Thursday 1 April 2010

العالم 31-3-10

خارج السجل

خالد القشطيني

انفرد السفير الكويتي ، خالد الدويسان، بين كل هؤلاء السفراء العرب بلندن بتبني تقليد شهري تقريبا، بأن يقيم مأدبة عشاء محدودة في بيته العامر يدعو اليها نفرا صغيرا من الخبراء و الدبلوماسيين و المهتمين بشؤون العالم العربي. الفريد في مأدباته انها ليست مأكلة و انما مشغلة. فما يمد الضيوف يدهم للخروف المحشي الا و يجدوا ان عليهم مناقشة موضوع مهم من موضوعات الساعة. يتفضل هو بأدارتها و ينبه الحاضرين بأن كل ما يقال فيها يحاط بجدار الكتمان ولا يجوز الاستشهاد به. كل شيء Off the Record . الغرض من ذلك طبعا هو فسح المجال لتقول ما يعجبك بصراحة.
كان موضوع المأدبة الأخيرة الحركة الوطنية . بدأ السفير بمخاطبتي، انتم يا اهل العراق عندكم كل هذا التاريخ الحاشد بالحضارات ، لماذا واجهتم كل هذه المشاكل الآن ؟
الحديث اوف ذي ركورد و لكنني كنت المتحدث فيحق لي التنازل عن السرية فاكرر ما قلت. مشكلة العراق و الأمة العربية جمعاء هي ابتلاؤنا بماض حافل بالحضارات. الأمة التي لها ماض مثل المرأة التي لها ماض. تبقى احداث ذلك الماضي تعرقل حياتها. لا تستطيع ان تقوم بأ ي شيء يخرج عن نطاق الماضي . كلما اقترحت تبني شيء جديد قالواهذه بدعة و كل بدعة في النار. دعوت عازفة كمان يابانية شهيرة لبيتي . قلت لها اعزفي لنا شيئا من الموسيقى اليابانية. قالت: " موسيقى يابانية؟ لا شيء عندنا من ذلك . الموسيقى عندنا تعني موسيقى الكونسرت الغربية. بتهوفن ، موتزارت و نحو ذلك." و لكن تكلم مع اي عربي عن الموسيقى فيجيبك قائلا ، اجل، عندنا مقام الصبا و الحجاز كار و الموشحات ، الخ. لا محل لبتهوفن و موتزارت وسط هذا التراث.
قلت ذلك واضيف فأقول هكذا نهضت اليابان و فشل محمد علي في النهوض بمصر. لم يكن للاولى اي ماض يعترضها لاقتباس حضارة الغرب في حين وقفت الخمسة آلاف سنة من حضارة مصر حائلا دون العصرنة و التجديد. مصيبتنا انكم تجدوننا ما زلنا ندور و نلف حول احداث جرت قبل اكثر من الف سنة . في حين ان الانكليز بنوا امبراطوريتهم و حققوا كل تلك المنجزات انطلاقا من صفحة بيضاء. ذبحوا الأسقف توماس بكت في القرن الثاني شر ، بكوا عليه بضع سنوات ثم نسوه. قلما تجد بينهم اليوم من يعرف من هو توماس بكت. كنت الشخص الوحيد الذي ذهب ذات يوم لزيارة قبره المهيب في كانتربري. انهم مشغولون بتطوير الانترنت و استخدام الرياح في توليد الطاقة و الاستمتاع بهذه الحياة القصيرة التي بيدنا. لم يعد حتى المؤرخين يشغلون بالهم بتفاصيل استشهاد توماس بكت.
كل هذا الازدهار الذي تنعم به امريكا يعود لقصر تاريخها . لاشيء يحول دون قيامهم بأي شيء. يحللون الزواج المثلي و يحرمون الاحتفال بالأعياد، يمنعون تدريس الدين في المدارس ويعلمون اولادهم بأن الانسان تطور من القرد و يجربون الجنس في الفضاء ... بكل راحة بال.

No comments: