Monday 31 May 2010

الاسبوعية30-5-10

ابن الجوزي من نجوم السخرية العراقية

خالد القشطيني

عرف عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي بأنتاجه الغزير في ميادين العلم و الدين والأدب و الشعر في القرن الثاني عشر من تاريخ الفكر العراقي. غير ان له جانبه الظريف الذي بات غير معروف عند الكثيرين. و له في ذلك كتاب مؤنس و طريف بأسم " اخبار الظرّاف و المتماجنين". سأروي نتفا منه بمشيئة الله خلال الاسابيع القادمة. و بخلاف ذلك ، عبر الكثير من اشعاره عن روح سخرية قوية. و من اشهر الأمثلة في هذا ما قله في اهل بلده ، اهل بغداد في مقطوعة طالما سمعتها تتردد على السنة المثقفين و الفنانين العراقيين، بل و سبق لي ان استشهدت بها:
و عذيري من فتية بالعراق قلوبهم بالجفا قـــــــــلّب
يرون العجيب كلام الغريب وقول القريب فلا يعجب
ميازيبهم إن تندت بخير الى غير جيرانهم تقلب
و عذرهم عند توبيخهم مغنية الحي لا تطرب!
انعكست سخريته في الكثير من ملاسناته و منازعاته مع الفقهاء و العلماء و المتصوفة، وهي كثيرة حتى اتهمه ابو الفداء بميله الى الوقيعة في العلماء. وردت نماذج كثيرة من لذعات قلمه في كتابه " تلبيس ابليس" في نقد الصوفية. و استشهد فيه بأقوال الشافعي و ابن عقيل ، فقال: " لو ان رجلا تصوف اول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير احمق. و ما لزم احد الصوفية اربعين يوما وعاد عقله اليه ابدا. و الناس يقولون اذا احب الله خراب بيت تاجر، عاشر الصوفية.!"
و يختتم رسالته ببيتين من الشعر:
ارى جيل التصوف شر جيل فقل لهــــم و اهون بالحلول
اقال الله حين عشـــــــقتموه كلوا اكل البهائم وارقصوا لي؟
و عندما قربت منيته ، اوصى ابن الجوزي بأن يكتبوا على شاهد قبره هذه الكلمات:
يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديـــــه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه
انا ضيف، و جزاء الضيف احسان اليه
و له اقوال ظريفة و بليغة. قال:
" شهوات الدنيا انموذج ، و الانموذج يعرض و لا يقبض!"
و قال و كان كمن ينظر الى الأمام ليخاطب هذه الحفنة الراهنة ممن تمادوا في نهب العراق و إفساده:
" من قنع طاب عيشه . و من طمع طال طيشه!"
و ذكروا له ان قوما اخذوا يتعاطون الوعظ و ليس هذا مما لا شغل لهم به. فأنشد وقال:
قالوا تصاهلت الحمير فقلت : إذ عدم السوابق
خلت الديار من الرخاخ ففرزت فيها البيادق
و ربما يجد بعض القراء هذا الكلام منغلقا عليهم. كما وجدته انا في الواقع ، و كما وجده رجل آخر فسأله فأجابه. و لكن السائل عاد فقال: " ما فهمت." فأنشد الشاعر :
علي نصب المعاني في مناصبها فإن كبت دونها الأفهام لم المِ
بأبي انت و امي يا ابن الجوزي! ما اشبه اليوم بالبارحة!

العالم 31-5-10

في مسيرة الديمقرالطية( 13)

الدين و الدولة

خالد القشطيني

ارتبط الدين بالسلطة منذ عرف الآنسان الأله. و جرى الترتيب بأن يدعم الحاكم رجال الدين فيطلق يدهم في السيطرة على الجمهور وغسل دماغهم و استغلالهم لقاء تأييد الكاهن للحاكم وغسل دماغ الجمهور بالطاعة له. سرى هذا الازدواج في اوربا المسيحية . نجد حتى في هذه الأيام و في بلد علماني كبريطانيا ، تعتبر الملكة رأس الكنيسة الانغلكانية و لا يتم تتويجها الا بقيام اسقف كانتربري بتقديسها في الكنيسة.
نجد مثل ذلك في العالم الاسلامي في نشوء المملكة السعودية حيث تم في القرن الثامن عشر ذلك الاتفاق التاريخي بين محمد عبد الوهاب ، شيخ الوهابية، و محمد بن سعود، عاهل الأسرة السعودية. و بموجبه يؤيد المشايخ سلطة الأمير الدنيوية مقابل إطلاق يد المشايخ في الأمور الدينية، الأمر الذي اصبح يعرقل الكثير من الأصلاحات التي يعتبرها المشايخ مناقضة للدين، كمنع الرق. و آن لهذا الترتيب ان يتفجر في عصر النفط و الذرة بين المتشددين و الاصلاحيين. وهو ما جرى قبل قرون في اوربا.
جرى الترتيب في اوربا في تقاسم السلطة بين البابا ورئيس الامبراطورية الرومانية المقدسة ، التي وصفها فولتير بأنها لم تكن امبراطورية و لا رومانية و لا مقدسة. الملوك و الأمراء يحكمون بدعم الكهنوت و الكهنوت يأتمرون بأوامر الفاتيكان. و الجمهور يعيشون او يموتون حسب ما يؤمرون. بيد ان هذه العلاقة كثيرا ما تأزمت و افضت الى مآس دامية. كان منها ما جرى في بريطانيا في القرن الثاني عشر.
يظهر ان الانكليز لم يرتاحوا قط لتلقي الأوامر من روما فشعرهنري الثاني بمضايقات الكنيسة له و تدخلها في شؤون دولته، فكر بطريقة لوذعية – كما تصور. اعتمد كثيرا على وزيره توماس بكت. لم يكن هذا من ارستقراطية البلاد و انما ولد و نشأ من منبت وضيع و فقير و لكنه اؤتي بما يكفي من الذكاء و المواهب بحيث ارتقى منصب الوزارة و استحوذ على صداقة الملك و ثقته. و عندما شغر منصب رآسة كاتدرائية كانتربري، ( المرجعية الدينية في بريطانيا) رأى هنري الثاني ان تعيين صديقه في هذا المنصب سيحل المشكلة فلا تحصل خلافات بينه و بين الكنيسة و ينال ما يريد.
بيد ان توماس بكت ، ما ان استلم هذه المنصب حتى تقمص ثوب الكنيسة و تشدد في تمثيلها و تنفيذ سياساتها. ادى ذلك الى تصادم مرير مع العرش. اغتاض الملك بصورة خاصة من تحول صديقه و ربيبه الى خصم لدود له و عقبة ضد سياساته. لم يعرف ماذا يعمل، و تعيين رجال الدين او طردهم لا يتم بدون موافقة البابا. و في ساعة من ساعات غيضه قال يائسا: " اما من احد يخلصني من هذا الرجل؟"
تصور زبانية البلاط انه قصد قتله. فمضوا و قتلوه (1170) وسط كنيسته شر قتلة بما اصبح مشهدا خالدا في تاريخ الاستشهاد المسيحي، و شكل حلقة مهمة في علاقة الدين بالدولة و تقليص ظل الكنيسة.

Sunday 30 May 2010

العالم 30-5-10

الأيمان الكروي

خالد القشطيني

اخذ الغربيون يعتبرون الايمان بالله مؤشرا على اختلال عقل الانسان و ابتلائه بعاهة نفسية. شككت في ذلك فقلت لأحد الزملاء ، هذا مبالغ فيه. انظر لقوة الايمان في امريكا و انتشار الأصولية ( فندمنتالزم) بينهم. فقال ، الم اقل؟ الأمريكان قصار العقول و يصدقون اي شيء، حتى ما يقوله نتنياهو و ساسة العراق.
في بريطانيا لا يؤمن بالدين غير ثلاثة بالمائة. قلما تجد كنيسة مفتوحة للجمهورالآن . و عندما تجد واحدة مفتوحة و تدخل لا تجد غالبا احدا يتعبد فيها. تنظر فترى القس جالسا في مكتبه يتفرج على صور العاريات في جريدة بيبل. راحوا يتوسلون بالجمهور للدخول و المشاركة في العبادة، او على الأقل الإنشاد و الترتيل. رأيت لوحة على احدى الكنائس تقول: تفضل معنا حتى و لو كنت لاتؤمن بالله."
الأدارة الدينية حائرة فيما يمكن عمله بهذه الكنائس التاريخية الجميلة. اخذوا يستعملون بعضها للحفلات الموسيقية و المسرحية. راح الشيوعيون العراقيون يستأجرون كنيسة رفرسايد لعقد مؤتمراتهم الماركسية. اخذت الأدارة تبيع بعض كنائسها. احتج بعض المؤمنين على بيع كنيسة للمسلمين ليمسحوا الصليب منها ويحولوها الى مسجد. اجاب الاسقف قائلا، و لكن اليس ذلك احسن من ان تتحول الى كباريه او كرخانة؟
بيد انني اكتشفت مؤخرا ميدانا واحدا ما زال الدين يتألق و يتعالي فيه بين الغربيين، وهو سباقات كرة القدم. فهذه لعبة كثيرا ما تتعرض لحكم القدر ولا يستطيع اللاعب او المتفرج ان يحسب فيها ما سيقع. يرفس الكرة فتصطدم بظهر الحكم و تدخل الهدف، و هلمجرا. و كله – كما يحسب المتفرجون – بمشيئة الله. جعل ذلك معظم اللاعبين يهتدون لوجود القادر. ترى اللاعب البرازيلي ينزل للساحة فيسرع و يرسم الصليب على صدره. و يهم لاعب سعودي بضربة جزاء فيرفع يديه اولا للسماء و يتلوا آية الكرسي ثم يضرب. تذهب بعض فرق امريكا اللاتينية الى الكنيسة اولا ليبارك القس على اقدامهم قبل الذهاب للملعب. و سمعت بأن احدهم لا يلعب بلابجين جديد الا بعد ان يدور به سبع مرات حول تمثال مريم العذراء. وهذه من اسرار تفوق الفريق البرازيلي باستمرار. فالفضل لا يعود الى مدربه الجيد، كما يتصو البعض، و انما الى الكاهن الجيد الذي يبارك عليهم.
حسم النتيجة عند التعادل بضربات الجزاء من احرج حلقات اي مسابقة عالمية . تتوقف كل ضربة منها على القدر. فتتوتر الأعصاب و يرتفع ضغط الدم و يتسارع النبض. بعض ضعاف القلوب يغمضون اعينهم و الفتاة تشد على ذراع عشيقها. و الجميع يتذكرون الله ، يصلون و يرتلون و يدعون. اصيب بعضهم بنوبة قلبية و نقلوه للمستشفى. مات غيرهم بالجلطة و دفنوه مع شهداء كرة القدم.
فطنت الكنيسة الانكليزية لكل ذلك فأصدرت في الاسبوع الماضي ثلاثة نصوص مختلفة لصلوات خاصة يتلوها المتفرجون و اللاعبون اثناء ازمة ضربات الجزاء تساعد فريقهم على النصر و تداوي اعصاب ضارب الكرة. لا داعي لأيراد نصوصها فنحن عندنا آية الكرسي و سورة قل هو الله احد.
هكذا انتقل الأيمان من المعبد الى الملعب. و لكن بقيت نقطة تحيرني. فكل فريق سيدعو الرب ان ينصره. كيف سيقرر الخالق لمن يعطي النصر؟

االشرق الأوسط 30-5-10

قراءات في صورة

خالد القشطيني

نشرت الصحف البريطانية ، و على رأسها صحيفة الغارديان، صورة كبيرة ملونة لحفلة وداع غوردن براون ، رئيس الحكومة البريطانية السابق ، لمكتبه و وزرائه بعد استقالته من الحكومة ورآسة حزب العمال. عاينت في الصورة فوجدت ان الرجل الوحيد الذي حمل وجهه ابتسامة عريضة كان المستر براون نفسه. يتوقع المشاهد ان يجده في اسوء حال و احزن مآل وقد خسر الانتخابات و الحكم و الحزب وهذا المسكن المهيب 10 داوننغ ستريت. لأول مرة وجدت معالم البهجة بادية عليه. و لم لا؟ لقد القى من كتفيه اعباء كل هذه المسؤوليات. وقف يحتضن بكلتا يديه طفله الصغير فريزر في الثالثة من عمره وهو يصرخ بضحكة داوية. اخيرا سيتفرغ بابا لي و يحملني على كتفيه و اضربه على رأسه. لا عجب ان يبتسم غوردن . و يعلمنا بابتسامته ان العائلة ، الاولاد و الزوجة ، هي الملاذ الأخير و الحقيقي للرجل.
وهو ما يفسر للمشاهد البؤس البادي على وجه بيتر مندلسن ، وزير الأعمال، (البزنس). فالسيد بيتر اعزب و مبتلى بالشذوذ المثلي. ليس له ملاذ يأوي اليه بعد فقدان منصبه – او هكذا اتصور ، و من يدريني بهذه الأمور. بيد ان سائر الوزراء الآخرين يشاركونه في الصورة بملامح التعاسة و الأسى و قد فقدوا مناصبهم الوفيرة. استثني من ذلك اد مليباند الذي وقف وراء غوردن براون يحدق في الآخرين ويخطط و يحلم بخلافة براون في المستقبل القريب. وقد رشح نفسه لزعامة الحزب. بدا عليه شيء من ملامح القلق، فمنافسه على الرآسة اخوه.
السيدة سارة براون، زوجة رئيس الحكومة السابق بدت في اسوء نفسية و قرف. يا الله! سيعود زوجي و يقضي كل وقته في البيت و ينغص علي حياتي. سيصعب علي ان اقنعه بالذهاب للحانة في رأس الشارع حتى افرغ من مشاهدة مسلسل كورونيشن ستريت. فقد اصبح رئيس وزراء سابق لا يليق به ذلك.
كيرستي مكلين ، كاتبة خطب رئيس الحكومة تبدو على عكس الآخرين في منتهى البشر و السعادة . لقد نفضت عن كاهلها هذه المتاعب و المعاناة. لن يطلب منها بعد اليوم ان تكتب كل هذا الهذيان و النفاق و المغالطات و المتناقضات التي تفرض عليها كتابتها لتكسب لقمة عيشها و لقمة عيش رئيسها. انها بدينة و سمينة على خلاف الأخريات. لم تترك لها كتابة الخطب اي وقت لتتحرك و تريض رجليها. و لكن اين كانت تكتب خطب الزعيم؟
بالطبع، هناك على الكومبيوتر التي احتلت الصدارة في هذه الصورة. عاينت و اطلت النظر فيها. أي اسرار قد اخفت تحت شاشتها و بين احشائها؟ كم سيدفع المحافظون ، او الأمريكان ، او اليابانيون ثمنا لهذه الكومبيوتر التي صنعوها و اضاعوها؟ كم سيدفع رجال الموساد ثمنا لها؟ و لكن كلا. لن تدفع الموساد فلسا واحدا عنها. فكل ما فيها من معلومات معروفة مسبقا لديهم. و مع ذلك، فقد اعطى المصور المكان المركزي في الصورة لجهاز الكومبيوتر.
و هذه هي زبدة عالمنا السياسي. الكومبيوتر تحرك الساسة و تصيغ السياسة . لا عجب ان ينظر اليها براون الأبن الأكبر في شوق و حرص.

Saturday 29 May 2010

العالم 29-5-10

كول على نفسه

خالد القشطيني

من اصطلاحات و عمليات كرة القدم تسجيل اللاعب هدفا (كول) على حساب فريقه. يحصل ذلك عندما يخطيء المدافع فيرمي الكرة الى هدفه بدلا من ابعادها عنه، فيقال انه سجل كول على نفسه. و شاع الاصطلاح. أخذنا نطبقه على كل عملية تسفر عن مردود عكسي خلاف ما كان يرمي اليه صاحبها. وها انا شهدت مثالا سياسيا لهذه العملية الخاطئة فيما يقوم به الاسلاميون الارهابيون ضد الغرب.
اصدر فريق من الباحثين في بريطانيا قبل بضعة اشهر دراسة تقول ان المسلمين سيشكلون الأكثرية في بريطانيا عند نهاية هذا القرن بفضل نسبة الولادة العالية بينهم و استمرار تدفق اللاجئين و المهاجرين المسلمين و نزوح بعض الانجليز الى المناطق الدافئة من العالم و اعتناق بعضهم الاسلام. قمع هذا التقرير اعلاميا خوفا مما يسببه من ردود فعل سلبية و تفاقم الاسلام فوبيا.
يصدق ذلك بصورة اكبر في البلدان الاوربية الأخرى التي اصبح المسلمون يشكلون فيها اقليات كبيرة كألمانيا مثلا حيث ذكر تقرير من معهد الأبحاث الاجتماعية يشير الى التباين الشاسع في نسبة الولادة بين الالمانيات و التركيات. فأمومة الالمانيات في سن الأخصاب (من سن 25 الى سن 35) لا تتجاوز 12% في حين ترتفع هذه النسبة بين التركيات الى 80%.
امل المسلمين الذي سعوا اليه عبر القرون بالسيف و فشلوا، وهو اسلمة اوربا ، اصبح الآن امكانية واقعية و بدون اراقة دماء. لم يعد هيمنة الاسلام على اوربا مجرد تكهنات و انما مسألة وقت، ولا سيما اذا انضمت تركيا الى المجموعة الاوربية.
و عليه فما يسعى اليه الاسلاميون برفع راية " لا اله الا الله" فوق قصر بكنغهام و كل القصور السيادية في اوربا غدا موضوعا بمتناول اليد. كل ما يحتاجون له هو الصبر و السعي لزيادة معدلات تكاثر المسلمين. بيد ان ما يفعلونه الآن من العمليات الارهابية و التصرفات السلبية و الفوضوية يجري في عكس ذلك. فهذه العمليات و التصرفات (كالاصرار على لبس البرقع) اخذت تعمق الاسلام فوبيا و تستنفر الجمهور الغربي لأتخاذ الاجراءات للحد من ورود المسلمين و تجنيسهم و اقامتهم. اصبح موضوع تقييد الهجرة من المواضيع الرئيسية في الانتخابات البريطانية الأخيرة و كل انتخابات في اوربا. تقول الأخبار ان وضع المسلمين ، ولاسيما الباكستانيين، غدا عسيرا تماما في امريكا بما جعل بعضهم يفكرون في الخروج منها . و اصبح حصول المسلمين على سمة دخول اليها من اصعب المهمات.
وهذا ما يحدوني للقول بأن الاسلاميين قد سجلوا كول على انفسهم.
و حتى في غياب الأكثرية ، فأن وجودهم كأقلية كبيرة يعطيهم الفرصة للتأثير على سياسات الغرب و الارتقاء الى مراكز قيادية والتغلغل في ميادين استراتيجية، كالتجارة والاكاديميا. و لكنهم الآن مقيدون بسبب الخوف منهم. لا تسمح لهم الجامعات الآن مثلا بدراسة المواضيع الحساسة ، كالذرة. و يترددون بالسماح لمسلم في دخول ميادين استراتيجية. و يواجهون صعوبة في نيل اصوات الناخبين في الانتخابات. وهذا كله كول آخر سجله الاسلاميون على انفسهم.

Thursday 20 May 2010

العالم 20- 5 -10

فكاهات فكاهة البداهة

خالد القشطيني

من ظرافات الفكاهة صياغة امور بداهية بطابع الجد والحكمة . شاع من ذلك الكثير في مداعبات الكوميديين العالميين. و لكن لنا نصيبنا منها. كيف لا؟ و قد اسمعنا صدام حسين و قادة البعث نماذج عجيبة منها. بل و اسمعنا الكثير من نوابنا شيئا منها. وما زلنا نسمع. و لكن شعرائنا لم يقصروا في ذلك. برع منهم ابن سودون في كتابه :" قرة الناظر و نزهة الخاطر." وكان شخصية هزلية مرحة ترك لنا آثارا ضاحكة منها المعروف و منها المغمور على سبيل التقرير البديهي للبديهيات من نوع " و فسر الماء بعد الجهد بالماء." من انتاجه القصيدة التالية من هذا الغرار حفظناها في طفولتنا من باب ادبيات الأطفال:
عجب عجب عجب عجب بقر تمشي و لها ذنب
و لها في بزبزها لبن يبدو للناس اذا حلبوا
لا تغضب يوما إن شتمت والناس اذا شتموا غضبوا
من اعجب ما في مصر يرى الـــكرم يرى فيه العنب
و النخل يرى فيه بلح ايضا و يرى فيه رطب
او سيم بها البرسيم كذا في الجيزة قد زرع القصب
زهر الكتان مع البلسا ن هما لونان و لا كذب
و قناطر ام الخمس بها ماء في الحفرة ينسرب
و الخيمة قال الناس اذا نصبت فالحبل لها طنب
و المركب مع ما قد وسقت في البحر بحبل تنسحب
البيض اذا جاعوا اكلوا و السمر اذا عطشوا شربوا
و الناقة لا منقار لها و الوزة ليس لها قتب
لابد لهذا من سبب حزّر فزّر، ماذا السبب؟
الم اقل؟ تقرأ هذه الكلمات فتتصور انها جزء من خطبة لأحد قادتنا السياسيين. و كذا اقول بالنسبة لقصيدة ابن سودون الأخرى:
اذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما تيقن ان الأرض من فوقها السما
و إن السما من تحتها الأرض لم تزل و بينهم اشياء إن ظهرت ترى
و اني سأبدي بعض ما قد علمته لتعلم اني من ذوي العقل و الحجا
فمن ذاك ان الناس من نسل آدم و منهم ابو سودون ايضا و إن قضى
و ان ابي زوج لأمي و انني انا ابنها، و الناس هم يعرفون ذا
و كم عجب عندي بمصر وغيرها فمصر بها نيل على الطين قد جرى
و من عجائب الشاعر قوله:
البحر بحر و النخيل نخيل و الفيل فيل و الزراف طويل
و الارض ارض و السماء خلافها و الطير فيما بينهن يجول

الشرق الأوسط 20-5-10

المتعة فن و الخدمة متعة

خالد القشطيني

كثيرا ما احزن بل و ارثي لمعظم المغتربين الذين يعانون من الوحدة و الضياع و احيانا المرض و الأكتئاب. فالكثير منهم يعيشون على المساعدة و ليس لهم اي عمل يشغلهم. لا يعرفون ماذا يفعلون بكل هذا الوقت الضائع و الفارغ من حياتهم. و العجيب في شأنهم انهم يعيشون في هذه العواصم الغربية التي تعج بالفعاليات ، موسيقى و رقص و مسارح و معارض و متاحف ، و اكثرها مفتوحة مجانا. لماذا لا يذهبون و يستمتعون بها؟ الجواب هو ان المتعة في مجتمع متحضر تتطب قدرا من الثقافة. فالمتاحف لا تعني شيئا بالنسبة لمن لا يعرف التاريخ. و الموسيقى و الغناء و الرقص يتطلب بعض الأمام بهذه الفنون. و كذا بالنسبة للمعارض و الاعمال التشكيلية. هذا من نقائص التعليم في مدارسنا. لا يوسعون مفاهم الطفل ليستطيع الاستمتاع بجمال الحياة و روعة الفنون. يضطر احيانا لملأ الفراغ في حياته بالشغب و الارهاب و الأدمان. اجد المواطن العربي لا يستمتع في شيء غير الأكل و الجنس ، و كلاهما لا يستنزفان من وقته غير دقائق قليلة. فكيف يقضي الساعات الطويلة المتبقية؟ نعم ، بالهذرفة و الشغب و العراك مع اهله و صحبه و حكومته. اضيف التلفزيون اليها مؤخرا.
الخدمة باب آخر من ابواب الاستمتاع بالحياة التي لم يعلمونا عليها، رغم كل ما يوصينا به ديننا من اعمال الخير. و لكن الكثير من الغربيين يجدون متعتهم، و سلواهم اذا عانوا من شيء، في القيام بخدمة الآخرين، المشردين و المقعدين و المحتاجين ، الخ. تجدهم احيانا يتركون اعمالهم و عوائلهم و يذهبون الى اقاصي افريقيا لمساعدة الجياع و المرضى. انه شيء يعطيهم سعادة داخلية و شعورا بالرضى و الحيوية. تفقد امرأة زوجها فتجد سعادتها في حب الآخرين و خدمة الملايين.
لا تجلس و تقضي بقية حياتها في البكاء و النحيب ، و انما في العمل و المعاونة.
بيد ان عددا من المغتربين ( ذكورا و اناثا) تغذوا بهذه الروح الانسانية و كرسوا اوقاتهم لمساعدة شعوبهم. حضرت قبل اشهر حفلة خيرية قامت بها جمعية نسائية تونسية لمساعدة الأطفال المقعدين في تونس. و في السبت القادم 22 مايو ستقيم جمعية الأمل العراقية حفلة موسيقية مشابهة في قاعة الملكة اليزابث بلندن، يشارك فيها العواد احمد مختار مع هذه المجموعة الطريفة من الموسيقيين العرب و الافرنج " مجموعة بغداد" و فرقة المقام العراقي التي يقودها محمد قمر على آلة الجوزة. ستكون حفلة فريدة حافلة بالتجارب الموسيقية و الأغاني التراثية.
تضم جمعية الأمل عددا من السيدات اللواتي يجدن سعادتهن و يستمتعن بحياتهن في السعي لتحسين حياة الآخرين ، الأطفال المقعدين و الأيتام المشردين ، و النساء المستضعفات في العراق و الغربة من ضحايا كل هذه الحروب التي دكت المجتمع العراقي . سأكون واحدا ممن سيلتمس سعادته و متعته في الحياة ليس فقط في الأستماع لموسيقى المقام و العود بل و في المساهمة في مساعدة من هم اقل حظا مني، كل هذه الضحايا التي ملأ بها صدام حسين هذا البلد المنكوب.

Tuesday 18 May 2010

العالم 19-5-10

حلاّل المشاكل

خالد القشطيني

يروى عن تروتسكي قوله بأن الماركسية ستحل كل مشاكل العالم بأستثناء مشكلة واحدة، وهي الموت. و كان قولا حكيما جدا فبعد آونة قصيرة بعث له ستالين من ضربه بفأس على رأسه و فلقه و اماته فورا. لم تحل الماركسية مشكلة الضرب بالفأس، ولا انقذت حياته.
و لكن هكذا كانت قوة ايمان الماركسيين بماركسيتهم. انها تحل كل المشاكل. و للموضوع حكايات طريفة كثيرة. منها ما اورده الزعيم العمالي الن و اتكنسن في كتابه " حيوات قصيرة". و العنوان كناية عن حياة الانسان ، ولو ان بالأمكان تطبيقه ايضا على حياة الماركسية.
قال ان والدة الزعيم العمالي الآخر فرانسس هوب رأت حلمات في المنام عندما كانت تعاني من وجع في اسنانها. رأت نفسها جالسة في كرسي طبابة الآسنان و جاءها رشارد كروسمان ، الزعيم العمالي المعروف، وقد شد حوله صدرية طبيب بيضاء. و شرع يحاول معالجة اسنانها. فقالت له في منامها: " لا تكن سخيفا يا رشارد. انت تعرف انك ليس بطبيب اسنان."
اجابها قائلا: " نعم اعرف ذلك ايتها المرأة الجاهلة. و لكنني استطيع ان اعالج اسنانك بسهولة من منطلق مبادئنا الأساسية."
كان يقصد بها طبعا المباديء الماركسية. استفاقت من نومها عند الصباح فروت ذلك لهيو غيتسكل، زعيم حزب العمال عندئذ. فهو ايضا لم يستطع ان يحل مشكلة الموت ، فتوفي بعد اشهر قليلة و لكن على فراشه. وكان قد حل ضيفا على العائلة و جلس يتناول فطوره. فقال لها: " إن ذلك الحلم و جواب كروسمان عليك ، يفسر تفسيرا كاملا لماذا سأصر على عدم اعطائه اي منصب في اي حكومة يقدر لي ان اشكلها."
و بالفعل لم يصبح كروسمان وزيرا في حكومته. اكتفوا بترشيحه للجنة الأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية فأوصى بتقسيم فلسطيني و خلق للعالم هذه المشكلة ، و ايضا من منطلق المباديء الاساسية على ما يظهر. يا ليته بقي يقوم بمعالجة اسنان الناس، و لو في الحلم.
و حدث ان اتهمت مجلة السبكتيتر هذا الثلاثي العمالي المرح ، فرانسس هوب، و رشارد كروسمان و هيو غيتسكل انهم كانوا سكارى في اجتماع الأممية الاشتراكية في فينا عام 1957. فأقاموا دعوى عليها بتهمة القذف. من عيوب الماركسيين كثرة الثرثرة ، وهو ما فعله كروسمان اثناء المحاكمة فقاطعه محامي الدفاع قائلا: " تذكر يا سيدي انك لست في البرلمان لتسترسل في الكلام كما يعجبك."
فمسك لسانه و نال بذلك من المحكمة تعويضا من مجلة السبكتيتر بمقدار 2500 باوند. سمع بالقرار زميلهم الآخر في النضال ، سدني جاكوبسن ،فشهق و قال: " آه لو استطيع الحصول على 2500 باوند خالصة من الضريبة لمجرد اتهامي بالسكر، لسرني ان يتهمني اي انسان بالسكر."
اسوق كل هذا الكلام على هامش الهزيمة التي مني بها حزب العمال مؤخرا. و لكن غوردن براون لم يخسر الانتخابات بسبب " المباديء الاساسية". و انما – وهو ما يقوله الماركسيون – لأنه لم يتمسك بها.

العالم 18-5-10

من اعباء الحكم

خالد القشطيني

تحمل من تضيق بتحمله و احترامه مشقة واحدة من مشقات الحكم. فكثيرا ما يضطر الحاكم و الموظف المسؤول الى مداراة و مجاملة اشخاص يكرههم و يحتقرهم و لكن واجب الحكم و المسؤولية تفرض ذلك عليه. وهو تماما مثلما يضطر المرء الى تحمل هذيان امرأة حسناء من اجل نيل مرامه منها. لا بد ان يعاني الكثير من المسؤولين في العراق الآن من عبأ تحمل مقابلة الكثيرين من الجهلاء و الخرافيين طمعا بمرضاتهم و مساندتهم و خوفا من فتاواهم. تماما مثلما يقتضي على الكثير من المفكرين و المثقفين الأفاضل تحمل هؤلاء المسؤولين الجهلاء و اظهار الأحترام لهم حرصا لى تمشية معاملاتهم او الحصول على وظيفة او مكرمة منهم.
وجد الكساندر، قيصر روسيا مشقة في مخاطبة نابليون الثالث الذي اعتبره دعيا و رخيصا اغتصب الحكم. لم يعرف كيف يخاطبه. فأضطر الى استعمال صيغة " صديقي الامبراطور" بدلا من الصيغة المتعارف عليها " اخي الأمبراطور". شكى نابليون ذلك الى الملكة فكتوريا فأجابته بما عرفت عنه من الحكمة و قالت له. " يجب ان تعتز بذلك و لا تنزعج منه. فالأخ شيء يفرض عليك بالولادة . و لكن الصديق شخص تختاره بارادتك."
كان الملك جورج الخامس يكره المؤتمرات الدولية لأن الكثير ممن يحضرونها اناس رعاع. و كان آخر ملك يلعب دورا مهما في شؤون بلاده و يتدخل في عمل الحكومة. سمع بأن رئيس وزرائه لويد جورج سيذهب لحضور مؤتمر جنوة عن السلام العالمي. فبادره قائلا: ": هل افترض انك ستذهب الى هناك و تقابل لنين و تروتسكي؟" فأجابه قائلا: " لا استطيع ان اختار من يقتضي علي مقابلتهم في خدمة جلالتكم. فقبل ايام قليلة ، اقتضى علي ان امد يدي و اصافح جناب سامي بك. الرجل الوضيع الذي اختفى من المفاوضات ليوم كامل حتى عثروا عليه في بيت دعارة في شرقي لندن. كان يمثل حكومة مصطفي كمال اتاتورك... لا بد ان اعترف لجلالتكم بأنني لا املك اي خيار في مقابلة مثل هؤلاء الناس!"
علما بأن الملك نفسه لم يملك هذا الخيار فصافح لويد جورج عالما بأنه كان يعيش سرا مع عاهرة! و في حكاية اخرى ، رواها هارولد نكلسن ، قال ان الملك جورج الخامس اضطر لاستقبال انطوني ايدن في الغرفة الشمالية من قصر بكنغهام بسبب أصلاحات في البهو الرسمي. و كانت الغرفة الشمالية تقابل الساحة التي يقوم فيها الجوق الملكي بعزف الموسيقى. اعتذر لأنطوني ايدن عن ذلك و قال له انه اصدر اوامره الى الجوق بالا يقوم بالعزف اثناء الاجتماع. تحدث وزير الخارجية عن المهمات التي سيقتضي عليه القيام بها ثم انتقل الى ذكر الشخصيات التي سيلتقي بها من المشاركين في المفاوضات. و كان بينهم طبعا مثلوا الحكومة البلشفية الجديدة للأتحاد السوفيتي. فضرب الملك على الجرس لينادي الخادم. و عندما حضر بادره جلالته فقال له ، يمكنك ان تخبر قائد الجوق الموسيقي بأن يباشر في العزف و التمرين.

الشرق الأوسط 18-5-10

عود للبيئات و الجينات

خالد القشطيني

هذا نقد و سوآل وجيه من القاريء جمال قريو من السويد . يقول ما كان يصح لي ان اخوض في هذا الموضوع المعقد عن البيئة و الوراثة في مثل هذه الزاوية الوجيزة. لقد استنزف من العلماء مجلدات طويلة و قصروا فيما انتهوا اليه، و انا اسعى لحسمه في بحر اربعمائة كلمة.
هذا شيء اعترف بنقصه و بنقصي انا ايضا. فما انا من العلماء و لا كان العلم من اختصاصي. لماذا ازج نفسي في هذه المواضيع؟ افعل ذلك لأنني اعتبر العلم مفتاح المعرفة و النجاح في الحياة و السياسة. و به تفوق الغربيون علينا. وهذا غرضي في الخوض فيما لا اعرف. أتأمل من ورائه ان يتعلم جمورنا على النظر في الأمور من زاوية علمية بعيدا عن الخرافات و الخزعبلات. يعتقد الكثيرون مثلا ان اليهود قصار القامة لأن الله غضب عليهم و جعلهم هكذا. و لكن العلم يتطلب منا اولا ان نتحقق هل اليهود فعلا قصار القامة؟ نتنياهو ليس قصيرا. هل نستنتج منه ان اليهود طوال القامة؟ فالأخ عامر العامري يرد علي من اسبانيا و يقول ان الافريقيين ليسوا قصار القامة لأنه رأى ابطالهم في كرة القدم طوالا؟ ايجوز علميا ان نحكم على امة كبيرة بحسب ما عندها من لواعيب كرة القدم؟ يا عزيزي الأخ العامري، الأجادة في الكرة يتطلب قامة طويلة. هكذا اصبح الطوال متميزين فيها و جرى انتخابهم على هذا الاساس و لكنهم لا يمثلون معدل طول ابناء شعبهم. انهم نخبة في طول البدن ولكن ربما فئة سيئة في قصر العقل، كما اجدهم غالبا.
يعلمنا العلم على التريث و الشك فيما نسمع، حتى فيما يقوله المعلم في المدرسة. علينا ان نفكر و نتحقق. هل إن ما سمعناه صحيح؟ ما الذي يسنده من حقائق و تجارب؟ يقول القشطيني ان بشرة المسيحيين في بلاد الشام بيضاء و عيونهم فاتحة و شعرهم اصفر. هل هذا صحيح؟ سرعان ما تجد ان المسلمين هناك ايضا يتسمون بهذه الصفات! و الآن لديك هذا السوآل: لماذا اتصف عرب بلاد الشام بهذه الصفات في حين غلبت السمرة و الشعر الأسود على عرب الجنوب؟ لماذا نجد العراق يعاني من الفساد والمحن ؟ هل هي نقمة من السماء لقتلهم الحسين و الملك فيصل؟ ام هي نتيجة للحكم الاجنبي عبر القرون ، ام بسبب الخلطة العرقية و الطائفية للشعب ، ام بسبب ما قيل عنهم من الشقاق و النفاق؟ ما العوامل الطبيعية و المناخية و التاريخية التي تعلم الناس على الفساد و الشقاق؟
وهذا ما اقوله. هذه الزاوية ليست جدولا بالحقائق و المعارف. و سبق ان حذرت من اخذها كمصدر. إنها زاوية ساخرة تتحدى القاريء و تستفزه للتفكير فيما سمع وسلم به. تدعوه لاستعمال العقل و التحليل العلمي و ادراك اوجه النظر المختلفة لذات الموضوع. وهذه مهمة صعبة. فكثيرا ما وجدت مواطنا لا يصيبه السرطان الا واسرعت زوجته للتفكير بالعفاريت و السحر و عين الحسود التي تسببت به. قلما تتذكر السكائر التي دخنها. و حتى المثقفين منا، لا تفلس حكومتهم الا و ارجعوا افلاسها
لموآمرة استعمارية ، وهي النسخة الحديثة من دنيا الخرافات.

Monday 17 May 2010

الأسبوعية 16-5-10

الزهاوي في مسار الجاحظ

خالد القشطيني

جسّم جميل صدقي الزهاوي وحدة الشعب العراقي في كونه كردي المولد، تركي اللسان، عربي القلم، و حمل بين جوانحه الروح الرافدينية المتمثلة بالعلمانية و العقلانية. و لكن اغلب الناس يجهلون جانب الظرف و الفكاهة من شخصيته. قلما نظر اليه احد كعلم آخر من اعلام الفكاهة العراقية. و رغم اختلافه عن الجاحظ في كونه شاعرا و الجاحظ ناثرا، فأنه في الحقيقة تابع مسار ذلك العالم الظريف في عقلانيته وعلمانيته.
بعد ان غيب الموت تلك النجوم الساطعة من نجوم الفكاهة و السخرية العربية ، ابن الرومي و ابن المقفع و ابو نوآس و كل تلك الشلة التي نعتز بظرفها، و غيب المغول عاصمة الخلافة، انطوت صفحة الظرف العربي في بلاد الرافدين. بيد ان الفكاهة لا يمكن ان تموت. و كان الزهاوي ممن واصل ذلك التراث على طريقته و مزاجه.
لا اجد شيئا يمثل تلك الشخصية المركبة التي مزجت بين العلم و العقل و الشعر و الظرافة كتفسيره " العلمي" لظاهرة جاذبية الكرة الارضية. نشر كتيبا في الموضوع و مقالات عديدة ينفي فيها فكرة الجذب و يستبدلها بفكرة الدفع. فحسب رأيه ، الأجسام لا تسقط على الأرض بفعل جاذبية الأرض و انما بفعل قوة دافعة من الأجرام السماوية تتمثل بجزيئات تنطلق منها و تقطع ملايين الأميال وترشق كل شيء في طريقها و تدفعه باتجاهها فيسقط علينا، على الأرض. انها بدون شك "تحشيشة" ظريفة جره اليها ايمانه بأنه فيلسوف ولا خير في فيلسوف لا يأتي بنظرية علمية جديدة. و كانت نظرية الرشق و الدفع من اعظم نكات الزهاوي في رأيي.
و واصل الشاعر خوضه في الشؤون العلمية فبشر بنظرية التطور. سمع احد المواطنين بما قال فاعتبره زندقة وكفرا بالله . قصده في المقهى المعروف بإسمه ، مقهى الزهاوي في شارع الشرطة. و تحداه : كلب كافر! تقول الانسان طلع من القرد؟ يعني آني ابويه كان شادي؟"
مسك الزهاوي بذقنه و مد وجهه المغضن القبيح و لحيته المنتفة نحو الرجل و قال له : لا ابني، لا . انا ما قلت انه ابوك كان قرد . انا اقول آني ابويه كان قرد."
و كان الشاعر عالما حق العلم بالمدى الكاريكاتيري لوجهه. ففي مجلس السيد محمود صبحي الدفتري ، جاءه الوحي فارتجل بعض الاشعار الأخوانية وقال:
جمع الأديب الحر صبحي شملنا في داره ، اكرم بها من دار
لو لم تكن لي لحية و ســــــدارة لحسبتني طيرا من الأطيار
كان المفروض ان يقول " لحسبتني قردا من القرود"، و لكن القافية منعته من ذلك. انطقه هذا التوأم الأدبي في شخصيته ، توأم العلم و الفكاهة ، كثيرا من الكلمات البليغة. اشتهر منها ما قاله في مجلس المبعوثان العثماني عندما كان نائبا فيه و طرحوا فكرة تدريس صحاح البخاري في الكلية البحرية التي اسسوها عندئذ ضمن مناهجها الدراسية. وقف و خاطب المجلس قائلا:
آسف. يظهر ان هناك سوء فهم في الموضوع. فالبواخر لا تمشي بالبخاري. و انما بالبخار!"
قال وضج المجلس بالضحك. و عاد النائب الشاعر الى بيته سالما لم يعتد عليه احد و يتهمه بالسخرية بالدين. كانت ايام خير و الناس كان عندها عقل.

العالم 17-5-10

في مسيرة الديمقراطية(11)

الدنيا الفانية و الدنيا الباقية

خالد القشطيني

بعد سقوط الأمبراطورية الرومانية و سيادة المسيحية على اوربا و البحر المتوسط، انمحت معالم الديمقراطية الكلاسيكية و اتخذ الانسان نظرة جديدة نحو المجتمع و العالم. فلسف هذه النظرة القديس اوغسطين في كتابه "مدينة الله"(423م) حث فيها المؤمنين على تحاشي التركيز على مشاكل هذا العالم ، فهذا العالم دنيا فانية و مجرد جسر نحو ملكوت السماء ، الدنيا الباقية . المطلوب هو التوجه نحو العبادة و الذوبان في الذات الالهية. و في هذا المسعى تبرز السلطة الدينية ( الكنيسة) فوق السلطة الدنيوية ( الحكومة). اختفت في هذا الإطار الأوغسطيني الأفكار القديمة التي طورها الأغريق عن المواطنة و حقوقها و دور المواطن الفرد في الحكم و كمصدر للسلطة و ككيان مستقل له حرياته . لم يعد للديمقراطية اي مكان في مناقشات الرهبان و القسان.
بيد ان المسيحية حافظت على بعض الأفكار الكلاسيكية كالمساواة ، و إن استثنت منها بعض الفئات كالرقيق. و اكدت بصورة خاصة على الإحسان واعمال الخير و ضيقت من ناحية اخرى على الحريات الفردية و شهوات البدن.
انطمر التراث الأغريقي كليا في اوربا حتى ظهر العرب على المسرح و قاموا بترجمة ارسطو و افلاطون و نشروا افكارهما و تشربوا بها. و عن طريقهم ، و بصورة خاصة على لسان ابن رشد، انتقل ذلك التراث العقلاني الى اوربا و تأثر بها الكثيرون ، و على الخصوص المنظر اللاهوتي الشهير اكويناس (1274م) . حاول هذا المزج بين العقل و الايمان في معالجة الشؤون السياسية. اوصى بالحكم الملكي كأحسن نظام صالح شريطة ان يلتزم الملك بما اسماه الشريعة الأبدية ، اي شريعة الله. و اذا لم يلتزم بها فتحق الثورة عليه والأطاحة به. من يقرر ذلك؟ الكنيسة هي التي تقرر.
نشأ في هذا الأطار ذلك التحالف بين الكنيسة و العرش و تمثل بتتويج الملك في الكنيسة و تقديسه فيها من قبل رئيس الاساقفة. ظهرت بفضل ذلك فكرة الحكم الالهي، او الحكم المطلق الذي جسمه الملك لويس الرابع عشر في كلمته الشهيرة " الدولة انا." و طوّر ابنه لويس الخامس عشر(1774م) هذا المفهوم بهذه الكلمات:"
" تنحصر سيادة الحكم في شخصي فقط. لا يملك السلطة التشريعية احد سواي او يشاركني فيها احد. تتمثل بالضرورة حقوق الأمة و مصالحها في شخصي انا و تستقر بيدي."
الحقيقة ان المفهوم الاوربي للحكم لم يختلف كثيرا عن الحكم الاسلامي . و لكن المسيحية حددت من هم " اهل الحل و العقد" التي تركها المسلمون غامضة بأنهم اساقفة الكنيسة. و كان من حظهم ان المسيح لم يخلف ذرية ليتنازعوا بشأنها و لم يعرفوا القبلية العربية ليخوضوا في موضوع النسب، و إن جرت بينهم "حروب وراثة " دامية . كما ان خليفة المسلمين لم يستطع ان يقول ما قاله ملك فرنسا و يدعي بأن السلطة التشريعية بيده وحده. الشريعة عند المسلمين موجودة في القرآن الكريم و السنة النبوية.

Sunday 16 May 2010

العالم 16-5-10

الولاء للأسماء

خالد القشطيني

تعرضت في مقالة سابقة الى موضوع تغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي الى اسم آخر يتناسب مع ما تجدد من مناهجه و اساليب عمله. معظم من اصادفه في الغرب من قدامى الرفاق يميلون الى ضرورة تغيير اسم حزبهم القديم. يقولون هذا ما فعلته معظم الأحزاب الشيوعية في العالم. بيد ان احد اصدقائي تحداني في الموضوع ، قال ترضى انت يغيرون اسمك من خالد القشطيني الى بيتر كتكتوني لأنك انتقلت الى اوربا وغيرت مجرى حياتك؟ سوآل وجيه له ابعاد كثيرة. قلت له لم يعد اسمي الحالي ملكا لي لأستطيع تغييره. انه اسم قلمي. واذا غيرته فستتوقف هذه الصحيفة عن نشر مقالاتي. فالقراء كما اشعر لا يعبؤن بما اقول . يقرأون المقالة لأن عليها اسم خالد القشطيني، وهذا شأنهم مع اكلهم وشربهم ايضا. يفضلون الويسكي على العرق لأنه مكتوب عليه " ويسكي."
و لكن وراء تمسكي بأسمي بعدا آخر، وهو الحرص العربي و الاسلامي على الأسم. وهذه مشكلة اصبحت تواجه المغتربين. فمن اسرار نجاح اليهود عالميا استعدادهم لتغيير اسمائهم حسب ظروفهم الجديدة. كل اليهود تقريبا الذين نزحوا من العراق لى اسرائيل غيروا اسمائهم العربية. و كان من اول ما فعله اليهود المهاجرون من اوربا الشرقية و الوسطى الى بريطانيا و امريكا ان غيروا اسمائهم الى اسماء انغلوسكسونية نمطية حتى لم يعد بالأمكان معرفة اصولهم و جذورهم. الكثير من اليهود الوزراء و النواب في البرلمان في بريطانيا يحملون اسماء غير اسمائهم الاصلية.
نصحت زملائي العرب ان يحتذوا بذلك ليستطيعوا التقدم في مهنتهم، ولاسيما بالنسبة لمستقبل أولادهم، وخاصة بعد هجمة الاسلامفوبيا ( الخوف من الاسلام) . واجه بعض اقاربي في فرنسا مشكلة في التجنس عندما سألهم الموظف لماذا سميتم اولادكم بأسماء عربية و ليس فرنسية؟
و لكننا نواجه مشكلة هنا ، و بصورة خاصة بسبب القيمة الدينية. فلا يسهل على رجل بأسم سيد محمد علي ان يغير اسمه الى مستر جون مكسويل او يسمي اولاده بإسم هنري او فرانسس ، اليزابث او مرغريت. نصحت الجراح القدير سامي البنا ان يحذف حرفي التعريف من اسمه " ِal " حرصا على مستقبله. فهذان الحرفان يكشفان عن اصله العربي الاسلامي. فلا المرضى العرب يأتون اليه لأنه غير انكليزي مضبوط ولا المرضى الانكليز يأتون اليه خوفا ان يكون عنده قنابل في العيادة.
الاسماء تعني الكثير لدينا و نعتبرها جزء من شرف العائلة، نعتز بها و ندافع عنها. شعر الكثيرون بأنزعاج عميق من امر صدام حسين بحذف الألقاب من اسمائنا. و رفض كل اقاربي في العراق الانصياع لهذا الأمر. كتب شكسبير متسائلا على لسان جولييت : " ماذا في الأسم؟ فالوردة تعطي نفس الأريج مهما سميتها." و لكن شكسبير كان انكليزيا. لو كان عربيا لما استطاع ان يشم رائحة الوردة قط اذا سميتها بغير اسمها فقلت صونة او جيفة او جرّية، او اطلقت عليها اسما من الاسماء الطائفية التي تمقتها الطائفة الأخرى.

الشرق الأوسط 17-5-10

ابن آوى و الدجاجة

خالد القشطيني

تردني بين يوم و آخر على الانترنت شتى الفتاوى و اخبار الفتاوى التي يصدرها مشايخ من مشارق ديار الأسلام و مغاربها دون ان تكون لي و لا للكثيرين من غيري اي معرفة عن اهلية الرجل في اصدار مثل هذه الفتوى. لا بأس في الفتاوى العقلانية و الشرعية فهي تدل على حيوية دين محمد و مقدرته على مواكبة الأحداث و تطورات الزمن. بيد ان بعض هذه الفتاوى التي اخذت تدور بين الناس لم تعد تثير في قلوبنا غير الضحك و العجب و الاستنكار. لا اريد ان آتي بعينات منها فأكون بمثابة ناقل الكذب و الزور، بل و الكفر، لاسيما و ان بعضها راح يمس طهارة صحابة رسول الله ، صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين.
بيد انني تذكرت و انا افكر في الأمر ، الحكاية الفولكلورية التي شاعات بين اهل العراق عن ذلك الثعلب العجوز و الحكيم. قالوا ان زوجته الثعلبة المصون لاحظت ما بدا على زوجها الثعلب الحكيم من معالم الكبر و الشيخوخة فقالت له ، يا حبيبي ابو ثعلبون ، لقد بلغت من الكبر عتيا و آن لك ان تسلم مهمات الصيد لأولادك ، كما يفعل كل هؤلاء الوزراء الفاسدون في هذا البلد. علمهم على الصيد و القنص و خلهم يجربون حظهم و يتعلمون. هز ابو ثعلبون رأسه استحسانا لكلمات زوجته ، وهو ما لا يفعله الكثير من رجالنا.
نادى على اولاده ، الثعيلبات الصغيرة، و خاطبهم بذلك و وعظهم في كيفية الصيد و التربص للفريسة. ثم اطلقهم ليجربوا حظهم. عادوا بعد سويعات و قد مسك كل منهم بفريسته ، و كانت كلها من توافه ما يؤكل ، هذا جاء بفرخ عصفور لايكبر عن اصبع و ذاك جاء بخنفسة يابسة و الثالث جاء بفأر عليل و هلمجرا. بيد ان واحدا منهم احضر دجاجة كبيرة محمصة محمرة و مطيبة بالتوابل تسر الناظرين . تعجب الوالد من امرها فسأل ابنه عنها، كيف يا ولدي حصلت على هذه الغنيمة؟ فقال:
"رأيتهم يحملون هذه الدجاجة لأمام المسجد. و ما كاد يجلس ليتعشى بها حتى دوى صوت المؤذن من المنارة . فلم يعد بيديه غير ان يترك الدجاجة و يذهب ليتوضأ و يأم المصلين في المسجد. و فيما كان بعيدا عنها ، غافلته و سرقت هذه الدجاجة و جئت بها. وها هي امامنا طعامنا هذا المساء."
استمع الثعلب الكبير لهذا الكلام ثم التفت الى ولده و قال:
" احسنت في صيدك ، و لكن هيا بك و اسرع و اعد الدجاجة لصاحبها."
" و لم ذلك؟" قال الثعيلب الصغير متعجبا.
" سيعود هذا الأمام ليتعشى فلا يجد الدجاجة حيث تركها فيسأل عن مصيرها فيقولون له ان ثعلبا جاء و خطفها. فيخرج و يصعد المنبر و يصدر فتوى بقتل كل الثعالب في البلاد و يقول ان قتل ابن آوى ركن من اركان الاسلام. فيعمل المسلمون سيوفهم فينا... اسرع با ولدي و اعد الدجاجة اليه و لا توقعنا، نحن معشر الثعالب، في محنة هذه الفتوى."

Thursday 13 May 2010

العالم 13-5-10

اصول المائدة

خالد القشطيني

عندما استلم العمال الحكم لأول مرة في 1930، اقتضى عليهم كعمال ان يتعلموا اصول البروتوكول و الولائم. تطوع برنادرشو بأرشادهم فقال: عندما يقدمون لك طبقا فلا تمعن في اكله و تتصور انه كل ما سيكون على المائدة. هناك اطباق كثيرة ستلي ذلك الطبق!
و بالنظر لما نسمع عنه في العراق من اشخاص استلموا المناصب العالية دون ان تكون لهم اي معرفة و سوابق في التعامل مع الحياة الراقية فأعتقد ان وضعهم لا يختلف كثيرا عن العمال البريطانيين في 1930. فدعوني اشير عليهم بآداب الموائد ليتعلموا. و لن ازجهم بآداب الغربيين. فلنا في تراثنا ما يكفي.
قال بكر بن عبد الله االمزني: احوج الناس الى لطمة من دعي الى وليمة ، فذهب معه بآخر. و احوج الناس الى لطمتين ، رجل دخل دار قوم فقيل له اجلس ههناك فقال لا ، بل اجلس ههنا.و احوج الناس الى ثلاثة لطمات رجل قدم اليه طعام فقال لا آكل حتى يجلس معي رب البيت."
و يورد الوشاء في كتابه الموشى اصول الطعام الأنيق ين معشر الظرفاء فيقول:
" كانوا البادئين بالطعام. : يتناولونه بمقادير قليلة. و يأبون النهم و الشره. يأكلون وسط الرغيف، و الرقيق من البزماورد ( عجة مصنوعة باللحم) ولا يمسون العصب او العضل، ولا الامعاء و الطحال، او الكبد و النقانق ولا اوراق الخضار و اللحم المسلوق ولا يحتسون المرق و الدهن... الا ترى انهم لا ينتجعون ولا يتبصقون ولا يتثائبون ولا يستثرون ولا يتجشؤن، ولا يتمطون. ذلك عيب عند الظرفاء ، مكروه عند العلماء."
و ئذ اصبح نثر الطعام على الملابس و الاثاث و السجاد من المناظر المألوفة بين هؤلاء القوم ، انتهازية العهد الجديد، فقد كان ذلك من اقبح العيوب عند السلف ، حتى ان ابا العلاء المعري امتنع كليا عن اكل العسل بعد ان قيل له ان قطرة منه سقطت على جبته و لم ينتبه اليها وهو فاقد البصر. فأقسم الا يمد يده للعسل بعد ذلك.
و من طرائف هذا ان الحسن بن علي بن مقلة روى فقال ان ابا علي بن مقلة كان يأكل يوما فلما رفعت المائدة و غسل يديه رأى على ثوبه نقطة صفراء من الحلوى التي كان يأكلها . ففتح الدواة و استمد منها و نقطها على الصفرة بحيث لم يبق لها اثر. و قال : هذا عتب وهذا اثر صناعة. ثم انشد فقال:
انما الزعفران عطر العذارى و مداد الدواة عطر الرجال
امتلأت كتبنا بالمواعظ التي تؤكد على فضيلة التخفيف في الزيارة و الاستضافة و رذيلة الثقل و ارهاق المضيف . ومن ذلك ان محمد بن حفص اضاف فقال: دخلنا على بشر بن حارث وهو مريض. فقال له رجل ، أوصني. فقال: اذا دخلت على مريض فلا تطل القعود عنده !
و بدون شك لا تشاركه فيما بجنبه من طعام او شكولاته او فاكهة او نبيذ!

الشرق الأوسط 13-5-10

الابتسامة و مطباتها

خالد القشطيني

لابد ان يواجه التلميذ المسلم القادم من مجتمع لا اختلاط فيه بين الجنسين مشاكل كثيرة في التعامل مع الجنس اللطيف الذي يجده محيطا به في كل مكان في العالم الغربي ،و غالبا في اوضاع مثيرة . اول شيء عليه ان يتذكره ان ابتسامة الفتاة و تلاطفها نحوك لا تعني انها وقعت في حبك. فالبسمة جزء عندهم من السلوك الطيب . تجد بائعة التذاكر وعاملة البريد و الممرضة و سكرتيرة الطبيب تفعل ذلك فهو جزء من واجباتها التي يدربونها عليها.
تتسم عيوننا السوداء و المكحلة بخلقة الخالق بقوة لم تعتد عليها الأوربيات. و كثيرا ما يتضايقن و يتخوفن منها عندما يحدق و يبحلق احدنا فيهن. كان معي صديق في القطار اسرف في البحلقة بفتاة كشفت عن نصف صدرها. فداعبته ببسمة ونزعت له صدريتها و كشفت لها عن نهديها بما اضحك بقية الركاب و اضطر للإعتذار اليها. فتذكر قوله تعالى و اغضض من نظرك.
الأعتذار بكلمة sorry و الشكر بكلمة thank you من اهم الكلمات التي لن تستطيع الأسراف فيها. يستعملونها بمناسبة و بدون مناسبة. حتى اكتسبت كلمة اشكرك معان مختلفة عن اصلها. اصبحت تعني اسمح لي ، و ارجوك، و متأسف و كفاية ازعاج و ابعد عني و أي شيء يخطر في بالك. ولنا كعرب مشكلة بصدد هاتين الكلمتين: متأسف و اشكرك. كثيرا ما نمتنع عن الأعتذار لأننا نعتبره اعترافا بالخطأ و المنقصة. و العياذ بالله ! كيف يقع العربي في خطأ؟! و لكن الغربيين ، ولاسيما الانغلوسكسون، يعتبرون الاعتذار من مكارم الأخلاق و الثقة بالنفس . نجى رئيس الحكومة البريطانية قبل ايام من مأزق خطير بمجرد الاعتذار للسيدة التي شتمها. و تسمع الأم الانجليزية تمسك بطفلها عندما يسيء في شيء. لا تضربه و لا تهينه. تمسك به و تلح عليه ان يقول "سوري" لا تفك عنه حتى يقول ذلك فتقبله و تطلق سراحه. تستطيع ان تنجو من المشنقة عندهم بمجرد الاعتذار عن جريمة القتل التي اقترفتها. وبها تعالج المرأة الخاطئة خيانتها الزوجية بمجرد ان تقول لزوجها سوري! اعتقد ان للموضوع علاقة بالتقاليد المسيحية التي تنص على الأعتراف من ناحية و الغفران من الناحية لأخرى.
مشكلتنا مع كلمة " اشكرك" اننا لا نستعملها عندما يكون الفعل واجبا. القاعدة عندنا " لا شكر على الواجب." فلا تحتاج لأن تقول لبائع التذاكر او الطوابع اشكرك بعد ان تدفع له الفلوس و يعطيك التذكرة. نسيت وقلت اشكرك لجابي الباص في بغداد مؤخرا فنظر في وجهي مستاء و قال : " شنو؟ ما عاجبك؟" لقد تصور انني كنت اسخر منه. على عكس ذلك، ينتظر منك الغربي ان تشكره حتى على اداء واجبه. ويستاء كثيرا عندما لا تفعل ذلك. هذا مقلب مازلت اقع فيه باستمرار حتى في بيتي. كثيرا ما نادت علي بائعة التذاكر في لندن و قالت: " ما عندك تربية؟ الم يعلموك ان تقول اشكرك؟" عدت اليها واعتذرت و قلت اشكرك فابتسمت ابتسامة عريضة . و لكنني لم ارتكب غلطة ثانية و احسب انها وقعت في حبي.

Wednesday 12 May 2010

العالم 12-5-10

عركة على الجنة

خالد القشطيني

نسمع الكثير في هذه الأيام عن العركة على الكعكة فيما يجري الآن في العراق و لا سيما بعد الانتخابات الأخيرة. و لكن لهذه العركات العراقية تايخ طويل على ما يظهر يحدوني للتفكير بتأليف كتاب موسوعي جديد بعنوان " تاريخ العركات على الكعكات في العراق". فهو موضوع ملذ و مشوق حقا. فمن آخر ما سمعته كانت عركة على الجنة نفسها- صدق او لا تصدق!
من هذه العركات ايضا عركة بين الأكراد و العرب و التركمان على كركوك. الكرد يريدونها تنظم الى منطقة كردستان. و التركمان يريدونها تبقى تركمانية مستقلة ، او ربما تلحق بتركيا و العرب يريدونها جزء من امة عربية خالدة. و بين هؤلاء و هؤلاء هناك من يفكر بتقسيمها بين هذه الفئات الثلاث. هذه عركة على بقلاوة النفط.
و لكنني سمعت مؤخرا عن عركة بين نفس هذه الفئات على اقتسام الجنة. حدثني الزميل عبد المنعم الخطيب ، الدبلوماسي و المستشار القانوني ، انه عندما توفي جده الشيخ عبد الهادي الخطيب ، الإمام و الخطيب في جامع شهربان عندئذ في اوائل القرن الماضي خرجت جماهير المدينة من العرب في تشييعه في مواكب تقودها مجموعات من الصوفية بعمائمهم و اعلامهم و راياتهم. و انطلق هؤلاء على عادتهم في الضرب على الدفوف و الطبول و الغناء. راحوا يهوسون بهوسة تقول: " ثلثين الجنة لهادينا." لا ادري ما الذي بقي من الجنة لنا و لكل هذه الملايين من المسلمين من اقصى المغرب و موريتانيا الى مشارق الفلبين و اندونيسيا اذا كان اهل شهربان قد حجزوا لأنفسهم ثلثي الجنة بالتمام.
سمع اكراد المدينة بالهوسة فاحتجوا على ما سمعوا، و الحق معهم. لم يكن عندهم يومئذ بيشمرغا ليحاربوا و يستعيدوا الجنة، الجنستان. و لكنهم اندفعوا رغم ذلك وراحوا يطالبون بحصتهم من الجنة بإسم شيخهم كاكا احمد. و نجحوا في سعيهم بدون اراقة قطرة دم واحدة. وافق العرب على مطاليبهم فحوروا الهوسة و اضافوا اليها و قالوا:
" ثلثين الجنة لهادينا
و الثلث لكاكا احمد و كراده."
كلام جميل و إن لم يبق من الجنة شيء لبقية المسلمين. فامتعض آل البربوتي من الأمر و خشوا على مصيرهم في الدنيا الآخرة. هرعوا الى شيخ المتصوفة في مقدمة الموكب يطالبون بحصتهم من الجنة. و كان الشيخ رجلا كريما لا يغدر بحقوق الناس كما يغدرون في هذه الأيام. فعاد و حور الهوسة مرة ثانية . و انطلق القوم يضربون بدفوفهم و طبولهم و يرددون:
ثلثين الجنة لهادينا
و الثلث لكاكا احمد و كراده
و شوي شوية لبربوتي!
و اعتقد ان من المفيد و الحكمة وقد استعصت مشكلة كركوك اليوم ان يبعث كل فريق من النزاع بممثليهم الى شهربان و يحكموا اهلها في تقسيم المدينة.

Tuesday 11 May 2010

العالم 11-5-10

شاعر وقاضي

خالد القشطيني

نعرف ان العلم و الدين كثيرا ما يتناقضان و لكن المفروض ان يكون الشعر و القضاء الأكثر تناقضا. بيد ان الأدب العربي ينقض ذلك فتجده يعج بهذا المزيج الطريف. و في ذلك حكايات كثيرة. منها ما جرى بين ابراهيم الواعظ و زميله عبد الرزاق الهلالي. و جاء ذلك على هامش تناقض آخر بين اهل الهوى و رجال القضاء. فأهل الهوى لا ينفكون من الشكوى من قاضي الغرام. و القضاة لا ينفكون من الاستئناس بأقوال العشاق. وقع بمثل ذلك القاضي ابراهيم الواعظ عندما كان رئيسا لمحكمة الاستئناف في الموصل. لفت نظره بيتان امتزجت فيهما لغة الغرام بلغة القضاءحيث قال الشاعر العاشق:
شهدت على لحاظه في ريبة و اتت بخط عذاره تذكارا
يا قاضي الحب اتئد في قتلتي فالخط زور والشهود سكارى
طرب القاضي لهذين البيتين فعقد مسابقة ادبية لتشطيرهما، على عادة السلف . شارك فيها الكثيرون من اهل الموصل , ولكن ابراهيم الواعظ احب ، لأمر في نفسه، ان يشرك صديقه عبد الرزاق الهلالي فيها. و كان الهلالي في بغداد رئيسا للتشريفات الملكية. فبعث اليه بالبيتين مع شروط المسابقة مع الشيخ علي البازي الكوفي ، الشاعر و الأديب المعروف من اهل النجف الأشرف. و لم ير الشيخ اي غضاضة في ان يتوسط شيعي نجفي بين اثنين من اهل السنة يتجاذبان الكلام الفارغ. فقصده في مكتبه في البلاط الملكي و قدم له دعوة القاضي للمشاركة في السباق.
قا له و لكن ما انا بشاعر. و كما تراني ها انا اقوم بعملي كمدير تشريفات ملكية و دبلوماسي في الدولة. اجابه الشيخ. لا يتفع منك هذا الكلام. فالأستاذ الواعظ يعتبرك شاعرا و ينتظر منك ان تساهم. و كان على حق، فأكثر مدرائنا و دبلوماسيينا لا يعرفون من الدنيا غير نظم الشعر. لم يبق لعبد الرزاق الهلالي غير ان يجمع ما في نفسه و فكره من معرفة بالشعر ليشطر البيتين المذكورين فخرج منهما بهذه الابيات الأربعة و بعث بها الى صاحبه في الموصل بالبريد عندما كان البريد في العراق يشتغل و يعتمد عليه الناس:
شهدت على لحاظه في ريبة ظلما لتوقد في الأضالع نارا
جاءت تكايدني و تلك بليتي و اتت بخط عذاره تذكارا
يا قاضي الحب اتئد في قتلتي وافحص افادات الشهود مرارا
إني لأقسم بالذي هو قبلتي الخط زور و الشهود سكارى
و لكن خط عبد الرزاق الهلالي لم يكن زورا و لا كان الشهود في المسابقة سكارى ، فبعد ايام قليلة عاد لزيارته الشيخ علي البازي الكوفي ينبئه بفوزه في المسابقة.

الشرق الأوسط 11-5-10

البيئات و الجينات

خالد القشطيني

اثار القاريء الفاضل نهاد شامايا ، وهو من نصارى شمال العراق ، موضوعا مهما من مواضيع علم الأجناس ، الانثروبولوجيا، في تعليقه على ما كتبت بشأن سيماء المسيحيين العرب و هيئتهم. كنت قد قلت ان البشرة البيضاء و العيون الفاتحة ( زرقاء / رصاصية/ عسلية) و القامة الطويلة و الأنف الدقيق يعود الى انحدارهم من اصول اوربية ، روم ، صليبيين ، عساكر انجليز و فرنسيين ، وهمجرا. ينفي الأخ شامايا ذلك و يعزو هذه المميزات الى البيئة، العيش في مناطق جبلية تكسوها الأشجار والثلوج و المياه الغزيرة و نحو ذلك.
المؤسف انني تعرضت لموضوع علمي معقد في زاوية صحافية صغيرة. و ضيقها لم يسمح لي بغير تناول جانب واحد من الموضوع الذي يتطلب مجلدات. صفات الأحياء( البشر و الحيوان و النبات) تتوقف على عوامل عديدة متشابكة. لقد ذكرت فقط عامل الوراثة. لا ننتظر من اسرة افريقية سوداء هاجرت الى السويد ان تعطينا اولادا بيض البشرة زرق العيون لأنهم اخذوا يعيشون في السويد. نواجه هنا عامل الجينات. المسيحيون الأوربيون الذين اجتاحوا الشرق الأوسط تركوا جيناتهم في العوائل المسيحية العربية.
البيئة عامل آخر. و لكنها تتطلب زمنا طويلا لتحدث اثرها. اهم عنصر في البيئة حسب رأيي هو الشمس. كما اقتربنا من خط الاستواء ازدادت البشرة غمقا و سوادا ليستطيع الانسان ان يتقي اشعة الشمس القوية بتغذية جلده بالأصباغ. لهذا يتعرض الأوربي لسرطان الجلد عند معيشته في المناطق الاستوائية لأنه لا يحمل هذه الأصباغ الواقية.
لم يتعرض نصارى الموصل للغزو الأوربي كما تعرض نصارى بلاد الشام و لهذا اتفق مع الأخ شامايا بأن الوانهم الفاتحة تعود لبيئتهم الجبلية الشمالية. الدليل على ذلك ان المسلمين الأكراد الذين يعيشون في نفس المنطقة الشمالية يحملون نفس الصفات، وما هم بنصارى. العيش في محيط جبلي يفرض على البشر طول القامة ليستطيع الانسان ان يتسلق الصخور، في حين ان العيش في الغابات و الأحراش يتطلب قامة قصيرة تتقي اغصان الشجر. وهذا سر قصر قامة الافريقيين.
ما ينبغي تذكره هو ان كل هذه الصفات لم تنشأ بين ليلة و ضحاها و انما هي حصلة ملايين السنين من العيش في البيئة المعينة. السوآل الذي شغل العلماء هو كيف تنتقل هذه الصفة المشتقة من البيئة فتدخل في جينات المخلوق و تصبح جزء من موروثاته يرثها اولاده و اولاد ولاده رغم انتقالهم الى بيئة جديدة لا تتطلب تلك الصفات؟
الاقتصاد عامل آخر في سمات البشر. يتميز غالبا اولاد الأغنياء بطول القامة و بياض البشرة و جمال المحيا. و السبب هو ان ثروة آبائهم و اجدادهم مكنتهم من اختيار زوجات بهذه الصفات الجميلة. المعروف عن اليهود تاريخيا قصر قامتهم و انحناء ظهورهم. من اسباب ذلك ان رجالهم كانوا يفضلون المرأة الذليلة و المطيعة و القنوعة التي تمشي وهي تطأطيء برأسها و ظهرها. فراحت تنجب اولادا لهم بهذه الصفات. لم يفطنوا الى ان مرض السل كان غالبا هو الذي يجعل المرأة تمشي بهذا الشكل، فتكأكأ بصدرها. وهذا مما ادى الى شيوع مرض السل بين اليهود تاريخيا.
و لله في خلقه شؤون.

Monday 10 May 2010

العالم 10-5-05

في مسار الديمقراطية(10)

عالمان

خالد القشطيني

الملحوظ في ادبيات الديمقراطية الكلاسيكية ، ان ما كتبه الأغريق و الرومان بصددها يبدو معاصرا لنا و كأنه كتبه بروفسور في اوكسفورد او هارفرد قبل يومين. فجل ما يتردد فيها من مفردات كالمواطن و المواطنة و الحرية و المساواة و الأقتراع و مصلحة المجموع و مصلحة الفرد مفاهيم معاصرة نقرأها يوميا. و لكننا لا نجد شيئا منها في ادبيات التاريخ العربي. وهو ما يحدوني للقول بأن من الانفع لنا تدريس التاريخ الاوربي بدلا من التاريخ العربي الذي لا يعلمنا غير القتل و العنف و الاستبداد. التاريخ الذي يقول ان من حق القوي ان ينتزع الإمامة بالسيف و علينا اطاعته تأريخ لا يجدر بتعليمه لأولادنا. مما لاحظته في النصوص الكلاسيكية ايضا خلوها من الاشارات الدينية. كان فلاسفة اليونان يفكرون و يكتبون و كأن الآلهة لا وجود لهم. يبدو انهم كانوا يعتبرون زوس و ابولو و اثينا مجرد حكايات تصلح للمسرح و لا دور لها في حياة الناس و شؤون الدولة.
ركز المترجمون العرب على نقل ما كتبه الاغريق في الطب و الفلك ونحو ذلك ولم يعبأوا الا قليلا بما كتب عن الحكم. ترجم حنين بن اسحق " جمهورية افلاطون " و لكن المفكرين العرب لم يتأثروا بالتنظير الغربي في ميادين الحكم والسياسة. للغرب عالمهم و لنا عالمنا. و عالمنا يقوم اساسا على ارثنا ، ما وردنا في القرآن الكريم و السنة وما فعله و قاله الخلفاء الراشدون. على هذا التراث بنى المسلمون نظرياتهم و آرائهم و انحصر تفكيرهم في تفسير ما ورد و تفضيل رواية على رواية. اساس الحكم هو النسب. الولاية لا تكون الا في قريش. دور الرعية ينحصر في طاعتهم لمن تولاهم. ولا شأن لهم في اختيارهم او اختيار عمالهم.
الحقيقة ان فلاسفتنا لم يعبأوا كثيرا بهذه الأمور بعد ان اصبح الحكم وراثيا. و لكن برز منهم ابو الحسن الماوردي (1058م) في كتابه "الاحكام السلطانية". له كتاب آخر " نصائح الملوك". و كانت هذه مهمته: توجيه الحكام. فقد كلفوه بالقضاء في عدة مناطق. كان الماوردي شافعيا و تأثر بتفكير المعتزلة و تأكيدهم على العقل و العلم. تعرض لموضوع اختيار الحاكم اذا لم يكن هناك واليا على المسلمين.
رأى ان يقوم باختياره اهل الحل و العقد، وهذا اصطلاح يتكرر دون تحديد له. من هم؟ كم عددهم؟ و من يختارهم أو يعينهم؟ رأى ان من الممكن الا يتجاوز عددهم شخصا واحدا يقوم بمهمة ما يعرف في الغرب بصانع الملوك. Kings maker. اتفق الماوردي ايضا مع بقية الفقهاء في ان السيف و القوة وسيلة اخرى للحصول على الامامة. و على المسلمين ان يطيعوا الغالب. فمعصية الامام تؤدي الى فتنة و يجب تفاديها. فلا يجوز خلع الامام . بيد ان جعفر الصادق انشق عن هذا بكلمة ثورية فقال: " لا دين لمن دان بولاية امام جائر". و للأمام في عرف الماوردي ان يوصي بالأمامة لأبنه بعد موته.

Sunday 9 May 2010

العام 9-5-10

الطبقية العربية

خالد القشطيني

لم يخطر لكارل ماركس هذا النوع من الطبقية غير الدايلكتيكية التي سادت بين العرب. لقد ركز كل تفكيره على العمل. و لكن في عالمنا العربي العمل شيء ثانوي و محتقر. العربي الأصيل يكره ان يوسخ يده بأي عمل او حرفة. لا يوجد بين الأعراب اي اسم ينم عن حرفة. صديقي الشاعر فوآد حداد و صاحبي التاجر اسماعيل البنا ، و رسول الصفّارو زميلتي سلوى النجار كلهم من نفايات الحياة الحضرية و اهل المدن الوسخة. لا تجد مثل هذه الاسماء بين البدو. مهنة الأعراب هي الغزو و السلب و النهب. اذا شاؤا الاعتزاز بولد سموه " سيف" و اذا كانت انثى سموها " غزوة". و يا ويلها اذا وقعت في حب رجل اسمه نجار او لمبجي او تكمجي او جادرجي.
و لكنهم بفتح الأمصار شاهدوا اقواما يعيشون من الزرع و رأوا الماء الوافر و الارض الخصبة. فانصرف بعضهم للزراعة. وبذلت الحكومات جهودا كبيرة لحملهم على الاستقرار. و لكن البدوي الاصيل ظل يحتقر المزارعين. مهنة البدو خارج الحرب هي الرعي. وهنا ايضا توجد طبقية، فراعي الأبل يحتقر راعي الغنم و المعز. اما من يربون البقر و الجاموس فهم احقر ممن يعيش من البغاء و التعرصة.
و للزراعة ايضا طبقياتها. فمن يزرع الخضروات ، الطماطا و الباميا و الباذنجان ، شخص وضيع غير اهل للزواج بأبنتك او اختك. المزارع الشريف يزرع الحبوب. وهنا ايضا توجد طبقية فرعية. فأبناء الفرات و الجزيرة يحتقرون ابناء العمارة و القرنة. فهؤلاء معدان يعيشون من زراعة الشلب. الرجل المحترم، الشمري او العنزي، يزرع الحبوب، الحنطة و الشعير. لماذا؟ لأن زراعة الشلب تتطلب جهودا مضنية و الخوض بالمياه و الطين. يصدق هذا التمييز الطبقي على من يحترفون الصيد. فصياد الغزلان في البادية يحتقر كل من يعيش على صيد السمك في الأهوار.
جرت معركة ضارية في السنين الخوالي بين اهل النجف و بني البو حداري ، مني بها النجفيون بهزيمة منكرة. فانبرى الشاعر الشعبي يسخر منهم بهذه الهوسة الظريفة:
هاكم شيلنه و اعطونا خواجيكم
ذولة اهل الطماطا اشعملوا بيكم؟
لا بأس ان تنهزم. و العرب يقولون " ثلثين الشجاعة الهزيمة" . و لكن هذا ينطبق على من يهزمونك من زراع الحنطة و الشعير اما ان تنهزم امام زراع طماطا فيا للعار!
ظهرت اخيرا في المدن الكبرى طبقة متوسطة يعيش اكثر ابنائها من التطفل على الدولة بأسم الوطنية و الدين و خدمة الشعب. وهنا ايضا نلاحظ تقسيما طبقيا آخر. فمثلا من يسرق من اموال الدولة يحتقر من يعيش من قبض الرشوة . و المرتشون ايضا طبقات. فمن يأخذ رشوة من النصارى يحتقر من يأخذ رشوة من المسلمين. و بالطبع يعتبر من يتمتع بمنزلة عالية كل من لا يأخذ رشوة من الجمهور ولا يسرق من اموال الدولة و انما يقبض من الدول الاجنبية لقاء ما يقدمه لها من خدمات و خيانات و تجسسات . يمثل هؤلاء في عالم الفساد العربي من يمكن تسميتهم بأرستقراطية الطبقة الفاسدة. يحلم كل شاب خريج جامعي بالانتساب لهم ، الزواج ببناتهم ، و اغراء نسائهم والعمل في مكاتبهم ، السمسرة لهم ، التهريب لأموالهم و عمل كل ما ينال مرضاتهم عنه و ثقتهم به.

Saturday 8 May 2010

العالم 8-5-10

المرأة بين الزلزال و البركان العالم 8-5-10

خالد القشطيني

نعم ، كنت اتصور المرأة تثير بركانا في قلوب الرجال و تزلزل عقولهم، و لكنني لم ادرك انها تفعل ذلك ايضا بالكرة الارضية. وهو ما قضى به الرئيس احمد نجاد في قوله بأن تبرج النساء في ايران ادى الى اصابة طهران بالزلزال. قال ذلك على هامش البركان الذي دك ايسلاندا و سبب توقف النقل الجوي. لا شك ان متدينين اصوليين آخرين قد فسروا ايضا انفجار هذا البركان كعقوبة من الله تعالى على شيوع لبس المني جوب بين الفتيات. زج الخالق في تفسير هذه النكبات الطبيعية شيء قديم و مازالت تمارسه سائر الشعوب ، او على الأقل المؤمنون منها. كانت والدتي رحمها الله تفسر احمرار سماء بغداد اثناء العواصف الترابية ( الطوز) فتقول انها دماء المسلمين الذين يقتلهم الكفار في مكان ما من العالم. وهو تفسير مقبول عندي. فهو اشارة لما يعانيه المسلمون ، و إن كنت اميل للآعتقاد بأن من كان يقتلهم هم ليس الكفار و انما حكامهم الوطنيون و اخوانهم في النضال.
وعلى خلاف ما قاله احمد نجاد، لم تشر والدتي الى مسؤولية المرأة عن احمرار سماء بغداد. لم تقل مثلا انه دم بكارات الفتيات الفاسقات. المعتاد هو ان تتحمل المرأة المسؤولية عن كل ما يصيب الكرة الارضية.
تعرضت مدينة لشبونة في القرن الثامن عشر الى زلزال مشابه لما اصاب طهران و مات فيه مئات من البرتغاليين. عزت الكنيسة الكاثوليكية وقوع ذلك الى الفسق الذي عشعش في البلاد و استدعى تدخل الرب للأنتقام من الناس. و اصبحت تلك التهمة مناسبة لفولتير لشن اكبر حملة فلسفية على الكنيسة. فلو ان الرب بحكمته و عدالته صب غضبه على المسؤولين و المسؤولات عن الفسق و الفساد و التبرج لتقبلنا ذلك. و لكن كيف يمكن لرب رحيم ان يفتك بأطفال و شيوخ عجائز و مرضى مقعدين عن ذنوب لم يشاركوا فيها؟ كيف نندد بالأسرائيليين لقصفهم غزة و قتل عشرات الاطفال الابرياء فيها ثم نشكر الله على فعل نفس الشيء في طهران و لشبونة؟
و مع ذلك ، أستطيع ان افهم غضب الرب على طهران لفسادها و فسقها. و لكنني لا افهم مطلقا ان المرأة هي المسؤولة عنه بإغرائها للرجل. فمن تجاربي الطويلة في دنيا الحب و الهوى ، لم التق بأي امرأة ، من شتى القوميات و الجنسيات و الاديان و الأعمار ، تولت هي مسؤولية اغرائي. الرجل دائما هو الذي يغري المرأة . وهذا جزء من سنن الطبيعة ، سنة بقاء الأصلح . الرجل يهجم و المرأة تقاوم. تحميل الانثى المسؤولية عن الفسق من ابشع الافتراءات الذكورية. لماذا نعيب على الفتاة تجميل و تعطير نفسها و لا نعيب ذلك على الشاب الذي يقضي نصف ساعة يوميا في حلاقة وجهه و شواربه و تجميل هيئته، و الوقوف في الشباك و رأس الدربونة يعاكس كل من تمر؟ لماذا لا نحمله مسؤولية اغراء بنت الجيران؟