Sunday 29 August 2010

الاسبوعية 30-8-10

قرضا حسنا في باكورة رمضان

خالد القشطيني

هذه حادثة عجيبة مررت بها اثناء حضوري الحفلة الموسيقية/ الغنائية لألهام المدفعي في قاعة الالبرت هول بلندن. جلسنا لنتناول الطعام قبل الحفلة في مطعم ايلغار من القاعة. حضر لخدمتنا نادل بنغلاديشي. المفروض في اي نادل ان يطل عليك بوجه صبوح بشوش، يلاطفك و يداعبك و يعينك في فهم قوائم الطعام التي اصبحت في هذه الأيام طلسما من الطلاسم التي تحتاج لساحر يفسرها لك. بيد ان البؤس كان باديا على هذا النادل. وقف امامنا عبوسا قمطريرا و كأنه بعثي يحاول ان يحصل على حصة من الكعكة. جلسنا و اكلنا و شربنا حتى حل موعد ابتداء الحفلة. جائنا بالفاتورة فأعطيته ورقة خمسين باوندا و انتظرت منه ان يعيد الينا الباقي تسعة باوندات. حمل الورقة و الفاتورة و اختفى. قلت لأم نائل، هيا بنا نأخذ اماكننا في القاعة. و كأي زوجة حريصة على مصرف البيت قالت: و التسعة باوندات؟ دعنا ننتظر ، دعنا نسأل عنه. هذا مبلغ ليس بقليل"
" هذا رجل بائس. الم ترين التعاسة بادية عليه؟ فليذهب بالباقي ويسعد اسرته به. انه احق بها مني."
و خرجنا . اخذنا مقاعدنا واستمتعنا و صفقنا و هتفنا و عدنا الى البيت و نسينا كل شيء الا ما اتحفنا به هذا المطرب اللامع. و تناولت الفطور صباحا و خرجت لعملي اليومي ، الذي لا يتجاوز غير اللف و الدوران في اروقة المتاحف و المعارض الفنية. لم اكد اتقدم في طريقي غير بضع خطوات حتى لمحت ورقة مصورة صغيرة تذروها الرياح هنا و هناك. كانت هناك نسمات عذبة من نسمات صيف لندن تلقي بالورقة على هذا الرصيف ولا تلبث ان تهب فتحملها الى الرصيف المقابل.
ثم تسقط في وسط الشارع و تعود فتطير ، عاليا واطئا، حتى استقرت امامي و فتحت لي وجهها. نظرت فيها وإذا هي بورقة نقدية من فئة العشرين بوندا. التقطتها و نظرتت فيها ، نعم ورقة صحيحة و ليست صورة من مجلة. و تحمل صورة العالم الاقتصادي الشهير آدم سمث. ففي البلدان المتطورة التي كتب الله لها الخير يضعون تصاوير عظمائهم على كل الاوراق النقدية.
مسكت بالورقة. و تأملت ففي مثل هذه البلدان ، المنتظر ممن يعثر على شيء ان يسلمه للشرطة و يدلي بأفادته. هذه الورقة النقدية عثرت عليها عند الساعة كذا في يوم كذا في شارع كذا. يحتفظون بها لمدة شهر، اذا لم يحضر صاحبها فتعاد هدية حلال للاقط. قلت لنفسي و لكن هذه اللقطة لن يحظر صاحبها و يطالب بها. فهي من الله تعالى جزاء لما تصدقت به على ذلك النادل. دسست الورقة في جيبي ومشيت.
حكاية ظريفة وقعت في اليوم الأول من هذا الشهر المجيد، رمضان المبارك. ترويها لرجل علماني فيقول لا تكن ساذجا يا سيدي و تزج الموضوع بالغيبيات. هذه صدفة من المصادفات. حياتنا كلها مليئة بالصدف. انظر لكل هؤلاء المسؤولين الذين يتولون شؤون البلد في العراق. من جاء بهم؟ من اهلهم لوظائفهم؟ كيف حصلوا عليها؟ كله بالصدفة. لم تكن تخطر لهم حتى في البال او في المنام.
ولكن تكلم بها مع رجل مؤمن فتراه يرفع عينين خاشعتين الى السماء و يردد لك: شيئا من القرآن الكريم. " إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفر عنكم." الم تر ؟ عشرون باوندا هي ضعف التسعة باوندات مع شوية زيادة.
نعم هكذا. تلقيت صدقتي مضاعفة و بقي علي ان انتظر الغفران، وهي عملية اكبر كما يلوح لي... و لكن رحمة الله اوسع.

Friday 27 August 2010

الشرق الأوسط 27-8-10

الجهل بالشيء خير من العلم به

خالد القشطيني

شكرا للأخ حيدر الطائي من الامارات على توجيه نظري الى هذه الغلطة التي وردت في مقالتي " تهافت التباهي" حيث ذكرت ثمن ساعة الرولكس بستين دولارا. ارجو الا تقيم هذه الشركة السويسرية الذائعة الصيت دعوى علي للحط من قيمة ساعاتها. الصواب طبعا هو ستين الف دولار. و لكن كيف و لماذا وقعت في هذه الغلطة ، بل و كررتها مرتين؟ يقول علماء النفس ان الوقوع في غلط او سهو كثيرا ما يعبر عن ذهنية و تفكير صاحبه. وهذا ما جرى يا اخي الطائي. فأنا غير معتاد على شراء ساعة بأكثر من مائة باوند. و الساعة التي على يدي الآن اشتريتها بعشرين باوند فقط. و من ثم فيعجز دماغي عن التفكير بألوف الدولارات ثمنا لساعة تستطيع اي ساعة رخيصة ان تقوم بمثل عملها و ربما احسن.
يذكرني مثلي هذا في العجز عن التعامل بأكثر من مائة دولار بالأعرابي الذي غنم قطعة كبيرة من السجادة الملكية في بلاط انوشروان عندما استولى العرب على طيسفون و نهبوا قصره. عاد مبتهجا و اخبر قومه بأنه باع تلك القطعة بألف دينار. فضحكوا عليه و انبوه و قالوا له يا مغفل هذه القطعة تسوى اكثر من ذلك بكثير. قال: " ماذا بعد الألف؟ هل هناك شيء اكثر من الف؟"
غير انني اعترف بأنني ابيع بعض الساعات بمثل هذه الاسعار الخيالية. فحالما يكرمني احد ما بساعة ثمينة ، اعود بها الى لندن و ابيعها فورا للدكاكين الهندية. فأنا من المؤمنين بأن المفلس في القافلة امين. فلا اريد ان احمل ما يجلب الي انظار النشالين و المسلبين ، ولا اعين الحساد و المنافقين، ولا طمع الغانيات و الفنانات . شخصيتي تنقصها غريزة التباهي.
وعلى اي حال، فأنا اغنى من ذلك الرجل الذي لم يستطع ان يشتري ساعة لنفسه. جلس في القطار و سأل يهوديا كان بجانبه عن الوقت. لم يجبه. كرر السوآل ، ولم يجبه. فغضب الرجل و قال للتاجر اليهودي ، لماذا لا تجيبني؟ قال و لماذا اجيبك؟ اذا اجبتك فربما تسألني عن دقة ساعتي وهل كانت مضبوطة تماما. اقول لك نعم. انها لا تقع في اي غلط. فتسٍالني من اين اشريتها. اقول لك من الساعاتي فرتز رأس شارعنا. فتلتمس مني ان اصطحبك اليه. فآخذك اليه. ثم يخطر لك ان تكافأني على مساعدتي فتدعوني لشرب القهوة في بيتك. فألبي الدعوة و عندئذ يقتضي علي ان ارد الضيافة بمثلها فأدعوك لتناول البيرة في بيتي. فتأتي و معك ابنك. و انا عندي في البيت ابنتي سلفيا التي احبها حبا جما و احرص على مستقبلها. يراها ابنك فيقع في حبها و يدعوها للمسرح. و تنشأ بينهما علاقة غرامية و يقرران الزواج في الأخير.
" و هكذا يا سيدي ، اكون السبب في زواج ابنتي بشاب والده لا يملك ما يشتري به ساعة يضعها على يده و يسأل الناس عن الوقت!"

Tuesday 24 August 2010

من تجارب الحياة

اعمل ثم اسأل

قدر لي في احد المؤتمرات العالمية عن حل النزاعات ان اجلس لاتناول العشاء قدام استاذة من الدانمرك، معروفة بخبرتها في لم التناقضات و حسمها. و كذا في الواقع كانت هيئتها. كان شعرها اسود فاحما تركته يسترسل على ظهرها و كتفيها. و مالت بشرتها الى سمرة خفيفة . ويظهر انها كانت تعتز بهذه المسحة الخمرية فكشفت عن كل ما يسمحون به من الكشف عن الصدر و النهدين. تجاوبت هذه السمرة مع لون عينيها الغامق وقد جنحت خطوط اجفانهما الى الارتفاع و الزوغان ، على نحو ما نجده غالبا في اعين الصينيات و اليابانيات. و لكنها جمعت كل هذه الصفات بشكل جميل يغري الناظرين على ارتكاب الكبائر.
سرعان ما بدأ النقاش و الحديث المهني عما في العالم من منازعات و مشاكل فانطلقت من جانبي في الاستفاضة عن آخر مستجدات النزاع العربي الاسرائيلي . وبينما رحت اخوض في الموضوع، قاطعتني السيدة الدانمركية بهذا السوآل: " هل انت متزوج؟"
تعجبت من سوآلها و ازددت عجبا في الطريقة العشوائية و الهجومية التي القت بها سوآلها. اعطيتها الجواب الموضوعي في الأمر . نعم و لي ولدان.
استئنفنا الحديث و انتهينا من تناول عشائنا و انصرفنا لتناول القهوة و تدخين السكائر في الصالون. تبسطنا في الكلام و راح كل منا يروي نتفا من تجاربه و حياته الخاصة و العامة. التفت اليها وقلت : " دكتورة ، هل انت دانمركية حقا و حقيقة؟"
" نعم. مائة بالمائة. كان والدي ضابطا في البحرية الملكية و خدم في الاسطول الدانمركي اثناء الحرب. و والدتي من اسرة اشتراكية دانمركية اصيلة . وعندنا في البيت شجرة العائلة لكل من الوالدين. و ليس فيها اي شخصية غريبة عن الجنس الدانمركي الاسكندنافي الأصيل. و لكن لم سألتني هذا السوآل؟"
" اوحت لي سيماء وجهك و شكل عينيك بوجود دم اسيوي في عروقك. فالمتوقع في المرأة الاسكندنافية ان تكون بشرتها ناصعة البياض و شعرها اصفر ذهبي و عينها زرقاء فاتحة. وليس فيك اي شيء من ذلك."
" هذه من مصادفات الطبيعة و مروقاتها. و لكنني اؤكد لك اصالة انتمائي الدانمركي."
عدنا الى مواضيع الساعة و انتقلنا من مشكلة الشرق الأوسط الى مشاكل المسلمين في اوربا و احتمالات تحولهم الى اكثرية في العديد من البلدان الاوربية و اختلاطهم بالسكان الاصليين و نحو ذلك. " الكثير منهم اخذوا يتزوجون و ينسلون من نساء اوربيات.
كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل، و بعد ان احتسينا آخر قطرة من اقداحنا نهضنا للأنصراف ، كل الى غرفته في الفندق. وجدت نفسي اسير بجانب الاستاذة ذاتها عبر ممرات الفندق حتى اذا اقتربنا من باب حجرتي و هممت بتوديعها بكلمات تصبحين على خير، مسكت بي من ذراعي و عادت فألقت علي نفس السوآل : " قل لي! لمذا سألتني هل انا دانمركية اصيلة؟ "
" سيماء وجهك. و شيء آخر. "
" ماذا؟"
" المرأة الدانمركية الاصيلة لا تسأل الرجل اولا هل انت متزوج. و انما تذهب معه الى الفراش و تتنايك معه اولا و عند الصباح تسأله هل انت متزوج و زوجتك تنتظرك؟"

Sunday 22 August 2010

الشرق الوسط 22-8-10

التباهي بالتباهي

خالد القشطيني

كتبت مرارا بأن الفساد مرتبط بالنظام الرأسمالي. فالمكائن يجب ان تستمر في الدوران و تنتج. وعلى المدير ان يجد اسواقا لمنتجاتها . ينجح في ذلك بحمل الجمهور على الشراء و الاستهلاك و نبذ القديم. هداهم ذلك لظاهرة الموضة و غرسها في النفوس. عيب على البنت ان تلبس نفس فستان العام الماضي. يتطلب ذلك سيلا مستمرا من الفلوس للشراء و الشراء و الشراء. من اين تحصل المرأة الفقيرة على هذه الفلوس؟ من بيع جسمها او حمل زوجها على السرقة و الرشوة.
صبت الروح الاستهلاكية في محصلة التباهي. لا احد يركب الباصات في القاهرة غير الرعاع من امثالي. كنت جالسا في مؤخرة احد الباصات و بجنبي احدى السيدات المحجبات. نظرت علي فتصورت انني من احد سراة الخليج. رفعت رأسها و نادت على الجابي في مقدمة الباص و صاحت بأعلى صوتها: " يا كمساري و حياتك تقول لي التذكرة كام دي الوقت؟ اصلي انا عمري ما ركبتش الاوتوبيس!"
ذهبت مع صديقي لتناول العشاء في احد المطاعم. لاحظت امرأة وضعت جوالها عل الطاولة. و كان الجوال يرن من حين لآخر بأغنية من فريد الأطرش ازعجتني كثيرا. سألت صاحبي، لماذا لا تجيب السيدة على التلفون و تتركه يرن و يرن؟ لمذا لا تغلقه اذا كانت لا تريد احدا يزعجها بمكالمة؟
" لأ يا ابو نايل. الفكرة هي ان تلفت الانظار انها بنت ذوات وعندها تلفون جوال. الجوال غالي في مصر و تكاليفه باهضة!"
يظهر ان الست سمعتنا فبعد قليل مدت يدها و اغلقت التلفون.
في اوربا، تحتل بولندا هذه الاسبقية. و فيها وصلت روح المباهاة الاستهلاكية اوجها في تحولها الى مستنقع من الفساد و التحلل الخلقي. شاع فيها مؤخرا البغاء في المولات، على حد ما وصفته صحيفة النيو يورك تايمس. تخرج الصبايا و يتجولن في المولات و يقعن في حب طراز جديد من احذية جمي تشو او كامرا صغيرة من كوداك . تهيم بها البنت دون ان تجد في جيبها المبلغ الكافي للشراء. تنظر حولها بحثا عن اي رجل غني قوي البنية فتتسلل اليه. كلمة منها و كلمة منه و تتم الصفقة. يشتري لها الحذاء و تعطيه جسمها في غرفة الاستراحة. و فطن مالكو المول الى حاجة الفتيات لمثل هذه المرافق المتسترة . غرفة استراحة. فما يهم المول هو تسويق البضائع لا ما يجري في هذه الغرف. سرعان ما تحول هذا النمط من التسويق الاستهلاكي الى ظاهرة شائعة. لا يسمونها بغاء و انما تبنيا ( سبونسرشب) . الرجل يتبنى الفتاة لبضع دقائق يشتري لها ما تريد و تعطيه ما يريد. و ظهرت معاهد تعلم الصبايا كيف يكتشفون الرجل المناسب للتبني. يقولون لهن انظرن لحذاء الرجل. ففي هذا الزمن غدت مكانة الرجال تتجلى في حذائهم. عندنا في العراق تتجلى مكانة الرجل في عدد الحرس الذين يحرسونه. و لكنهم في الغرب يعرفونه من حذائه. الرجل يتباهى بحذائه و المرأة تتباهى بشنطتها . فارغة كانت او مليئة.

الاسبوعية 22-8-10

كله يروح بالصابون

خالد القشطيني

العلم في خدمة الذنوب. هذا ما توصل اليه الغرب في استخدام العلوم و التنكنولوجيا. فبعد ان انحسر دور الدين عندهم ، الاعتراف و الغفران و ما شاكل ذلك في معالجة الآثام و الذنوب ، اتجهوا لاستعمال التطور ات العلمية و الطبية في خدمة المقصرين و الآثمين و المجرمين عموما. كانت اول محاولة في هذا لاتجاه التوصل الى اجهاض الجنين الحرام بأيسر السبل واقلها كلفة و فضيحة. ثم توصلوا الى ابتكار العازل و عقاقير منع الحمل، بحيث يستطيع الرجل ان يمارس المرأة عشرات المرات دون اي عواقب. بقيت مشكلة البكارة. اخيرا توصل الصينيون الى صنع غشاء البكارة و تصديرها و بيعها بالأسواق لكل من تحتاج اليها. قالوا ان اي شغالة او سكرتيرة تستطيع ان تشتريها الآن بخمسة جنيهات في مصر من اقرب دكان في علبة مزودة بكافة التعليمات عن كيفية التركيب و الاستعمال.
و حيث يكون البلد ملتزما بمقاطعة التجارة الصينية ، تستطيع الفتاة الثيب ان تراجع اي جراح او طبيب حاذق ليقوم لها بعملية ترقيع البكارة تحت البنج الموضعي خلال مدة لا تتجاوز نصف ساعة و تخرج بعدها البنت بكرا بتول، و حورية من حوريات الجنان. تجري الآن في بريطانيا عمليات ترقيع البكارة مجانا ضمن الضمان الاجتماعي للمسلمات اللواتي يستطعن اقناع الطبيب بأن العيش بدون بكارة يسبب لهن كآبة فيقوم الطبيب برقع بكارتها المثقوبة مجانا و في سبيل الله . علما بأنه في السنة الماضية فقط اجريت في بريطانيا 1100 عملية ترقيع بكارة لنساء مسلمات على حساب الحكومة. اقول ذلك وانا اخشى ان يسبب ذكر ذلك، تدفقا خطيرا على الهجرة لبريطانيا ، ولا سيما انهم اخذوا يعتبرون تعرض المرأة للقتل غسلا للعار سببا كافيا لمنحها حق اللجوء، على اعتبار ان ممارسة الفسق حقا من حقوق الانسان.
و ماذا بعد من مبتكرات العصر الحديث؟ آه ، هناك عمليات غسل الأموال. التقيت مؤخرا برجل محترم في طريقه الى جنوب افريقيا. سألته عن غرض سفره فقال دخول دورة تدريبية في موضوع غسل الأموال. وهكذا يستطيع الآن كل هؤلاء الحرامية ، المختلسين من اموال الدولة و المرتشين من ضعفاء الناس و كبار الشركات غسل اموالهم الحرام بحيث يستطيعون ان يحولوها لأي بلد، ويشتروا بها اي عمارة او يتزوجوا بأي اميرة و يعيشوا بأبذخ الأماكن ، و كله يروح بالصابون؟
تفرع مؤخرا عن عمليةغسل الأموال ، تكنولوجيا غسل السمعة. نعم تستطيع ان تسرق ما تشاء من اموال الدولة و تغسلها و تحولها. و لكن سرعان ما يكتشف امر السرقة فتصبح شهيرة بين الناس كحرامي و حرام ابن حرام. فيصعب عليك العيش رغيدا و انت ترى الناس يزوغون بأبصارهم و يتغامون بأعينهم كلما مررت امامهم او جلست لتأكل الكافيار بالشمبانيا. ربما تجد ان حتى ضباط السفريات و القنصليات يحققون معك بصورة اغلظ حيثما اقتضى عليك مراجعتهم. فما العمل؟
هناك ايضا هذه الكوكبة الكبيرة من الجلادين و سفاكي دماء الأبرياء و من عذبوا و اذاقوا المر و اغتصبوا المحصنات و ابادوا السكان ثم ضاقت بهم ارض الوطن فهربوا الى الغرب. كيف يستطيعون العيش و ورائهم هذا السجل من الخزي؟ الحاجة ام الاختراع. ظهرت تكنولوجيا غسل السمعة. كما تخصصت الصين بصنع غشاء البكارة، تخصصت بريطانيا الآن بغسل السمعة. تقوم بها خمس شركات متخصصة. تدفع لها فتتولى امرك. بعد اشهر قليلة تجد وسائل الأعلام لا تذكر اسمك الا و تلته بصفة المحسن الكبير الذي بنى المسجد الفلاني و اغاث ايتام عزة و المناضل ضد الاحتلال الاجنبي ، وهات ما عندك ، و كله يروح بالصابون يا عمي.

Thursday 19 August 2010

Unpublished

عنصرية في الفراش

خالد القشطيني

اوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا غريبا من اسرائيل عن قرار قضائي لا يقل غرابة. قضت محكمة القدس بالسجن لمدة 18 شهرا على مواطن عربي مسلم ، صبار كاشور، بجريمة الاغتصاب لأنه واقع امرأة يهودية دون اعلامها بأنه ليس يهوديا. علق الكاتب الاسرائيلي جيدون ليفي على الخبر قائلا ماذا لو ان يهوديا تظاهر بأنه مسلم و واقع امرأة مسلمة؟ هل يعتبر قد اغتصبها؟ " طبعا لا" اجاب الكاتب على سوآله.
هذه محنة اخرى من المحن العديدة التي تواجهها اسرائيل. و هي محنة الطهور. فكلا اليهودي و المسلم يحملان عضوا مطهرا بين رجليهما. يا مصيبتك يا اسرائيل. فللموضوع آثاره الخطيرة على الاقتصاد الاسرائيلي. فكثير من المليونيرات اليهوديات الامريكيات يأتين لاسرائيل يحدوهن الأمل و الايمان العميق بأن يتباركن على مقربة من حائط المبكى بمضاجعة شاب اسرائيلي يهودي لقاء حفنة من الدولارات. عملية البغاء الذكوري المعروفة بالجيكولو. راجت هذه التجارة في القدس حتى لفتت انظار الشبان الفلسطينيين الذين مزقتهم البطالة و ضيق العيش. و لم لا؟ وهم مطهرون طهورا افضل من طهور الاشكناز، و يتكلمون العبرية احسن من الاسرئيليين الروس. راحوا يزاحمون الجيكولو اليهود بأعضائهم المطهرة. وهكذا راحت المليونيرات العجائز الامريكيات يعدن الى بلدهن سعيدات بما حضين به في اورشليم وراء حائط المبكى دون اي علم بأن من قام بخدمتهن كانوا شلة من زعران المسلمين المطهرين و ليس فتية من بني اسرائيل. و الحق معهن ، ففي آخر المطاف الأعمال بالنيات.
وهذا هو الخطر على الاقتصاد الاسرائيلي الذي اشرت اليه . فما الذي ستتفتق عنه ذهن حكومة نتنياهو لمنع هذه المنافسة غير الشريفة؟ فأي امرأة يهودية هناك ستكون واثقة بأن هذا الرجل العريان معها في الفراش هو يهودي حقا . فالفلسطينيون كما ذكرت في مناسبة سابقة هم علميا احفاد بني اسرائيل ، تنصروا في عهد الروم و اسلموا في عهد الاسلام و لكن ظلت جيناتهم و وجناتهم و مناخيرهم و اعضائهم تحمل سمات بني هرون و موسى عليهما السلام.
لا ادري اين قام صبار كاشور بجريمة الاغتصاب ، في فراش او على حصيرة او ربما على قارعة الطريق كما اتذكر، و لكن المشكلة ستظل قائمة لنتنياهو. كيف سيجد حلا يصون التمييز العنصري في الفراش، او على الحصيرة ، دون ان تصدر قانونا يحمي ذكورية اليهودي بتحريم الطهور على المسلمين فيصبح الختان امتيازا لشعب الله المختار وحدهم . و تؤسس عيادات خاصة تحقق في هوية الطفل ، انه يهودي صحيح النسب قبل القيام بختانه. ليسهل على المرأة الاسرائيلية ان تميز بين العاشق و الآخر، ما هو كوشير و ما هو حاريم. و يا عيني على الصبية المسكينة التي يقتضي عليها و هي في حمأة عشقها و شوقها ان تفتش و تتحقق اولا.
الخطوة التالية لحماية الذكورية اليهودية و منع الاغتصاب العنصري ستكون في تغيير بطاقات الهوية و جوازات السفر. على كل مواطني اسرائيل ان يضعوا عليها صورة اعضائهم بدلا من صورة وجوههم ليميز الناس بين المطهر و غير المطهر فلا تقع امرأة ساذجة بما وقعت فيه صاحبة السيد صبار بن كاشور في تبادل الحب مع رجل من الكوييم.

Sunday 15 August 2010

الشرق الأوسط 12-8-10

القبور الضاحكة

خالد القشطيني

بقدر ما اتحاشى دخول المقابر العربية ، استمتع بزيارة المقابر الاجنبية. فكثيرا ما تكون آية من آيات الجمال و الفن بما فيها من تماثيل و مجسمات ساحرة. من تجاربي في هذا الخصوص زيارتي لمقبرة جنوة في ايطاليا. انها تحفة من تحف الفن. قلت لنفسي هذا مكان يطيب لأي انسان ان يموت فيه. و كدت ان احقق هذه الامنية بالفعل. فعندما نظرت الى ساعتي اوشكت على سكتة قلبية فقد ادركت ان الباخرة التي كانت تنقلني الى مرسيليا قد غادرت الميناء و انا غارق في التأمل بكل هذه التماثيل.
بيد ان للقبور في الغرب، جانبها الكوميدي الضاحك و العملي ايضا. كهذا الشاهد الظريف الذي يقول:
"هنا ترقد رفاة جيمس اوكونيل. مخرج سينمائي. مات في 20 اكتوبر 1969 تاركا وراءه ارملته الشقراء بصدر 38 و خصر 24 وعجز 36 بعنوان 5 هنلي ستريت . تلفون 5269 243.
وهو ما يذكرني بالأرملة المصرية التي راحت تمشي وراء جنازة زوجها و هي تبكي و تنحب و تقول: " ليه يا حبيبي، ليه؟ تموت و تتركني بالبيت وحيدة كده!. " سمع نحيبها رجل من المشيعين فهمس في اذنها :
" الله يساعك يا وليه. لكن انت فين ساكنة؟"
" امشي كلب! تسألني كدة و انا اندب على زوجي."
واصلت سيرها و استأنفت نحيبها : " ليه يا حبيبي؟ يا سبعي، تموت و تسيبني كدة وحيدة في نمرة 18 شارع قصر النيل."
يظهر ان الشاعر العراقي الاستاذ حسن جبر شاركني بهذا الهوس في المقابر. لاحظ اثناء طوافه بمقبرة ريفية في ويلز قبرا كتبوا عليه " هنا يرقد جون اكسلي ولد عام 1925 و توفي عام 1980 عن عمر يناهز عشرة ايام." استغرب من الأمر فتسائل. قالوا له نحن في هذه القرية نحسب عمر الانسان بالأيام السعيدة التي عاشها. كل ايامه الأخرى شقاء و ضياع." عاد للبيت مساء فقال لزوجته ، عيني ام سعد ، اذا متت فاكتبوا على قبري ، "هنا يرقد حسن جبر من بطن امه للقبر."
ممن شغفوا بزيارة المقابر ايضا برناردشو. كان يبحث عن مسكن ريفي له فمر بمقبرة سان لورنس. رأى شاهدا يقول: " هنا يرقد جيمس هولوي. مات مأسوفا على شبابه في الثالثة و الثمانين من عمره."
تأمل شو في هذه الكلمات و حكمتها فقال، القرية التي يعتبر سكانها سن الثمانين سن شباب، قرية جديرة بأن يعيش المرء فيها.
القى عصا ترحاله و اشترى بيتا فيها عاش فيه حتى وفاته بسن 93. و لولا ان كسر رجله لربما بقي معنا حتى الآن. المؤسف انه لم يذهب لقرية دلهوسي. فلو فعل لوجد فيها شاهد قبر يقول:
" هنا يرقد ازكيال ايلك.
العمر 98
ايه ايها الموت! تأخذ دائما الناس الطيبين في شبابهم."

الشرق الاوسط 15-8-10

و القبور الباكية

خالد القشطيني

استعرضت في مقالتي السابقة شيئا عن القبور الضاحكة، وهي قبور الغربيين. عندنا في الشرق القبور تبكي كما يبكي الأحياء. ينطبق هذا بصورة خاصة على المقابر العراقية ، فهي تمثل خير تمثيل رواح الاكتئاب و الملانخوليا التي يتسم بها الظمير البابلي. هناك في مقبرة شيخ معروف في جانب الكرخ من مدينة بغداد شاهد قبر يستجدي دموع المشاهد و كأن الدفين مازال في حاجة اليها بعد كل الدموع الغزيرة التي ذرفها و شهدها في حياته. يقول الشاهد:
يا قاريء كتابي ابك على شبابي
بالأمس كنت حيا و اليوم في التراب
و هذا كله شيء يسير و معقول بالنسبة للوحة الشاهد التي تتجاهل القاريء وتخاطب الديدان و البكتيريا فتقول :
يا دود! يا دود!
اكل لحمي و عظمي و خلي عيوني السود.
صورة سريالية اصيلة تجاوزت كل نواح غلغامش في تك الملحمة الشهيرة يوم راح الملك البابلي يبكي على صديقه انكيدو. لوحات القبور الفرعونية كلها عز وفرفشة و بنات حلوات.و لكن ليس شواهد القبور البابلية كهذه اللوحة التي عثروا عليها في الهند و تعود للألف الثالث قبل الميلاد. :
" هنا يرقد آنور زركال. رجل من مدينة اوروك. هرب مما عاناه من ظلم . جاء حافي القدمين رث الثياب. مات غريبا في هذا المكان."
لا جديد تحت الشمس بالنسبة لمن يعيش في بلاد الرافدين.
قدر لي ان اشاهد قبرا في مقبرة باب المعظم من بغداد. فيما كان الميت قد آوى في قبره و استراح من هذه الحياة ، انفجر اصحابه و ذووه في معركة ضارية بشأن ما هو مكتوب على شاهد القبر. " هنا يرقد الدكتور فلان ابن فلان الحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفرد والليسانس من جامعة الصوربون و البلكلوريوس من ريجنت بوليتكنك، بلندن ... الخ. عجبت من امره و امر هذا الشاهد. انا افهم ان عالمنا العربي ، عالم من ورق . كل شيء يه يتوقف على ما بيدك من اوراق و شهادات و دولارات. تتباهي بها عندما تكلم اصحابك في المقهى او تخطب امرأة للزواج او تسعى لوظيفة ، و لكنني لم اتصور انك تحتاجها عندما تموت و تكتبها على شاهد قبرك. سألت نفسي، يا ترى هل وضعوا هذه الشهادت معه في التابوت ليبرزها لملك الموت ويطالب بمراعاته بإمتياز ومعاملته معاملة خاصة؟ ربما تأملوا ان تنفعه في الآخرة في الحصول على مكان افضل في الجنة... او النار.
فيما كنت افكر بكل ذلك، انفجرت معركة بين الحاضرين كما قلت. " عيب عليكم! تقولون عنده دكتوراه من هارفرد! شهادته هذي كانت مزورة. يعني تريدون تكذبون حتى على الله سبحانه و تعالى."
رد عليه اخو الميت: " اسكت كلب! هذا كلام البعثيين. يتهمون الناس بالتزوير لأن هم ما عندهم شهادات. "
" لكن إحنا مو خونة مثل اخوك اللي اشتغل للسي آي أي و اعطوه شهادة مزورة."
بهذه الكلمات فقد الطرفان السيطرة على اعصابهم فهجموا بعضا على بعض و دارت معركة ضارية تعالى في سمائها تراب القبور ، فأخذت طريقي الى الباب متسائلا، كم من صدق او زور يا ترى في كل هذه الشواهد التي مررت بها؟

Sunday 8 August 2010

الاسبوعية 8-8-10

الدم الخفيف و الدم الثقيل

خالد القشطيني

الثقل و الثقلاء باب اساسي من ابواب الفكاهة العربية. شاعت حكاياته و ملحه في بغداد العهد العباسي و اوردت الكتب نماذج عديدة منها. الغريب ان هذا الباب من الفكاهة العربية انقبر و لم نعد نسمع منه شيئا في عصرنا هذا. لا ادري لماذا. ربما خوفا من السلطة فجل من تولوا الحكم في عالمنا العربي تميزوا بدمهم الثقيل فيتصورون انهم هم المقصودون في الحكاية. فباستثناء سعد زغلول في مصر و بورقيبة في تونس و فارس الخوري في سوريا ، لم نسمع عن اي من الزعماء العرب تميز بخفة الدم وروح الظرف. اخذنا في الآونة الأخيرة نسمع الكثير من ظرافات و سخريات جلال الطالباني. نحتاج لكردي يعيد الينا شيئا من تراثنا و يغذي ارواحنا الكئيبة بشيء من الدم الخفيف.
كان ممن ولع بحكايات الثقلاء عبد الرحمن بن الجوزي. روى فيما كتبه عن العلماء و الحكماء الكثير من ذلك. و الظاهر ان مشايخ الاسلام و علماء الدين كانوا متميزين بخفة الروح و الظرافة في ذلك الزمن . فبعد ان روى ابن الجوزي الكثير من طرائف الشيخ الشعبي انتقل الى ظريف عراقي آخر هو سليمان الأعمش . ولد سليمان بن مهران الكاهلي عام 61 هـ في الري و نشأ و مات في الكوفة. وهو من الرواة. وقد لقب بالأعمش وهي صفة سألوه عنها . قالوا له ، " مم عمشت عيناك ؟" فقال من النظر الى الثقلاء."
و يظهر انه كان حساسا جدا بالنسبة للثقلاء و معاناته منهم، حتى روى عنه القاضي شريك بن عبد الله النخعي ، فقال: انه سمع الأعمش يقول: " اذا كان عن يسارك رجل ثقيل و انت في الصلاة ، فتسليمة عن اليمين تجزئك." فتوى ظريفة في ايام ظريفة!
استشهد الأعمش بغالينوس فنسب اليه قوله ان لكل شيء حمى، و حمى الروح النظر الى الثقلاء.
و دخل عليه رجل ثقيل يعوده في مرضه فقال: " ما اشد ما مر بك في علتك هذه؟" فأجابه : " دخولك!" و كان من عادته انه اذا رأى ثقيلا قال له :" كم عزمك تقيم في هذا البلد؟"
و روى حفص بن غياث لأبنه انه التقى ذات يوم بالأعمش فقال له هذا : " اذا كان غد فتعال علي حتى احدثك عشرة احاديث ، و اطعمك عصيدة. و انظر لا تجيء معك بثقيل!" قال حفص فعدوت اريد الأعمش فلقيني ابن ادريس فقال لي اين تريد؟ قلت الى الأعمش. قال فامض بنا . فلما بصرناالأعمش دخل الى منزله و اوصد الباب و جعل يقول من الداخل " يا حفص لا تأكل العصيدة الا بجوز. الم اقل لك لا تجئني بثقيل؟!"
و قال السيناني ان رجلا دخل على الأعمش فقال: " يا ابا محمد لولا اني اكره ان اثقل عليك لزرتك في عيادتك. فقال له الأعمش: " انك تثقل علي و انت في بيتك ، فكيف اذا دخلت علي؟"
و قال الربيع ن نافع: كنا نجلس الى الأعمش فنقول "في السماء غيم. يعني ه هنا من نكره."
و كان الأعمش بالأضافة الى ظرفه في الكلام ، ظريفا في المزاح العملي. روى من ذلك جرير فقال ، دعي الأعمش لعرس فنشر فروته ثم جاء فرده الحاجب. فلبس قميصا و ازرارا و جاء. فإذن له الحاجب فدخل. و جاؤا بالمائدة فبسط كمه على المائدة و قال لقميصه: " كل! فأنما انت دعيت وليس انا!" و قام و لم يأكل.
و قال وكيع بن الجراح الرواسي ، وهو من حفظة الحديث، " كنا يوما عند الأعمش فجاء رجل يسأله عن شيء. فقال: إيش معك؟ قال خوخ. فجعل يحدثه بحديث و يعطيه واحدة حتى فني. قال : ابقي شيء من الخوخ؟ قال فني يا ابا محمد. قال" قم فقد فني الحديث."
و يدلنا كا ذلك على ان الأعمش كان كالشعبي ، من الظرفاء العراقيين الذين كان الناس يقصدونهم لمجرد الاستمتاع بأحاديثهم و ما حفظوه من معارف و طرائف.

الشرق الأوسط 8-8-10

في ذكرى الدروبي

خالد القشطيني

من المعتاد للعراقيات ان يحيين ذكرى موت ازواجهن بمأتم صاخب يكثر فيه النحيب و البكاء و اللطم. ينتهي بوليمة سخية من الأطعمة التي كان المرحوم يحبها. يأكلن الدولمة و المحشي ثم يخرجن من البيت و يبدأ التجريح. " يا عيني ولا مبين عليها الحزن! دمعة دمعتين و سكتت. لطمت على صدرها نص دقيقة و بطلت."
" شتتوقعين يا ام حسين؟ المرحوم شيعي و هي سنية. و ما تنسين يا عيني، السنة ما يحسنون اللطم و البكا مثلنا".
بيد ان السيدة سهيلة الدروبي لم تحتفل بذكرى زوجها، استاذنا الرسام حافظ الدروبي، بمأتم. الفنانون لا يموتون. احتفلت بذكراه بمعرض لبعض اعماله الحية المتواجدة في لندن. لم اتتلمذ على حافظ و لكنني عرفته مرارا ضمن نشاطاتنا الفنية و زياراته المتكررة لبريطانيا. فحكى لي كيف تلعب الأقدار دورها في حياة العراقيين. ادرك مبكرا ان التعاطي بالفن افضل من التعاطي بالسياسة في العراق ، و حتما افضل من الاعتماد على الكتابة. و لكنه رحمه الله تطلع للمسرح و ليس للفرشة والاصباغ. و ليقنع مدير المعارف سامي شوكت بابتعاثه لدراسة المسرح في اوربا، قدم مسرحية عن البطولات العربية قام فيها بدور بشر ابن وائل في مصارعة الأسد و دعى اليها السيد المدير. بالطبع قتل العراقيون آخر اسد عندهم في القرن التاسع عشر و لم يبق في البلد اي اسود و حلت محلهم الثعالب و الغربان. جاؤا بكبش ذي قرنين مخيفين ليمثل دور الأسد. تضمن الأخراج دخول الدروبي الى المسرح بدشداشة بيضاء وسيف عتيد، وينشد القصيدة الشهيرة:
افاطم لو شهدت ببطن خبت وقد لاقى الهزبر اخاك بشرا
اذا لرأيت ليثا زار ليثا هزبر اغلبا لاقى هزبــــرا
كان الخروف قد دخل المسرح من اليسار ، و لكن يظهر انه لم يكن من عشاق الشعر العربي ، او ربما لم تعجبه تلاوة حافظ الدروبي للقصيدة فهجم عليه و نطحه من الخلف نطحة القت بها خارج المسرح فسقط في احضان المديرالعام. ضج المشاهدون بالضحك. فهنأه المدير على اختيار المسرحية و قال له ان الخروف كان اروع من قام بدوره فيها . ثم دعاه ملاطفا لتناول الشاي معه في مكتبه. وهناك توسل به ان يعطوه بعثة لدراسة المسرح . أجابه سامي شوكت بأن هذا لم يعد ممكنا فقد ابتعثوا حقي الشبلي لدراسة هذا الفن في فرنسا. و ما يصلح للعراق ان يكون فيه اكثر من ممثل واحد. أجابه حافظ: " اذن فابعثوني لدراسة الرسم. فأنا ارسم ايضا." اجابه قائلا : ارنا ما عندك .
انهمك استاذنا الفاضل برسم عدد من التصاوير و اقام معرضا صغيرا لها ، دعى اليه السيد المدير و معالي وزير المعارف. و لم يكن في بغداد عندئذ ناقد فني ينبري في الكتابة و يخرب على حافظ الدروبي فرصته و يدمر له مستقبله. فرشحه الوزير لدراسة فن الرسم في ايطاليا ثم اكمل المشوار في بريطانيا و عاد لتدريس الفن و استلام عمادة اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد قبل ان يمزق عملها المتشددون من الاسلامجية. فنم رغيدا في مثواك يا استاذنا الجليل و لاترى ما حل ببلدك و نهضتك الفنية من الخراب.

Tuesday 3 August 2010

الشرق الأوسط 3-8-10

من احوال الى اوحال

خالد القشطيني

ان مما يقتضي التبصر فيه النهوض المفاجيء لشعب من الشعوب . ينطبق ذلك في عصرنا هذا على اليابان و كوريا الجنوبية و نحوهما مما يسمى بدول النمور . هذا شيء تستهويني متابعته. بيد ان شيئا آخر على عكس ذلك يستهويني اكثر منه. وهو التدهور المستمر لشعب ناهض. ينطبق ذلك بصورة خاصة على العراق.
ان معظم هذا التمدن و الرقي و التقدم العلمي و التكنولوجي يعود الفضل الأول فيه الى ما تفتق عنه ذهن ابن وادي الرافدين في العصور الخوالي. يكفينا ان نشير هنا الى اختراعين من الاختراعات الاساسية لذلك المواطن. و هما الحروف الصوتية و العجلة.لم يكن بالامكان قط انتاج هذه الصحيفة بدون اختراع الحروف الصوتية . يمكن للغرب ان يبتدع شتى الكمبيوترات و الاقمار و المعدات الدقيقة و لكنها ستكون عقيمة كليا بدون الحروف.
نحن نفترص ان هذه العجلات الأربع التي تسير عليها سياراتنا شيء عادي لا يستحق النظر . و لكنه على بساطته لم يكن بأمكان البشرية ان تحرز اي تقدم بدونه. و الفضل كل الفضل يعود للمواطن العراقي الذي اخترع العجلة . المؤسف انه نسي ان يسجل برائة اختراعه. العراقيون ينسون دائما منجزاتهم. و لكن على اي حال لم يكن هناك مكتب لتسجيل الاختراعات . هذا المكتب من اختراعات الغرب الذي راح يفرض علينا اعلى اسعار عن اي شيء نريد الحصول عليه منهم. انهم يسمونه اسرار التكنولوجبا. المخترع العراقي المسكين لم يفرض عمولة على اي احد اقتبس منه صناعة العجلة . لو قدرله ذلك لآصبح العراق اغنى بلد في العالم. تصوروا لو انه فرض عمولة و لو بمقدار فلس واحد عن كل عجلة تستعمل في العالم. كم سيكون دخل العراق سنويا؟
و مع الحروف و العجلة وضع اول شريعة في تاريخ العالم، قانون حمورابي. منه اخذ اليهود الشريعة الموسوية و الوصايا العشر. ومنهم شاعت افكارها بين الملل. كل ذلك قبل قرون و قرون. و انظروا ما آلت اليه احواله. البلد الذي اخترع الحروف الأبجدية لم تتجاوز نسبة القادرين على القراءة من السكان عند تأسيس المملكة العراقية في 1920 عشرة بالمائة من السكان. و البلد الذي اخترع العجلة لم يعد قادرا على استعمالها لانعدام الطرق اللازمة لسيرها فالتجأ الناس لاستعمال التخت روان ، واسطة النقل العجيبة التي تعتمد على حمارين يقومان بمهمة العجلات. توضع بينهما خشبة يقعد عليها المسافرون و يمشون ببركة الله و بركة الحمارين المسكينين.
و الآن هذا البلد الذي اعطى البشرية اول قانون اصبح اول دولة في العالم في انهيار القانون. وهو ما اوحى للمالكي بتبني شعار " دولة القانون" ، عسى و لعل! امر حمورابي بنقش شريعته على صخر لئلا ينساها الناس، و نصب المسلة التي تحمل نص هذا القانون وسط مدينة بابل . و كان اهل بابل يقرأون . يمرون امامها و يقرأونها و يتعلمون منها كيف تبنى الحضارات. لم يقم بمثل ذلك نوري المالكي لأنه كان يعرف بأنه لو فعل هذا لجاء الحرامية في الليل و دفعوا للحارس ورقتين دولار و سرقوا المسلة.
فقولوا معي سبحان مغير الأحوال من حال الى اوحال.

من المرفوضات

عنصرية في الفراش

خالد القشطيني

اوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا غريبا من اسرائيل عن قرار قضائي لا يقل غرابة. قضت محكمة القدس بالسجن لمدة 18 شهرا على مواطن عربي مسلم ، صبار كاشور، بجريمة الاغتصاب لأنه واقع امرأة يهودية دون اعلامها بأنه ليس يهوديا. علق الكاتب الاسرائيلي جيدون ليفي على الخبر قائلا ماذا لو ان يهوديا تظاهر بأنه مسلم و واقع امرأة مسلمة؟ هل يعتبر قد اغتصبها؟ " طبعا لا" اجاب الكاتب على سوآله.
هذه محنة اخرى من المحن العديدة التي تواجهها اسرائيل. و هي محنة الطهور. فكلا اليهودي و المسلم يحملان عضوا مطهرا بين رجليهما. يا مصيبتك يا اسرائيل. فللموضوع آثاره الخطيرة على الاقتصاد الاسرائيلي. فكثير من المليونيرات اليهوديات الامريكيات يأتين لاسرائيل يحدوهن الأمل و الايمان العميق بأن يتباركن على مقربة من حائط المبكى بمضاجعة شاب اسرائيلي يهودي لقاء حفنة من الدولارات. عملية البغاء الذكوري المعروفة بالجيكولو. راجت هذه التجارة في القدس حتى لفتت انظار الشبان الفلسطينيين الذين مزقتهم البطالة و ضيق العيش. و لم لا؟ وهم مطهرون طهورا افضل من طهور الاشكناز، و يتكلمون العبرية احسن من الاسرئيليين الروس. راحوا يزاحمون الجيكولو اليهود بأعضائهم المطهرة. وهكذا راحت المليونيرات العجائز الامريكيات يعدن الى بلدهن سعيدات بما حضين به في اورشليم وراء حائط المبكى دون اي علم بأن من قام بخدمتهن كانوا شلة من زعران المسلمين المطهرين و ليس فتية من بني اسرائيل. و الحق معهن ، ففي آخر المطاف الأعمال بالنيات.
وهذا هو الخطر على الاقتصاد الاسرائيلي الذي اشرت اليه . فما الذي ستتفتق عنه ذهن حكومة نتنياهو لمنع هذه المنافسة غير الشريفة؟ فأي امرأة يهودية هناك ستكون واثقة بأن هذا الرجل العريان معها في الفراش هو يهودي حقا . فالفلسطينيون كما ذكرت في مناسبة سابقة هم علميا احفاد بني اسرائيل ، تنصروا في عهد الروم و اسلموا في عهد الاسلام و لكن ظلت جيناتهم و وجناتهم و مناخيرهم و اعضائهم تحمل سمات بني هرون و موسى عليهما السلام.
لا ادري اين قام صبار كاشور بجريمة الاغتصاب ، في فراش او على حصيرة او ربما على قارعة الطريق كما اتذكر، و لكن المشكلة ستظل قائمة لنتنياهو. كيف سيجد حلا يصون التمييز العنصري في الفراش، او على الحصيرة ، دون ان تصدر قانونا يحمي ذكورية اليهودي بتحريم الطهور على المسلمين فيصبح الختان امتيازا لشعب الله المختار وحدهم . و تؤسس عيادات خاصة تحقق في هوية الطفل ، انه يهودي صحيح النسب قبل القيام بختانه. ليسهل على المرأة الاسرائيلية ان تميز بين العاشق و الآخر، ما هو كوشير و ما هو حاريم. و يا عيني على الصبية المسكينة التي يقتضي عليها و هي في حمأة عشقها و شوقها ان تفتش و تتحقق اولا.
الخطوة التالية لحماية الذكورية اليهودية و منع الاغتصاب العنصري ستكون في تغيير بطاقات الهوية و جوازات السفر. على كل مواطني اسرائيل ان يضعوا عليها صورة اعضائهم بدلا من صورة وجوههم ليميز الناس بين المطهر و غير المطهر فلا تقع امرأة ساذجة بما وقعت فيه صاحبة السيد صبار بن كاشور في تبادل الحب مع رجل من الكوييم.

Sunday 1 August 2010

الاسبوعية 1-8-10

من ظرفاء ايام الخير

خالد القشطيني

اشرت في مقالة سابقة الى انحسار روح الفكاهة عند العراقيين في هذه الأيام الحالكة. و لكنهم تركوا لنا من ايام الخير الكثير من تراث الظرف و الفكاهة الذي تميزوا به و جعلوه اثرا يحتذى به و يتعلم المسلمون منه. وهو موضوع جدير بالمتابعة و التزود بنفائسه فلا املك غير ان اعود اليه. اشرت من قبل الى عبد الرحمن ابن الجوزي . كان قد جمع الكثير من تراث هذا الأدب في كتابه " اخبار الظراف و المتماجنين." بعد رواياته عن الظرفاء بين صحابة رسول الله صلى اله عليه و سلم، ، انتقل الى فصل بعنوان : " فيما يروى عن العلماء و الحكماء".
يستهل هذا الفصل بالأستشهاد بأبي القاسم السلمي، فيقول ان شريحا عاد الأمير زياد وهو في اشد المرض. و خرج منه فسألوه، كيف تركت الأمير ؟ فقال " تركته يأمر و ينهي." فتعجبوا من مقاله و هم على ما يعلمون من شدة مرض الأمير واقتراب اجله. فأضاف قائلا: " يأمر بالوصية و ينهى عن النياحة"!
بالطبع كان ذلك عصرا لا سينما فيه او تلفزيون او راديو او كرة قدم او مشكلة فلسطين لينشغل بها الناس، فانصرف القوم لقضاء اوقاتهم الى مجالسة الظرفاء و الاستماع الى احاديث العلماء ، كما نستشف مما رواه ابن الجوزي عن العالم الكبير الشعبي. قال ان رجلا جاء الى مجلسه و قال له :" لقد اكتريت حمارا بنصف درهم و جئتك لتحدثني. "
و لكن العالم الجليل اجابه قائلا: " اكتر بالنصف الأخر حمارا و ارجع. فما اريد ان احدثك!" الظاهر ان ذلك الرجل كان يعتبر العلامة الشعبي بمثابة التلفزيون الذي نقصده عند جيراننا او في المقهى لنستأنس و نتسلى به. كانت ايام خير، ففي هذه الأيام اصبح الناس لا يسمعون من علماء الدين غير الكلام الثقيل الدم و الفتاوى المتناقضة و الخوض فيما لا يعنيهم . كيف يضاجع المسلم امرأته وما يعتبر نجسا او غير نجس.
ومن الواضح ان العالم و الأديب الظريف الشعبي قد استحوذ على اهتمام ابن الجوزي و استحسانه في هذا الفصل بطرائف عديدة عن الشعبي و اجوبته اللاذعة. يقول دخل الحمام يوما فرأى داود الأودي يسير وهو بلا مئزر . فأغمض الشعبي عينيه ، فقال له داود، " متى عميت يا ابا عمرو؟" فأجابه قائلا، منذ هتك الله سترك!"
و سأله بعض مريديه و تلامذته ، هل تمرض الروح؟ فقال، نعم. تمرض من ظل الثقلاء." و مرت ايام فرآه بعض اصحابه جالسا بين رجلين عرفا بثقل دمهما ، فقال له احدهم ، " كيف الروح؟ " أجاب: " في النزاع!"
و بالطبع ،و ككل علماء العرب، كان له نصيبه من حنقبازيات اللغة العربية. ومن الطرائف اللغوية المروية عنه، انه دخل يوما على الخليفة عبد الملك بن مروان فبادره بالسوآل : " كم عطاءك؟" فقال لحن العراقي. ثم رد عليه فقال : " كم عطاؤك؟ قال " الفا درهم". فسألوه عن ذلك فأجاب قائلا:
" لقد لحن امير المؤمنين ، فلحنت لأني كرهت ان يكون راجلا و اكون فارسا!"

الشرق الأوسط 1-8-10

ليالي بغداد

خالد القشطيني

الأخت الفاضلة ابتسام العطيات واقعة في غرام. و غرامها هو العراق. كشفت عن هذا الغرام المبرح في تعليقها على ما قلته عن التعددية في العراق. قالت انها ترى ان حتى الظلام في العراق اجمل منه في اي مكان في العالم. الم اقل؟ هذه عين العاشقين. و لكنني اتفق معك تماما في هذا. فليالي بغداد من اجمل الليالي في العالم، و لهذا ذاع صيتها " ليالي بغداد". و لهذا ايضا نرى ان العراقيين تفردوا عن كل العالمين في النوم و قضاء لياليهم على سطوح بيوتهم. كل الآخرين ينامون في الغرف الا العراقيين. لا يريدون ان يفوتوا على انفسهم متعة النظر الى سماء بغداد ليلا. فبدرها اغنى ضياء و يبدو كما لو كان اكبر بدرا منه في بقية العالم. و نجومها اكثر لمعانا حتى انني عند عودتي بعد غيابي الطويل عن العراق كنت اضطر لأن اغمض عيني عندما انظر للسماء ليلا لأنني وجدت ان شدة لمعان نجومها كان يتعب عيني. هناك حاجة لأختراع نظارات خاصة تقي العين من نجوم بغداد. ففيها يحتاج الانسان الى نظارتين، واحدة للشمس في النهار ، وواحدة للنجوم في الليل.
كتبت عن التعددية فأثرت بها تعددية في التعليقات. كلا الأخوين محمد احمد محمد من مصر و متقي عادل يشككان في مقولتي عن خطر التعددية على الوحدة الوطنية ويلفتان نظري الى الازدهار و القوة التي تمر به امريكا رغم كل ما فيها من تعدد اجناس سكانها. ليس لي غير ان اقول ان امريكا هي الشذوذ الذي يثبت القاعدة، كما يقال. و لكن علينا ان نتذكر انها عندما انطلقت من عشها لتبني مجدها في القرن الثامن عشر لم تكن فيها اي تعددية. كانوا جميعا انغلوسكسون من بريطانيا. ظهر التعدد فيما بعد في القرن العشرين.
المثل الأفضل من امريكا هو سويسرة. فلعدة قرون ظل شعبها يتكون من المان و فرنسيين و ايطاليين و يتكلمون بلغاتهم القومية المختلفة و يؤمنون بمذاهب مختلف. و مع ذلك فلم نسمع عن اي
حرب اهلية بينهم او اي تقاتل طائفي او قومي. مضوا و حققوا كل هذا الرفاه و الازدهار و التقدم الذي نعرفه عن سويسرة. انبهر بما رآه فيها كامل الجادرجي ، الزعيم العراقي المعروف. التقى بعد عودته بأصحابه ووصف لهم ما رآه من حضارة و سؤدد هناك ، ثم التفت الى بعض الحاضرين من الزعماء الأكراد و قال لهم، انظروا ما حققه السويسريون في بلدهم. سويسرة مثل كردستان. بلد جبلي فقير، منعزل عن العالم ، لا معادن و لا موارد غير الجبال الجرداء الوعرة. و مع ذلك استطاعوا ان يبنوا هذه الحضارة و الرقي. لماذا انتم ايها الكرد عجزتم عن تحقيق مثل ذلك لكردستان؟ اجابه احدهم قائلا : معلوم يحققون كل هذا الازدهار و الرقي لأنه ماكو حولهم عرب!
" الى شمالهم يوجد المان. الى شرقهم يوجد فرنسيون. الى جنوبهم يوجد ايطاليون . الى شرقهم يوجد نمساويون. نحن اش عندنا في كردستان؟ بشرقنا عجم و بغربنا عرب. شلون ننهض؟"