Sunday 22 August 2010

الشرق الوسط 22-8-10

التباهي بالتباهي

خالد القشطيني

كتبت مرارا بأن الفساد مرتبط بالنظام الرأسمالي. فالمكائن يجب ان تستمر في الدوران و تنتج. وعلى المدير ان يجد اسواقا لمنتجاتها . ينجح في ذلك بحمل الجمهور على الشراء و الاستهلاك و نبذ القديم. هداهم ذلك لظاهرة الموضة و غرسها في النفوس. عيب على البنت ان تلبس نفس فستان العام الماضي. يتطلب ذلك سيلا مستمرا من الفلوس للشراء و الشراء و الشراء. من اين تحصل المرأة الفقيرة على هذه الفلوس؟ من بيع جسمها او حمل زوجها على السرقة و الرشوة.
صبت الروح الاستهلاكية في محصلة التباهي. لا احد يركب الباصات في القاهرة غير الرعاع من امثالي. كنت جالسا في مؤخرة احد الباصات و بجنبي احدى السيدات المحجبات. نظرت علي فتصورت انني من احد سراة الخليج. رفعت رأسها و نادت على الجابي في مقدمة الباص و صاحت بأعلى صوتها: " يا كمساري و حياتك تقول لي التذكرة كام دي الوقت؟ اصلي انا عمري ما ركبتش الاوتوبيس!"
ذهبت مع صديقي لتناول العشاء في احد المطاعم. لاحظت امرأة وضعت جوالها عل الطاولة. و كان الجوال يرن من حين لآخر بأغنية من فريد الأطرش ازعجتني كثيرا. سألت صاحبي، لماذا لا تجيب السيدة على التلفون و تتركه يرن و يرن؟ لمذا لا تغلقه اذا كانت لا تريد احدا يزعجها بمكالمة؟
" لأ يا ابو نايل. الفكرة هي ان تلفت الانظار انها بنت ذوات وعندها تلفون جوال. الجوال غالي في مصر و تكاليفه باهضة!"
يظهر ان الست سمعتنا فبعد قليل مدت يدها و اغلقت التلفون.
في اوربا، تحتل بولندا هذه الاسبقية. و فيها وصلت روح المباهاة الاستهلاكية اوجها في تحولها الى مستنقع من الفساد و التحلل الخلقي. شاع فيها مؤخرا البغاء في المولات، على حد ما وصفته صحيفة النيو يورك تايمس. تخرج الصبايا و يتجولن في المولات و يقعن في حب طراز جديد من احذية جمي تشو او كامرا صغيرة من كوداك . تهيم بها البنت دون ان تجد في جيبها المبلغ الكافي للشراء. تنظر حولها بحثا عن اي رجل غني قوي البنية فتتسلل اليه. كلمة منها و كلمة منه و تتم الصفقة. يشتري لها الحذاء و تعطيه جسمها في غرفة الاستراحة. و فطن مالكو المول الى حاجة الفتيات لمثل هذه المرافق المتسترة . غرفة استراحة. فما يهم المول هو تسويق البضائع لا ما يجري في هذه الغرف. سرعان ما تحول هذا النمط من التسويق الاستهلاكي الى ظاهرة شائعة. لا يسمونها بغاء و انما تبنيا ( سبونسرشب) . الرجل يتبنى الفتاة لبضع دقائق يشتري لها ما تريد و تعطيه ما يريد. و ظهرت معاهد تعلم الصبايا كيف يكتشفون الرجل المناسب للتبني. يقولون لهن انظرن لحذاء الرجل. ففي هذا الزمن غدت مكانة الرجال تتجلى في حذائهم. عندنا في العراق تتجلى مكانة الرجل في عدد الحرس الذين يحرسونه. و لكنهم في الغرب يعرفونه من حذائه. الرجل يتباهى بحذائه و المرأة تتباهى بشنطتها . فارغة كانت او مليئة.

No comments: