Friday 4 June 2010

العالم 5-6-10

دائرة الثأر المفرغة

خالد القشطيني

تذكرني عمليات اجتثاث البعث و قطار الانتقام و الثارات الجاري في العراق بالحكاية النمساوية عن التلميذ فرانك الذي عقد العزم على الانتقام من معلمه. كان معلمه هذا يرهقه بالواجبات و يتشدد في معاقبته بالضرب بالخيزرانة اقسى الضرب و يعطيه اسوء النتائج في الامتحانات. فكر كيف يمكنه الانتقام منه وهو تلميذ صغير و المعلم رجل قوي كبير. و لكنه اهتدى الى طريقة ذكية في الانتقام منه لا تكلفه غير بضعة دراهم. قال سأذهب للمبغى في فيينا و اضاجع عاهرة مصابة بالسفلس بنصف مارك، فينتقل المرض الي. اعود للبيت فأضاجع الخدامة فينتقل السفلس اليها. و انا اعرف ان والدي يضاجع خادمتنا سوزانة بين الحين و الآخر، و كلما كانت امي خارج البيت. سيفعل ذلك فيأخذ مرض السفلس من الخدامة . و لوالدي عشيقة يحبها ويقضي معها عصر كل يوم احد عندما يذهب زوجها للكنيسة. و عشيقته هي المدام فرتز . سيضاجعها فيصيبها بالسفلس. و المدام فرتز هي زوجة معلمي اللي معذبني، الاستاذ فرتز. فيضاجع هذا زوجته عندما يعود للبيت مساء فينتقل اليه مرض السفلس . و اكون بذلك قد انتقمت افضع انتقام من هالكلب هذا استاذي اللي معذبني.
انها الدائرة المفرغة للثار. تذكرتها و انا اراجع في ذهني ما جرى و يجري في العراق طيلة حياتي وما اسمعه من ارهاب و تصفيات و تنظيف طائفي و اثني في بغداد و سواها من المدن و المناطق العراقية. دأبت التحقيقات في العهد الملكي على الانتقام من الشيوعيين . ثم آل الحكم بيد الشيوعيين بعد انقلاب عبد الكريم قاسم فأنتقموا من الملكيين و البعثيين. و جاء دور البعثيين فانتقموا من الشيوعيين افضع انتقام. سلموا الحكم لعبد السلام عارف الذي كان ناصريا فانزعج من البعثيين فانتقم منهم. اخيرا انتقل الحكم الى صدام حسين الذي ابتلي بصورة خاصة بسفلس الانتقام. تحالف مع الشيوعيين الذين ايدوه اولا في الانتقام من اليهود. ثم انقلب على الشيوعيين فانتقم منهم. تمادى في عمليات نقل السفلس فسلط جراثيمه على اعضاء حزبه و قادته الأوائل. من بقي؟
آه ، نعم. بقي الكرد . فسلط عليهم السفلس السام و اباد ما يكفي منهم. جاء الامريكان و الانكيز في الأخير. اسقطوا النظام الصدامي و ابادوا تماثيله و سلموا الحكم لسفلس الطائفية. فراحت جراثيمها تضرب يمينا و يسارا ، وراء واماما . كل ينتقم من الكل . و البعض من البعض. الدائرة المفرغة للثأر.
انها حكاية المعلم فرتز و تلميذه الصغير فرانك. بيد ان اصحاب الدائرة المفرغة العراقية لم يهبهم الله عز وجل فطنة التلميذ النمساوي و عقله و طيبة قلبه. نال ثأره السلمي في اطار الأنس و المتعة. و لم يكلفه غير نصف مارك . دائرة الثأر العراقية دائرة دموية ، ضحاياها الوف القتلى و ثمنها ملايين الدولارات ، و ربما وحدة البلاد و تشرذم الشعب.

No comments: