Tuesday 13 April 2010

الشرق الأوسط 13-4-10

مهنة ما اتعسها من مهنة!

خالد القشطيني

كتب الينا السيد حسن دقلة من بريطانيا يتحداني بأن اكتب عن ديمقراطية الهند و يقول انني لم افعل ذلك لأنها بلد فقير لا يدفع. لا ادري يا عزيزي حسن ما ذا تعمل في بريطانيا. ربما تمارس الطب او القانون او الهندسة او اي مهنة مشابهة. أن كنت واحدا منهم فهل تكرس عملك للمعوزين الذين لا يدفعون اجرة لك؟ هل تقوم بالدفاع عن متهم ، او اجراء عملية لمريض لا قدرة له على دفع اجورك؟ لماذا ننتظر من الكاتب فقط القيام بعمله مجانا، و نعتبره عيبا ان يقبض من احد ثمنا عن تأليف كتاب؟
يعتز كثير من المحامين بنجاحهم في تخليص مجرم قاتل من المشنقة. و نمجد في الطبيب عمله الانساني في معالجة عدو جرح في مهاجمة بلاده او تركيب يد صناعية لأرهابي فقد يده في عملية ارهابية ، عالما انه ربما يستعمل يده الجديدة في القيام بعملية ارهابية جديدة. قواعد المهنة تقتضي من المحامي ان يدافع عن اي متهم مهما كانت جريمته وحتى اذا كان يعلم بأنه قام بها فعلا. و انسانية الطب تقضي بمعالجة اي جريح او مريض حتى لو كان عدوا او مجرما. و المهندسون صمموا كل هذه السجون و المعتقلات والمتفجرات و ادوات التعذيب و قصور صدام حسين و لم يحاسبهم احد عن فعلهم. و لكن للكاتب حكاية اخرى. عليه فقط ان يميز بين زبائنه. عار و شنار ان يمدح او يدافع عن حاكم مستبد او نظام دكتاتوري او مفكر مغضوب عليه.
يا عزيزي حسن دقلة ، انا قضيت خمسة اعوام في بحث و كتابة كتابي " تكوين الصهيونية". رفض الانجليز نشره. و الناشر العربي دفع لي 130 باوندا فقط عن عمل خمسة اعوام. و لا اعتقد انك قرأته او سمعت عنه او عرفت بوجوده. لا الومك ولا الوم الناشر و انما الوم اخي الكبير احسان. لم يتقدم للمحكمة بعريضة لوضع حجر علي بدعوى السفه و قصر العقل و يطلب تعيين وصي علي يدبر حياتي. فأي قاض شريف لا يتردد في فرض الحجر و الوصاية على اي امرء يبيع خمسة اعوام من حياته بمثل هذا الثمن. لم يضعوا حجرا علي فتماديت و قضيت سنتين اخريين في كتابة روايتي " على ضفاف بابل" و لم اقبض عنها فلسا واحدا. و انت يا عزيزي دقلة تريد مني اضاعة خمسة اعوام اخرى في الكتابة عن ديمقراطية الهند.
مهنة الكتابة مهنة تعيسة. و اصبحت تعاستها جزء من تعاسة اوطاننا العربية. فنصيبنا من اصدارات الكتب لا يتجاوز 4% من اصدارات المواطن الانجليزي و 5% من اصدارات المواطن الاسباني. و بينما يصيب الكتاب الواحد 491 زبونا في بريطانيا و713 في اسبانيا، لا يحضى الكتاب العربي بغير 19150 زبونا. يعني ذلك هيمنة الجهل على امتنا و مستقبلنا. و من اسباب ذلك كساد مهنة البحث و الكتابة و الترجمة. فليس بيننا الكثيرون ممن ابتلوا بالسفه و قصر العقل الذي ابتليت به في الانتقال من عملي كمحام الى امتهان مهنة الكتابة لأمة 60% منها اميون و 99% متخلفون يصدقون قارئة الكف و الفنجان و يكذبون كاتب نظرية التطور و اصل الانواع .

No comments: