Sunday 29 August 2010

الاسبوعية 30-8-10

قرضا حسنا في باكورة رمضان

خالد القشطيني

هذه حادثة عجيبة مررت بها اثناء حضوري الحفلة الموسيقية/ الغنائية لألهام المدفعي في قاعة الالبرت هول بلندن. جلسنا لنتناول الطعام قبل الحفلة في مطعم ايلغار من القاعة. حضر لخدمتنا نادل بنغلاديشي. المفروض في اي نادل ان يطل عليك بوجه صبوح بشوش، يلاطفك و يداعبك و يعينك في فهم قوائم الطعام التي اصبحت في هذه الأيام طلسما من الطلاسم التي تحتاج لساحر يفسرها لك. بيد ان البؤس كان باديا على هذا النادل. وقف امامنا عبوسا قمطريرا و كأنه بعثي يحاول ان يحصل على حصة من الكعكة. جلسنا و اكلنا و شربنا حتى حل موعد ابتداء الحفلة. جائنا بالفاتورة فأعطيته ورقة خمسين باوندا و انتظرت منه ان يعيد الينا الباقي تسعة باوندات. حمل الورقة و الفاتورة و اختفى. قلت لأم نائل، هيا بنا نأخذ اماكننا في القاعة. و كأي زوجة حريصة على مصرف البيت قالت: و التسعة باوندات؟ دعنا ننتظر ، دعنا نسأل عنه. هذا مبلغ ليس بقليل"
" هذا رجل بائس. الم ترين التعاسة بادية عليه؟ فليذهب بالباقي ويسعد اسرته به. انه احق بها مني."
و خرجنا . اخذنا مقاعدنا واستمتعنا و صفقنا و هتفنا و عدنا الى البيت و نسينا كل شيء الا ما اتحفنا به هذا المطرب اللامع. و تناولت الفطور صباحا و خرجت لعملي اليومي ، الذي لا يتجاوز غير اللف و الدوران في اروقة المتاحف و المعارض الفنية. لم اكد اتقدم في طريقي غير بضع خطوات حتى لمحت ورقة مصورة صغيرة تذروها الرياح هنا و هناك. كانت هناك نسمات عذبة من نسمات صيف لندن تلقي بالورقة على هذا الرصيف ولا تلبث ان تهب فتحملها الى الرصيف المقابل.
ثم تسقط في وسط الشارع و تعود فتطير ، عاليا واطئا، حتى استقرت امامي و فتحت لي وجهها. نظرت فيها وإذا هي بورقة نقدية من فئة العشرين بوندا. التقطتها و نظرتت فيها ، نعم ورقة صحيحة و ليست صورة من مجلة. و تحمل صورة العالم الاقتصادي الشهير آدم سمث. ففي البلدان المتطورة التي كتب الله لها الخير يضعون تصاوير عظمائهم على كل الاوراق النقدية.
مسكت بالورقة. و تأملت ففي مثل هذه البلدان ، المنتظر ممن يعثر على شيء ان يسلمه للشرطة و يدلي بأفادته. هذه الورقة النقدية عثرت عليها عند الساعة كذا في يوم كذا في شارع كذا. يحتفظون بها لمدة شهر، اذا لم يحضر صاحبها فتعاد هدية حلال للاقط. قلت لنفسي و لكن هذه اللقطة لن يحظر صاحبها و يطالب بها. فهي من الله تعالى جزاء لما تصدقت به على ذلك النادل. دسست الورقة في جيبي ومشيت.
حكاية ظريفة وقعت في اليوم الأول من هذا الشهر المجيد، رمضان المبارك. ترويها لرجل علماني فيقول لا تكن ساذجا يا سيدي و تزج الموضوع بالغيبيات. هذه صدفة من المصادفات. حياتنا كلها مليئة بالصدف. انظر لكل هؤلاء المسؤولين الذين يتولون شؤون البلد في العراق. من جاء بهم؟ من اهلهم لوظائفهم؟ كيف حصلوا عليها؟ كله بالصدفة. لم تكن تخطر لهم حتى في البال او في المنام.
ولكن تكلم بها مع رجل مؤمن فتراه يرفع عينين خاشعتين الى السماء و يردد لك: شيئا من القرآن الكريم. " إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفر عنكم." الم تر ؟ عشرون باوندا هي ضعف التسعة باوندات مع شوية زيادة.
نعم هكذا. تلقيت صدقتي مضاعفة و بقي علي ان انتظر الغفران، وهي عملية اكبر كما يلوح لي... و لكن رحمة الله اوسع.

1 comment:

Anonymous said...

مبروك عليك الشهر الكريم والعشرين باوند