Friday 27 August 2010

الشرق الأوسط 27-8-10

الجهل بالشيء خير من العلم به

خالد القشطيني

شكرا للأخ حيدر الطائي من الامارات على توجيه نظري الى هذه الغلطة التي وردت في مقالتي " تهافت التباهي" حيث ذكرت ثمن ساعة الرولكس بستين دولارا. ارجو الا تقيم هذه الشركة السويسرية الذائعة الصيت دعوى علي للحط من قيمة ساعاتها. الصواب طبعا هو ستين الف دولار. و لكن كيف و لماذا وقعت في هذه الغلطة ، بل و كررتها مرتين؟ يقول علماء النفس ان الوقوع في غلط او سهو كثيرا ما يعبر عن ذهنية و تفكير صاحبه. وهذا ما جرى يا اخي الطائي. فأنا غير معتاد على شراء ساعة بأكثر من مائة باوند. و الساعة التي على يدي الآن اشتريتها بعشرين باوند فقط. و من ثم فيعجز دماغي عن التفكير بألوف الدولارات ثمنا لساعة تستطيع اي ساعة رخيصة ان تقوم بمثل عملها و ربما احسن.
يذكرني مثلي هذا في العجز عن التعامل بأكثر من مائة دولار بالأعرابي الذي غنم قطعة كبيرة من السجادة الملكية في بلاط انوشروان عندما استولى العرب على طيسفون و نهبوا قصره. عاد مبتهجا و اخبر قومه بأنه باع تلك القطعة بألف دينار. فضحكوا عليه و انبوه و قالوا له يا مغفل هذه القطعة تسوى اكثر من ذلك بكثير. قال: " ماذا بعد الألف؟ هل هناك شيء اكثر من الف؟"
غير انني اعترف بأنني ابيع بعض الساعات بمثل هذه الاسعار الخيالية. فحالما يكرمني احد ما بساعة ثمينة ، اعود بها الى لندن و ابيعها فورا للدكاكين الهندية. فأنا من المؤمنين بأن المفلس في القافلة امين. فلا اريد ان احمل ما يجلب الي انظار النشالين و المسلبين ، ولا اعين الحساد و المنافقين، ولا طمع الغانيات و الفنانات . شخصيتي تنقصها غريزة التباهي.
وعلى اي حال، فأنا اغنى من ذلك الرجل الذي لم يستطع ان يشتري ساعة لنفسه. جلس في القطار و سأل يهوديا كان بجانبه عن الوقت. لم يجبه. كرر السوآل ، ولم يجبه. فغضب الرجل و قال للتاجر اليهودي ، لماذا لا تجيبني؟ قال و لماذا اجيبك؟ اذا اجبتك فربما تسألني عن دقة ساعتي وهل كانت مضبوطة تماما. اقول لك نعم. انها لا تقع في اي غلط. فتسٍالني من اين اشريتها. اقول لك من الساعاتي فرتز رأس شارعنا. فتلتمس مني ان اصطحبك اليه. فآخذك اليه. ثم يخطر لك ان تكافأني على مساعدتي فتدعوني لشرب القهوة في بيتك. فألبي الدعوة و عندئذ يقتضي علي ان ارد الضيافة بمثلها فأدعوك لتناول البيرة في بيتي. فتأتي و معك ابنك. و انا عندي في البيت ابنتي سلفيا التي احبها حبا جما و احرص على مستقبلها. يراها ابنك فيقع في حبها و يدعوها للمسرح. و تنشأ بينهما علاقة غرامية و يقرران الزواج في الأخير.
" و هكذا يا سيدي ، اكون السبب في زواج ابنتي بشاب والده لا يملك ما يشتري به ساعة يضعها على يده و يسأل الناس عن الوقت!"

No comments: