراءات في صورة

خالد القشطيني

نشرت الصحف البريطانية ، و على رأسها صحيفة الغارديان، صورة كبيرة ملونة لحفلة وداع غوردن براون ، رئيس الحكومة البريطانية السابق ، لمكتبه و وزرائه بعد استقالته من الحكومة ورآسة حزب العمال. عاينت في الصورة فوجدت ان الرجل الوحيد الذي حمل وجهه ابتسامة عريضة كان المستر براون نفسه. يتوقع المشاهد ان يجده في اسوء حال و احزن مآل وقد خسر الانتخابات و الحكم و الحزب وهذا المسكن المهيب 10 داوننغ ستريت. لأول مرة وجدت معالم البهجة بادية عليه. و لم لا؟ لقد القى من كتفيه اعباء كل هذه المسؤوليات. وقف يحتضن بكلتا يديه طفله الصغير فريزر في الثالثة من عمره وهو يصرخ بضحكة داوية. اخيرا سيتفرغ بابا لي و يحملني على كتفيه و اضربه على رأسه. لا عجب ان يبتسم غوردن . و يعلمنا بابتسامته ان العائلة ، الاولاد و الزوجة ، هي الملاذ الأخير و الحقيقي للرجل.
وهو ما يفسر للمشاهد البؤس البادي على وجه بيتر مندلسن ، وزير الأعمال، (البزنس). فالسيد بيتر اعزب و مبتلى بالشذوذ المثلي. ليس له ملاذ يأوي اليه بعد فقدان منصبه – او هكذا اتصور ، و من يدريني بهذه الأمور. بيد ان سائر الوزراء الآخرين يشاركونه في الصورة بملامح التعاسة و الأسى و قد فقدوا مناصبهم الوفيرة. استثني من ذلك اد مليباند الذي وقف وراء غوردن براون يحدق في الآخرين ويخطط و يحلم بخلافة براون في المستقبل القريب. وقد رشح نفسه لزعامة الحزب. بدا عليه شيء من ملامح القلق، فمنافسه على الرآسة اخوه.
السيدة سارة براون، زوجة رئيس الحكومة السابق بدت في اسوء نفسية و قرف. يا الله! سيعود زوجي و يقضي كل وقته في البيت و ينغص علي حياتي. سيصعب علي ان اقنعه بالذهاب للحانة في رأس الشارع حتى افرغ من مشاهدة مسلسل كورونيشن ستريت. فقد اصبح رئيس وزراء سابق لا يليق به ذلك.
كيرستي مكلين ، كاتبة خطب رئيس الحكومة تبدو على عكس الآخرين في منتهى البشر و السعادة . لقد نفضت عن كاهلها هذه المتاعب و المعاناة. لن يطلب منها بعد اليوم ان تكتب كل هذا الهذيان و النفاق و المغالطات و المتناقضات التي تفرض عليها كتابتها لتكسب لقمة عيشها و لقمة عيش رئيسها. انها بدينة و سمينة على خلاف الأخريات. لم تترك لها كتابة الخطب اي وقت لتتحرك و تريض رجليها. و لكن اين كانت تكتب خطب الزعيم؟
بالطبع، هناك على الكومبيوتر التي احتلت الصدارة في هذه الصورة. عاينت و اطلت النظر فيها. أي اسرار قد اخفت تحت شاشتها و بين احشائها؟ كم سيدفع المحافظون ، او الأمريكان ، او اليابانيون ثمنا لهذه الكومبيوتر التي صنعوها و اضاعوها؟ كم سيدفع رجال الموساد ثمنا لها؟ و لكن كلا. لن تدفع الموساد فلسا واحدا عنها. فكل ما فيها من معلومات معروفة مسبقا لديهم. و مع ذلك، فقد اعطى المصور المكان المركزي في الصورة لجهاز الكومبيوتر.
و هذه هي زبدة عالمنا السياسي. الكومبيوتر تحرك الساسة و تصيغ السياسة . لا عجب ان ينظر اليها براون الأبن الأكبر في شوق و حرص.

No comments: