Tuesday 18 May 2010

الشرق الأوسط 18-5-10

عود للبيئات و الجينات

خالد القشطيني

هذا نقد و سوآل وجيه من القاريء جمال قريو من السويد . يقول ما كان يصح لي ان اخوض في هذا الموضوع المعقد عن البيئة و الوراثة في مثل هذه الزاوية الوجيزة. لقد استنزف من العلماء مجلدات طويلة و قصروا فيما انتهوا اليه، و انا اسعى لحسمه في بحر اربعمائة كلمة.
هذا شيء اعترف بنقصه و بنقصي انا ايضا. فما انا من العلماء و لا كان العلم من اختصاصي. لماذا ازج نفسي في هذه المواضيع؟ افعل ذلك لأنني اعتبر العلم مفتاح المعرفة و النجاح في الحياة و السياسة. و به تفوق الغربيون علينا. وهذا غرضي في الخوض فيما لا اعرف. أتأمل من ورائه ان يتعلم جمورنا على النظر في الأمور من زاوية علمية بعيدا عن الخرافات و الخزعبلات. يعتقد الكثيرون مثلا ان اليهود قصار القامة لأن الله غضب عليهم و جعلهم هكذا. و لكن العلم يتطلب منا اولا ان نتحقق هل اليهود فعلا قصار القامة؟ نتنياهو ليس قصيرا. هل نستنتج منه ان اليهود طوال القامة؟ فالأخ عامر العامري يرد علي من اسبانيا و يقول ان الافريقيين ليسوا قصار القامة لأنه رأى ابطالهم في كرة القدم طوالا؟ ايجوز علميا ان نحكم على امة كبيرة بحسب ما عندها من لواعيب كرة القدم؟ يا عزيزي الأخ العامري، الأجادة في الكرة يتطلب قامة طويلة. هكذا اصبح الطوال متميزين فيها و جرى انتخابهم على هذا الاساس و لكنهم لا يمثلون معدل طول ابناء شعبهم. انهم نخبة في طول البدن ولكن ربما فئة سيئة في قصر العقل، كما اجدهم غالبا.
يعلمنا العلم على التريث و الشك فيما نسمع، حتى فيما يقوله المعلم في المدرسة. علينا ان نفكر و نتحقق. هل إن ما سمعناه صحيح؟ ما الذي يسنده من حقائق و تجارب؟ يقول القشطيني ان بشرة المسيحيين في بلاد الشام بيضاء و عيونهم فاتحة و شعرهم اصفر. هل هذا صحيح؟ سرعان ما تجد ان المسلمين هناك ايضا يتسمون بهذه الصفات! و الآن لديك هذا السوآل: لماذا اتصف عرب بلاد الشام بهذه الصفات في حين غلبت السمرة و الشعر الأسود على عرب الجنوب؟ لماذا نجد العراق يعاني من الفساد والمحن ؟ هل هي نقمة من السماء لقتلهم الحسين و الملك فيصل؟ ام هي نتيجة للحكم الاجنبي عبر القرون ، ام بسبب الخلطة العرقية و الطائفية للشعب ، ام بسبب ما قيل عنهم من الشقاق و النفاق؟ ما العوامل الطبيعية و المناخية و التاريخية التي تعلم الناس على الفساد و الشقاق؟
وهذا ما اقوله. هذه الزاوية ليست جدولا بالحقائق و المعارف. و سبق ان حذرت من اخذها كمصدر. إنها زاوية ساخرة تتحدى القاريء و تستفزه للتفكير فيما سمع وسلم به. تدعوه لاستعمال العقل و التحليل العلمي و ادراك اوجه النظر المختلفة لذات الموضوع. وهذه مهمة صعبة. فكثيرا ما وجدت مواطنا لا يصيبه السرطان الا واسرعت زوجته للتفكير بالعفاريت و السحر و عين الحسود التي تسببت به. قلما تتذكر السكائر التي دخنها. و حتى المثقفين منا، لا تفلس حكومتهم الا و ارجعوا افلاسها
لموآمرة استعمارية ، وهي النسخة الحديثة من دنيا الخرافات.

No comments: