Sunday 13 June 2010

الشرق الأوسط 13-6-10

هل ستموت اللغة العربية؟

خالد القشطيني

و اعود لموضوع النحو العربي و الإملاء العربي لما اجد فيه من الأهمية السياسية و الاجتماعية و العلمية. اثارت هذا السوآل " هل ستموت اللغة العربية؟" مجلة الايكونومست البريطانية المهيبة في 24 ابريل الماضي. هذه مجلة متخصصة في مواضيع الاقتصاد و السياسة. فلماذا تناولت هذا الموضوع اللغوي المتعلق اساسا بقوم يلبسون دشاديش و جلابيات؟ الجواب هو فيما سبق و قلته، وهو ان مصير اللغة العربية له دوره في المستقبل السياسي و الاقتصادي للشرق الأوسط.
اكد الكاتب على ما سبق و قاله هذا الكاتب ، انا. وهو ان اللغة العربية الفصحى بشكلها الحالي لم تعد لغة عملية ونبذها العلماء و الاطباء و كل المهنيين. لم يعد قادرا على استعمالها غير المتخصصين بها الذين اصبحوا مثل السحرة و الكهان العارفين بأسرار المهنة. نصف من يستعمل لغتة الأصلية فيجيد بها بأنه يستعمل "لغة الأم." ، اللغة التي تعلمها من امه. و لكن لا توجد الآن امرأة عربية واحدة تكلم طفلها بالفصحى. فاللغة التي يستعمها كل الكتاب ليست لغة الأم. و انما لغة المدرسة. تعلمناها فيما بعد مع اللغة الانجليزية. و استطيع كمحام ان اطعن في كل الافادات و الشهادات المطروحة امامي في دعوى و اعتبرها باطلة لأنها دونت بلغة القاضي و ليس بالكلمات التي قالها فعلا المتهم. كل القرارات الصادرة من المحاكم العربية باطلة لأنها لا تقوم على اللغة التي قالها فعلا المتهم و الشرطي و الشهود.
اضيفت مؤخرا مشكلة جديدة للموضوع. لم يعد الأمر يمس فقط الأقليات الأثنية في عالمنا العربي. فبسبب العولمة و النفط و الثروات العربية وانتشار الاسلام في الغرب ، وجد بعضهم ضرورة لتعلم العربية. التقيت بعشرات منهم. حاولوا ثم نبذوا المحاولة بعد اشهر قليلة بسبب صعوبات لغتنا. لا يواجه مشاكل كتابة الهمزة و التعامل مع " حتى" في مواضع شتى حتى يرمي بالكتاب في سلة المهملات و ينصرف للبحث عن لغة اسهل .
طوروا اخيرا ما يسمى بلغة MSAالعربية المعتادة الحديثة Modern Standard Arabic
هذا موضوع يهم دعاة الاسلام في الخارج. يحتاجون لمثل هذه اللغة تحت تناول الداخلين لدين محمد.
استطيع ان اتصور رجلا يعتنق الاسلام ثم يواجه صعوبات اللغة فيهجره لدين آخر.
بانتهابنا لرموز الحضارة الغربية وجدنا انفسنا نستعمل الكثير من مفردات و تراكيب لغاتهم . اصبحنا مثلا نبدأ بالفاعل ثم الفعل " المعلم قال" بدلا من " قال المعلم" كما تقتضي القواعد العربية. وهذا شيء كثيرا ما اقع فيه فأبدأ بالأسم ، ربما خوفا من غضب الحكام. فالمهم ذكر الحاكم اولا و لا يهم ماذا فعله او سيفعله. يرى البروفسور كلايف هولز ، استاذ اللغة العربية في جامعة اكسفورد، ان هذا لايعني افول هذه اللغة و موتها بل يدل على حيويتها و قدرتها على التطور و التعامل مع كل الظروف الجديدة. وهذا صحيح. فاللغة كائن حي و يتطور. اللغة العربية قادرة على التطور . العاجز عن التطور هو المواطن العربي ، او بالأحرى المثقف العربي. إنه هو الذي يرفض ان يتطور و يتردد في تطويع لغته و تبسيط قواعدها فيبقى متمسكا بنون النسوة و رفع المثنى بالألف.

العالم 13-6-10

غلغامش و العشق المثلي

خالد القشطيني

اشرت سابقا في مقالتي "الجنس و السياسة " الى ملحمة غلغامش. و ربما استغرب القراء من هذه الأشارة فليس فيها شيء من الحب غير العلاقة الجنسية الفجة و العابرة بين البغي و الرجل الوحش. و هذا هو ما وددت تناوله و بحثه. فعلى خلاف الملحمات الاسطورية الأخرى لا تقابل البطل في الملحمة السومرية اي انثى يرتبط و اياها بعلاقة عاطفية. بالحقيقة لا توجد هناك اي انثى غير البغي. عاطفة الحب عند غلغامش انصبت فقط على رجل، رجل وحشي قوي العضلات. و كان حبا جامحا صحبه في كل سفراته و عندما اصابه المرض و مات، تدفق غلغامش بأشعار مفعمة بعواطف جنونية هزت كل كيانه:
اسمعوني ايها الفتية، اسمعوني
اسمعوني يا شيوخ اوروك، اسمعوني
سأبكي على صديقي انكيدو
سأبكي و انحب عليه كالمرأة العدادة بالأجرة
يدفن صديقه و يهيم على وجهه تائها حائرا مكتئبا. لا يعرف لمن يتجه. يفكر اخيرا بالبحث عن الخلود. ما الذي حداه لهذا البحث؟ يجد سكان المنطقة خلودهم في اولادهم ، في نسلهم. يخلدون ذكر اسمهم بهم ، ابن فلان و ابو فلان. بيد ان غلغامش لم يتزوج و لم يخلف. اكان حرمانه من الأسرة سبب سعيه للخلود؟ و هذا عنصر غريب آخر في حياة غلغامش. فالمعتاد في ملوك و امراء المنطقة ان يبادروا للزواج و يكثروا من الزوجات . و لكن هذا الملك السومري لم يسع او يفكر بذلك.
في النص الذي قرأته، كانت امه المرأة الوحيدة التي يذكرها بحرارة . وهذا عرض آخر من اعراض الحب المثلي. غالبا ما ترى المثليين يتعلقون بأمهاتهم بصورة قوية.
علاقة انكيدو بالمومس هي الأخرى تستدعي النظر. فبعد تمتعه بها جنسيا لفترة قصيرة ، تمرض و اوشك على الموت. لم يكن هناك ايدز و لا نعرف اي امراض تناسلية كانت شائعة بين البغايا. و لكن هل اراد الشاعر ، مؤلف الملحمة ، ان يعطينا اشارة ( مثلية) في هذا الخصوص، اشارة ان نبتعد عن الحب و العلاقة الجنسية مع الاناث؟ ينطلق انكيدو بمقارعة البغي و يلومها على ما حل به و خداعه و جره لهذا المطب. و على أي حال ، فأن انكيدو يقطع علاقته بها و لا يكرر التجربة مع اي امرأة اخرى. و لسان حاله يقول : كفاية بقى! يلعن ابو النسوان!
لا علم لي بمدى انتشار اللواطة في الشرق في تلك السنين. و لكن حكاية لوط و ما ورد في القرآن الكريم و النصوص الأخرى يؤكدعلى انتشار هذه الممارسة. بالطبع انا لا اقصد ان الملك السومري كان واحدا منهم بالفعل فليس من الضروري ان يطابق النص الشعري الواقع التاريخي. ربما كان الشاعر لواطا و نظر للتاريخ من منظاره. المهم ان لا يتهمني احد بأنني انا واحد منهم ففسرت الملحمة من هذه الزاوية. و لكنني اهيب بالباحثين في تعقب الموضوع فلربما نثبت للعالم ان عندنا اقدم نص في الحب المثلي.

Sunday 6 June 2010

الشرق الأوسط 6-6-10

ابو علقمة – بهلول اللغة

خالد القشطيني

كما ذكرت في مقالتي السابقة ، اخذ الجمهور في العهد العباسي يجدون في قواعد النحو العربي و حوشي الكلام مصدرا للتندر و الفكاهة و السخرية و ينظرون للنحويين كحمقى و بهاليل يثيرون في النفس الضحك و الشفقة. و شاعت بين الناس اسماء طائفة منهم فتصدر القائمة الفقيه ابو علقمة. رأينا كيف حاول ان يغازل جارية فثارت عليه و وبخته على غزله و تصورت انه كان يشتمها.
وردت عنه حكايات و طرائف كثيرة. ذهب الى طبيب يشكو مرضه فقال:
"اني اكلت من لحوم هذه الجوازل فطسئت طسأة فأصابني وجع بين الوابلة الى داية العنق، فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب و المت له الشراسيف . فهل عندك دواء؟"
فقال له الطبيب: " خذ حرقفا و سلقفا و شرقفا ثم اهرقه و رقرقه و اغسله بماء مروّث و اشربه بماء الماء."
فقال ابو علقمة : ويحك! أعد علي فأني لم افهم.
فقال له الطبيب، " لعن الله اقلنا افهاما لصاحبه. فهل فهمت شيئا من كلامك؟
و احتاج الفقيه الى خدمات حجام ليحجمه. بادره بالقول:
" لا تعجل حتى اصف لك. ولا تكن كأمرء خالف ما امر به و فعل غيره. اشدد قصب المحاجم ، و ارهف ظبة المشارط ، و اسرع الوضع ، و عجل النزعة .
و ليكن شرطك وخزا، و مصك نهزا ، ولا تردّن آتيا ولا تكرهن ابيا."
فوضع الحجام محاجمه في قفته وقال: يا قوم هذا رجل قد ثارت به المرة (مزاج السوداوية) ولا يصح ان يخرج دمه في هذا الوقت.
قال و انصرف.
وفي حكاية بهلولية مشابهة ، بعث ابو علقمة بغلامه الى غريم خاصمه و قال للغلام، "خذ من غريمنا هذا كفيلا ، و من الكفيل امينا ، و من الأمين زعيما ، و من الزعيم غريما. " فقال الغلام للغريم: " مولاي هذا كثير الكلام. فهل معك شيء؟ فأرضاه الغريم فخلا سبيله الغلام. و عاد الى سيده فسأله : يا غلام ، ما صنعت بالغريم؟ فقال: سقع! قال ويلك ، ما سقع ؟ قال بقع. قال ويلك ، وما معنى بقع؟ قال : استقلع. قال ويلك، ما معنى استقلع؟ قال انقلع! قال ويلك، و لم طولت علي كل هذا الكلام؟ قال منك تعلمت!
لا اخال هذه الحكايات حقيقية جملة و تفصيلا ، و لكنها مؤشرات على قرف الناس من فقهاء اللغة و تحذلقهم و تزمتهم و تعلقهم بكلام الغابرين و تمنعهم عن مماشاة روح العصر و التبسط باللغة. و كان من معالم تحجرهم استقراء ما يقوله البدو و الاعراب. يحاول اهل الريف في معظم المجتمعات ان يتعلموا من اهل الحواضر. بيد ان فقهاءنا دأبوا على عكس ذلك فكانوا يخرجون الى البادية ليستمعوا و يسجلوا استعمال البدو للغة . و جلسوا في المدينة يتربصون لأي اعرابي امي زائر ليسألوه و يتعلموا منه. لاحظ بعض الاعراب ان هؤلاء الفقهاء كانوا يستضيفونهم و يهادونهم و يدفعون اجرا لهم عن أي شيء حوشي ينطقون به و يتعلمونه منهم. فأخذوا يفتعلون الكلام و يخترعون الكلمات و يكسرون قواعد النحو ليكسبوا فلسا او فلسين من هؤلاء القوم ، بهاليل اللغة!

العالم 6-6-19

من طرافات الكرخي

خالد القشطيني

انني اعتبر الملا عبود الكرخي من اعظم شعراء العرب في الهجاء. حال دون بروزه خارج بلده نظمه الشعر باللغة العامية و نشر شعره بطريقة يصعب على غير العراقين قراءتها. من سلوكيات العراقيين ضلوعهم بالكفر و الشتم . وهو ما تميز به شعراؤهم ، بمن فيهم الجواهري. قلما يوجد مثقف بيننا لا يحفظ شيئا من شتائميات الكرخي التي تصل حد البذائة. بيد انهم قلما لاحظوا لفتاته الفلسفية ، كتساؤله : " هم هاي دنيا و تنقضي و حساب اكو تاليها؟" انها كلمات تذكرنا بالكثير مما قاله المعري في تأملاته العلمانية، و تعبر عن روح الشك المستأصلة في المواطن العراقي. احقا هناك آخرة و يوم الحساب؟
من ولع العراقيين بالشتائم ان حولوه الى نزهة تأخذ صيغة المطاردات الهجائية الاخوانية التي يداعب فيها الشعراء الشعبيون بعضهم البعض. و من ذلك ان انبرى الشاعر الشعبي الحاج جودي، القهوجي في مدينة الكوت، فهجا عبود الكرخي فرد عليه هذا الصاع بالصاعين بقصيدة طويلة فيها الكثيرمن التصوير الكاريكاتيري الظريف بعد ان تحقق جيدا من شكله و هيئته و شواربه المديدة:
يا حاج جودي يا عتر يا الشاربك طوله متر
ثخنه جمع ، عرضه شبر يشـــــبه ذيل البزون
يا قهوجينـــــا يا قزم بالجسم والشارب ضخم
توجه علينا هالشــــتم ما تخاف من الله يكون؟
بطيبة وزمزم والحرم و شواربك اعظم قسم
عندي حضرتك محترم كل الخلايق يدرون
و بعد ان طمأنه على حسن نيته و احترامه له، مضى ليدغدغ جوانبه بهذا المزاح البريء الذي نشره في جريدته " الكرخ":
يا اشقر الشارب اظن من ثقلهن حامل حزن
عندك شوارب للسفن بيها حبال يجرون
خذ نصحي يا احمر بوز يا مشورب ويا قزموز
زينها بأول تموز و هدها بأول كانون
بالصيف حتما تأذيك ومن مشتريتك تلهيك
بفصل الشتا اتدفيك وحملك اخي شوية يهون
يا حاج جودي يا عتر يا الشاربك مثل الوتر
عند الشبيبة بالنظر انت خرافي ومجنون
وكانت ايام خير، يتبادل فيها اهل العراق النكات و المداعبات ، لا الرصاص و المتفجرات.

Friday 4 June 2010

العالم 5-6-10

دائرة الثأر المفرغة

خالد القشطيني

تذكرني عمليات اجتثاث البعث و قطار الانتقام و الثارات الجاري في العراق بالحكاية النمساوية عن التلميذ فرانك الذي عقد العزم على الانتقام من معلمه. كان معلمه هذا يرهقه بالواجبات و يتشدد في معاقبته بالضرب بالخيزرانة اقسى الضرب و يعطيه اسوء النتائج في الامتحانات. فكر كيف يمكنه الانتقام منه وهو تلميذ صغير و المعلم رجل قوي كبير. و لكنه اهتدى الى طريقة ذكية في الانتقام منه لا تكلفه غير بضعة دراهم. قال سأذهب للمبغى في فيينا و اضاجع عاهرة مصابة بالسفلس بنصف مارك، فينتقل المرض الي. اعود للبيت فأضاجع الخدامة فينتقل السفلس اليها. و انا اعرف ان والدي يضاجع خادمتنا سوزانة بين الحين و الآخر، و كلما كانت امي خارج البيت. سيفعل ذلك فيأخذ مرض السفلس من الخدامة . و لوالدي عشيقة يحبها ويقضي معها عصر كل يوم احد عندما يذهب زوجها للكنيسة. و عشيقته هي المدام فرتز . سيضاجعها فيصيبها بالسفلس. و المدام فرتز هي زوجة معلمي اللي معذبني، الاستاذ فرتز. فيضاجع هذا زوجته عندما يعود للبيت مساء فينتقل اليه مرض السفلس . و اكون بذلك قد انتقمت افضع انتقام من هالكلب هذا استاذي اللي معذبني.
انها الدائرة المفرغة للثار. تذكرتها و انا اراجع في ذهني ما جرى و يجري في العراق طيلة حياتي وما اسمعه من ارهاب و تصفيات و تنظيف طائفي و اثني في بغداد و سواها من المدن و المناطق العراقية. دأبت التحقيقات في العهد الملكي على الانتقام من الشيوعيين . ثم آل الحكم بيد الشيوعيين بعد انقلاب عبد الكريم قاسم فأنتقموا من الملكيين و البعثيين. و جاء دور البعثيين فانتقموا من الشيوعيين افضع انتقام. سلموا الحكم لعبد السلام عارف الذي كان ناصريا فانزعج من البعثيين فانتقم منهم. اخيرا انتقل الحكم الى صدام حسين الذي ابتلي بصورة خاصة بسفلس الانتقام. تحالف مع الشيوعيين الذين ايدوه اولا في الانتقام من اليهود. ثم انقلب على الشيوعيين فانتقم منهم. تمادى في عمليات نقل السفلس فسلط جراثيمه على اعضاء حزبه و قادته الأوائل. من بقي؟
آه ، نعم. بقي الكرد . فسلط عليهم السفلس السام و اباد ما يكفي منهم. جاء الامريكان و الانكيز في الأخير. اسقطوا النظام الصدامي و ابادوا تماثيله و سلموا الحكم لسفلس الطائفية. فراحت جراثيمها تضرب يمينا و يسارا ، وراء واماما . كل ينتقم من الكل . و البعض من البعض. الدائرة المفرغة للثأر.
انها حكاية المعلم فرتز و تلميذه الصغير فرانك. بيد ان اصحاب الدائرة المفرغة العراقية لم يهبهم الله عز وجل فطنة التلميذ النمساوي و عقله و طيبة قلبه. نال ثأره السلمي في اطار الأنس و المتعة. و لم يكلفه غير نصف مارك . دائرة الثأر العراقية دائرة دموية ، ضحاياها الوف القتلى و ثمنها ملايين الدولارات ، و ربما وحدة البلاد و تشرذم الشعب.