Sunday 1 August 2010

الاسبوعية 1-8-10

من ظرفاء ايام الخير

خالد القشطيني

اشرت في مقالة سابقة الى انحسار روح الفكاهة عند العراقيين في هذه الأيام الحالكة. و لكنهم تركوا لنا من ايام الخير الكثير من تراث الظرف و الفكاهة الذي تميزوا به و جعلوه اثرا يحتذى به و يتعلم المسلمون منه. وهو موضوع جدير بالمتابعة و التزود بنفائسه فلا املك غير ان اعود اليه. اشرت من قبل الى عبد الرحمن ابن الجوزي . كان قد جمع الكثير من تراث هذا الأدب في كتابه " اخبار الظراف و المتماجنين." بعد رواياته عن الظرفاء بين صحابة رسول الله صلى اله عليه و سلم، ، انتقل الى فصل بعنوان : " فيما يروى عن العلماء و الحكماء".
يستهل هذا الفصل بالأستشهاد بأبي القاسم السلمي، فيقول ان شريحا عاد الأمير زياد وهو في اشد المرض. و خرج منه فسألوه، كيف تركت الأمير ؟ فقال " تركته يأمر و ينهي." فتعجبوا من مقاله و هم على ما يعلمون من شدة مرض الأمير واقتراب اجله. فأضاف قائلا: " يأمر بالوصية و ينهى عن النياحة"!
بالطبع كان ذلك عصرا لا سينما فيه او تلفزيون او راديو او كرة قدم او مشكلة فلسطين لينشغل بها الناس، فانصرف القوم لقضاء اوقاتهم الى مجالسة الظرفاء و الاستماع الى احاديث العلماء ، كما نستشف مما رواه ابن الجوزي عن العالم الكبير الشعبي. قال ان رجلا جاء الى مجلسه و قال له :" لقد اكتريت حمارا بنصف درهم و جئتك لتحدثني. "
و لكن العالم الجليل اجابه قائلا: " اكتر بالنصف الأخر حمارا و ارجع. فما اريد ان احدثك!" الظاهر ان ذلك الرجل كان يعتبر العلامة الشعبي بمثابة التلفزيون الذي نقصده عند جيراننا او في المقهى لنستأنس و نتسلى به. كانت ايام خير، ففي هذه الأيام اصبح الناس لا يسمعون من علماء الدين غير الكلام الثقيل الدم و الفتاوى المتناقضة و الخوض فيما لا يعنيهم . كيف يضاجع المسلم امرأته وما يعتبر نجسا او غير نجس.
ومن الواضح ان العالم و الأديب الظريف الشعبي قد استحوذ على اهتمام ابن الجوزي و استحسانه في هذا الفصل بطرائف عديدة عن الشعبي و اجوبته اللاذعة. يقول دخل الحمام يوما فرأى داود الأودي يسير وهو بلا مئزر . فأغمض الشعبي عينيه ، فقال له داود، " متى عميت يا ابا عمرو؟" فأجابه قائلا، منذ هتك الله سترك!"
و سأله بعض مريديه و تلامذته ، هل تمرض الروح؟ فقال، نعم. تمرض من ظل الثقلاء." و مرت ايام فرآه بعض اصحابه جالسا بين رجلين عرفا بثقل دمهما ، فقال له احدهم ، " كيف الروح؟ " أجاب: " في النزاع!"
و بالطبع ،و ككل علماء العرب، كان له نصيبه من حنقبازيات اللغة العربية. ومن الطرائف اللغوية المروية عنه، انه دخل يوما على الخليفة عبد الملك بن مروان فبادره بالسوآل : " كم عطاءك؟" فقال لحن العراقي. ثم رد عليه فقال : " كم عطاؤك؟ قال " الفا درهم". فسألوه عن ذلك فأجاب قائلا:
" لقد لحن امير المؤمنين ، فلحنت لأني كرهت ان يكون راجلا و اكون فارسا!"

No comments: