Monday 31 May 2010

الاسبوعية30-5-10

ابن الجوزي من نجوم السخرية العراقية

خالد القشطيني

عرف عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي بأنتاجه الغزير في ميادين العلم و الدين والأدب و الشعر في القرن الثاني عشر من تاريخ الفكر العراقي. غير ان له جانبه الظريف الذي بات غير معروف عند الكثيرين. و له في ذلك كتاب مؤنس و طريف بأسم " اخبار الظرّاف و المتماجنين". سأروي نتفا منه بمشيئة الله خلال الاسابيع القادمة. و بخلاف ذلك ، عبر الكثير من اشعاره عن روح سخرية قوية. و من اشهر الأمثلة في هذا ما قله في اهل بلده ، اهل بغداد في مقطوعة طالما سمعتها تتردد على السنة المثقفين و الفنانين العراقيين، بل و سبق لي ان استشهدت بها:
و عذيري من فتية بالعراق قلوبهم بالجفا قـــــــــلّب
يرون العجيب كلام الغريب وقول القريب فلا يعجب
ميازيبهم إن تندت بخير الى غير جيرانهم تقلب
و عذرهم عند توبيخهم مغنية الحي لا تطرب!
انعكست سخريته في الكثير من ملاسناته و منازعاته مع الفقهاء و العلماء و المتصوفة، وهي كثيرة حتى اتهمه ابو الفداء بميله الى الوقيعة في العلماء. وردت نماذج كثيرة من لذعات قلمه في كتابه " تلبيس ابليس" في نقد الصوفية. و استشهد فيه بأقوال الشافعي و ابن عقيل ، فقال: " لو ان رجلا تصوف اول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير احمق. و ما لزم احد الصوفية اربعين يوما وعاد عقله اليه ابدا. و الناس يقولون اذا احب الله خراب بيت تاجر، عاشر الصوفية.!"
و يختتم رسالته ببيتين من الشعر:
ارى جيل التصوف شر جيل فقل لهــــم و اهون بالحلول
اقال الله حين عشـــــــقتموه كلوا اكل البهائم وارقصوا لي؟
و عندما قربت منيته ، اوصى ابن الجوزي بأن يكتبوا على شاهد قبره هذه الكلمات:
يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديـــــه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه
انا ضيف، و جزاء الضيف احسان اليه
و له اقوال ظريفة و بليغة. قال:
" شهوات الدنيا انموذج ، و الانموذج يعرض و لا يقبض!"
و قال و كان كمن ينظر الى الأمام ليخاطب هذه الحفنة الراهنة ممن تمادوا في نهب العراق و إفساده:
" من قنع طاب عيشه . و من طمع طال طيشه!"
و ذكروا له ان قوما اخذوا يتعاطون الوعظ و ليس هذا مما لا شغل لهم به. فأنشد وقال:
قالوا تصاهلت الحمير فقلت : إذ عدم السوابق
خلت الديار من الرخاخ ففرزت فيها البيادق
و ربما يجد بعض القراء هذا الكلام منغلقا عليهم. كما وجدته انا في الواقع ، و كما وجده رجل آخر فسأله فأجابه. و لكن السائل عاد فقال: " ما فهمت." فأنشد الشاعر :
علي نصب المعاني في مناصبها فإن كبت دونها الأفهام لم المِ
بأبي انت و امي يا ابن الجوزي! ما اشبه اليوم بالبارحة!

No comments: