Tuesday 5 October 2010

الاسبوعية 3-10-10

التنيسي عاشق الطبيعة

خالد القشطيني

اعود لذكر من برزوا من ادباء العراق فيما اشتهروا فيه من روح الفكاهة و السخرية فأعرج على ذكر ابي محمد الحسن بن علي بن وكيع التنيسي. لقد ولد في بغداد في القرن العاشر الميلادي و تتلمذ عليه البخاري الذي اخذ عنه 346 حديثا. ولكنه كان من المفكرين الأحرار فلم تطب له حياتها ففعل ما فعله مفكروها في هذا الزمان. و لكنه في زمنه لم يسمع بانكلترا و السويد فرحل الى سوريا و من سوريا الى مصر حيث استقر في بلدة تنيس قرب دمياط. و منها اخذ لقبه. و مات فيها عام 1003م بعد ان كتب الكثير عما عبر عن تمرده على التقاليد الاجتماعية و الأدبية. الحقيقة انه اصبح مرآة لتفسخ المجتمع في عصر انحلال الدولة العباسية. و من تمرده انه ناقض سواه من الادباء في نقد المتنبي و اتهمه بالسرقة الادبية في كتابه الشهير " المنصف للسارق و المسروق منه".
اعتبر التنيسي من شعراء اللهو والوصف و الخمر و الغلمان و المجون و حب الطبيعة. قال:
علل فوآدك فالدنيا اعاليــــــل و لا يشغلنك عن اللهو الاباطيل
و لعل زعماءنا في نزاعهم على المنصب يتعلمون مما قاله في البيتين التاليين:
و إن اتوك فقالوا كن خليفتنا فقل لهم انني عن ذاك مشغول
و ارض الخمول فلا يحظى بلذته الا امرؤ خامل في الناس مجهول
و له قصائد فاحشة نطوي صفحا عنها قبل ان يتهمونا بالأباحية و لكن من اشعاره الماجنة التي اشتهرت مقولته :
جانبت بعدك عفتي و وقاري وخلعت في طرق المجون عذاري
لا تأمرني بالتستر في الهوى فالعيش اجمع في ركاب العار
برع التنيسي في وصف البيئة و الطبيعة فعبر عما عاناه العراقيون من حر بغداد و انقطاع الكهرباء فقال راجزا:
فصل من الدهر اذا قيل حضر اذكرنا بحره نار ســـــــــقر
تبصر فيه البنت مقشــــــــعرا والآرض تشكو حره المضرا
نهاره مقســـم بين قـــــــسم جميعها يعاب عندي و يذم
حر يحيل الأوجه الغرانـــــا حتى ترى الروم به حبشانا
يتحدث الشاعر عن عذاب النوم في الصيف و دور البراغيث و البق في قض مضاجع النائمين:
حتى اذا ملت الى الرقاد نمت على فرش من القتاد
إن البراغيث عذاب مزعج لكل ما قلب و جلد تنضج
لا يستلذ جنبه المضاجعا كإنما افرشته مباضعا
قبح فصلا فوق ما قد ذقته لو انه يظهر لي قتلته !
و من انتقداته الاجتماعية ذم الثقلاء كما قال عن احد جلسائه:
ما السقم في سفر و الدين مع عدم يوما بأثقل منه حين يلقانــي
ما لي عليه حين ابصره غير الصدود وتغميض لأجفاني
لم يتردد في السخرية من التقعر النحوي و التشدد في القواعد:
يحسن النحو في الخطابة و الشـــــــعر و في لفظ سورة و كتاب
فإذا ما تجاوز النحو هذي فهو شيء عن المسامع ناب
و كمعظم الظرفاء انشغل التنيسي بالأكل و الأكلات . له ارجوزة يتغزل فيها بالرقاق و البصل و اللحم. يقول في رقاق الخبز:
ارقها الصانع حتى اختفت و لطفت اجسامها و مدت
تكاد لولا حذقه في صنعته تطيرها انفاسه من راحته
حتى اتت في صورة البدور او مثل جامات من البلور
حتى اذا فرغت منها متقنا ولم ير العائب فيها مطعنا
فأعمد الى مدور من البصل فإنه اكبر انواع العمل
ثم ينتقل الشاعر في هذه الارجوزة الى الحديث عن المشمش و الزيتون و التمر و الريحان ، وهات ما عندك...

الشرق الاوسط 5-10-10

الرافض مرفوض

خالد القشطيني

يتسائل كثير من اصدقائي عن سر غيابي عن سائر هذه النشاطات و المؤتمرات و المأكلات التي يعج بها عالمنا حتى في هذا الشهر ، رمضان الكريم ، اقامت سائر السفارات و المنظمات العربية ،بل وحتى الاجنبية و المسيحية، حفلات افطار دون ان استلم دعوة واحدة لأي منها. سألني صديقي صلاح نيازي، لم نرك في مهرجان اصيلة قط. و لاحظ آخر اختفائي من مؤتمرات البابطين للشعر العربي. حتى الفلسطينيين الذين اضعت لقضيتهم سنوات من حياتي لم يعودوا يشاركونني في اجتماعاتهم.
الحقيقة الواضحة التي لم يلتفت اليها اصحابي، هي انني شخص رافض و عوقبت على رفضي بالرفض فأصبحت الكاتب المرفوض. كان الأخ عبد العزيز البابطين يدعوني لمهرجاناته الشعرية العالمية. و يظهر انه قرأ او سمع ما كتبته في الشعر و الشعراء، يوم قلت ان ممارسة الشعر من صفات الشعوب المتخلفة. الشعوب المتطورة تعنى بالعلم و الطب و الفكر. و قلما اصاحب احدا من الشعراء لأنني اجدهم غارقين في الانانية و الذاتية و الكذب. يظهر ان الأخ البابطين سمع ذلك فتوقف عن استضافتي.
كانت المغرب تدعوني لمهرجانات اصيلة حتى كلفوني بألقاء كلمة. فتكلمت و دعوت لتبسيط قواعد اللغة بحيث تصبح طيعة وفي متناول الناس فلا يهجرها العلماء و الاطباء و المهندسون و يلجأون للغات الاجنبية ولا تثور عليها الاقليات الاثنية فتطالب باستقلالها. ضج المستمعون بالضحك و التصفيق وانا اروي النكات عن النحو العربي كعادتي. غاب عن ذهني ان المغرب تواجه ازمة في تعميم اللغة العربية و تغليبها على الفرانكفونية و النزعة الامازيقية . وهكذا توقفوا عن دعوتي لأصيلة ، و من يلومهم؟
اقام المنتدى العراقي قبل سنوات حفلا لتكريمي فألقيت كلمة شكر وصفت فيها حركة التحرر الوطني و المطالبة بالاستقلال بأنها حركة الحرامية. فالافندية من ابناء الطبقة المتوسطة عاشوا مرفهين في العهد العثماني من السرقات والرشوات. جاء الانجليز فمنعوا ذلك بل و طالبوهم بدفع ضرائب ، فثاروا عليهم. حصلوا على الاستقلال فعادوا الى سابق شأنهم من الفساد ، كما نرى اليوم. قلت كل ذلك فصفق الحاضرون ، و لكن المنتدى توقف عن دعوتي للمشاركة في اي ندوة. شاعت بين الوطنجية سمعتي كداعية لعودة الاستعمار لا ينبغي دعوته لاي مأكلة.
دعتني دار الاسلام لتكريمي ايضا و طالبوني بألقاء كلمة عن الفكاهة العراقية. يقوم نصف الفكاهة على النكات الجنسية في كل العالم. ما ان تورطت بذكر واحدة منها حتى رأيت النسوة، و كلهن محجبات و منقبات جلسن في آخر القاعة، يبارحن الدار. و شاعت بين القوم فكرة ان القشطيني رجل بذيء لا تصح دعوته لأي جلسة محترمة.
و بعد سنوات من التعاون مع الفلسطينيين و الكتابة المتواصلة عن قضيتهم ، قدر لي الاحتكاك بالكثير من قادتهم فلمست مدى الفساد المنتشر بينهم و تجاهلهم لمعاناة شعبهم. فتعال يا سيدي و امنع خالد القشطيني من التنديد بذلك. و بدأت القطيعة و وداعا يا فلسطين!
دعوني للمشاركة في مؤتمر الاصلاح العربي بمصر، بلد الفتاوى، فقلت سأصدق الدعوة للاصلاح عندما يبدأون بتدريس نظرية التطور في المدارس. و كانت آخر دعوة لي للمشاركة. فهل تعجب الا يدعوني احد لأفطار رمضاني؟