Monday 31 May 2010

العالم 31-5-10

في مسيرة الديمقرالطية( 13)

الدين و الدولة

خالد القشطيني

ارتبط الدين بالسلطة منذ عرف الآنسان الأله. و جرى الترتيب بأن يدعم الحاكم رجال الدين فيطلق يدهم في السيطرة على الجمهور وغسل دماغهم و استغلالهم لقاء تأييد الكاهن للحاكم وغسل دماغ الجمهور بالطاعة له. سرى هذا الازدواج في اوربا المسيحية . نجد حتى في هذه الأيام و في بلد علماني كبريطانيا ، تعتبر الملكة رأس الكنيسة الانغلكانية و لا يتم تتويجها الا بقيام اسقف كانتربري بتقديسها في الكنيسة.
نجد مثل ذلك في العالم الاسلامي في نشوء المملكة السعودية حيث تم في القرن الثامن عشر ذلك الاتفاق التاريخي بين محمد عبد الوهاب ، شيخ الوهابية، و محمد بن سعود، عاهل الأسرة السعودية. و بموجبه يؤيد المشايخ سلطة الأمير الدنيوية مقابل إطلاق يد المشايخ في الأمور الدينية، الأمر الذي اصبح يعرقل الكثير من الأصلاحات التي يعتبرها المشايخ مناقضة للدين، كمنع الرق. و آن لهذا الترتيب ان يتفجر في عصر النفط و الذرة بين المتشددين و الاصلاحيين. وهو ما جرى قبل قرون في اوربا.
جرى الترتيب في اوربا في تقاسم السلطة بين البابا ورئيس الامبراطورية الرومانية المقدسة ، التي وصفها فولتير بأنها لم تكن امبراطورية و لا رومانية و لا مقدسة. الملوك و الأمراء يحكمون بدعم الكهنوت و الكهنوت يأتمرون بأوامر الفاتيكان. و الجمهور يعيشون او يموتون حسب ما يؤمرون. بيد ان هذه العلاقة كثيرا ما تأزمت و افضت الى مآس دامية. كان منها ما جرى في بريطانيا في القرن الثاني عشر.
يظهر ان الانكليز لم يرتاحوا قط لتلقي الأوامر من روما فشعرهنري الثاني بمضايقات الكنيسة له و تدخلها في شؤون دولته، فكر بطريقة لوذعية – كما تصور. اعتمد كثيرا على وزيره توماس بكت. لم يكن هذا من ارستقراطية البلاد و انما ولد و نشأ من منبت وضيع و فقير و لكنه اؤتي بما يكفي من الذكاء و المواهب بحيث ارتقى منصب الوزارة و استحوذ على صداقة الملك و ثقته. و عندما شغر منصب رآسة كاتدرائية كانتربري، ( المرجعية الدينية في بريطانيا) رأى هنري الثاني ان تعيين صديقه في هذا المنصب سيحل المشكلة فلا تحصل خلافات بينه و بين الكنيسة و ينال ما يريد.
بيد ان توماس بكت ، ما ان استلم هذه المنصب حتى تقمص ثوب الكنيسة و تشدد في تمثيلها و تنفيذ سياساتها. ادى ذلك الى تصادم مرير مع العرش. اغتاض الملك بصورة خاصة من تحول صديقه و ربيبه الى خصم لدود له و عقبة ضد سياساته. لم يعرف ماذا يعمل، و تعيين رجال الدين او طردهم لا يتم بدون موافقة البابا. و في ساعة من ساعات غيضه قال يائسا: " اما من احد يخلصني من هذا الرجل؟"
تصور زبانية البلاط انه قصد قتله. فمضوا و قتلوه (1170) وسط كنيسته شر قتلة بما اصبح مشهدا خالدا في تاريخ الاستشهاد المسيحي، و شكل حلقة مهمة في علاقة الدين بالدولة و تقليص ظل الكنيسة.

No comments: