Sunday 4 April 2010

الشرق الاوسط 4-4-10

السلامة قبل الندامة

خالد القشطيني

خلال زيارتي لسلطنة عمان قبل ايام، وجدت البلد في شغل شاغل بموضع السلامة في الطرق. تكلم مندوبها في الأمم المتحدة عن الاجراءات التي اتخذتها بلاده في هذا الشأن. فمن ملاحظاتي في هذا البلد العربي انه كثير الحساسية بالنسبة لفقدان حياة اي مواطن الى درجة تذكرني باسرائيل. عندنا في العراق الموت عشرة بفلس. ولا احد يسأل عمن يموت. و لكن الوضع يختلف عند العمانيين. ربما لأن نفوسهم لا تتجاوز المليونين فيهمهم ان لا ينقص احد منهم بدون سبب. و لديهم جداول احصائية مفصلة في الموضوع حتى ان الأمم المتحدة اختارت هذا القطر العربي لترأس لجنة الامم المتحدة للاحصاء. فعندما تنظر في مسقط على جدول احصائي يمكنك ان تثق بمصداقيته، وهو شيء نادر في دنيا الشرق الاوسط.
لاحظ المسؤولون هناك تصاعد الخط البياني لضحايا السيارات. فأسسوا وكالة وطنية للسلامة. و لكن ما الذي يستطيع ان يفعله وكلاؤها اذا كان وكلاء آخرون للدولة ينشرون ارقاما اخرى عن الطرق السريعة الجديدة التي تم افتتاحها هناك في الأيام الأخيرة و كل الأيام؟
اصبحت حوادث الطرق مشكلة عالمية، بل و غدت ذريعة لتبرير اي مكروه. تسمعهم يقولون ما الداعي للقلق اذا قتل ثلاثة اطفال في تفجير ارهابي ، او قتلت فتاة غسلا للعار وعندنا في شارع الرشيد يموت كل اسبوع عشرون شخصا دهسا بالسيارات؟ المعتاد ان نلقي باللوم على سواق السيارات. و لكن في رأيي ينبغي القاء اللوم لا على السواق ولا على السيارات و انما على الطرق السريعة. هي التي تحفز السائق على السير بسرعة يصعب السيطرة عليها. الطرق السريعة تشكل عدوانا على الاسرة البشرية. علينا ان نتذكر من ابتدعها اول مرة؟ انه هتلر. هو الذي شق هذه الاوتوبونات الرهيبة لتمكين جيوشه من الزحف و الانتقال السريع لضرب الشعوب الآمنة. و الآن تولى المسؤولية ارباب الصناعة و التجارة. يريد حمد ان يصل ببضاعته قبل حميد بساعتين ، و كأن الساعتين هما كل ما يعني الواحد منا.
اصبح لهذا الهوس بالسرعة و الطرق السريعة اضرار بليغة على الحياة الريفية. شق الطرق يعني تمزيق وحدة المنظر الطبيعي و جماله. يسبب هجرة القرويين الى المدينة و يقضي على قراهم بالموت التدريجي. هذا ما حدث في الاندلس الآن. فكل تلك القرى العربية التاريخية اخذت تفقد زبائنها و سياحها و المارين بها و تموت. ما الذي يجنيه السائح اذا وصل صلالة بسرعة اذا فات عليه ان يرى كل هذه القرى و القلاع و المساجد والاماكن التاريخية الممتدة على طول الطرق القديمة ؟
حرصت عمان على تزيين الطرق بالأزهار الجميلة. تتزاحم الاوراد بصورة خاصة عند الدوارات و مفترقات الطرق حيث يقتضي على السائق ان يتيقض و يحسب مساره. كيف يقوم بذلك و كل هذه الازهار تستأثر بناظريه؟
شعرت بكل هذا في اسفاري المتكررة الى كورنويل في بريطانيا. فقبل مد الطريق السريع كنا نتنكب الطرق القديمة فنتوقف عند كل قرية ، نشرب قهوتها و نعاين فتيانها و حسانها و نتبضع من سلعها التقليدية قبل ان نسـتأنف السير للقرية التالية. نخرج صباحا فلا نصل كورنويل الا عند الغروب. و لكن متعة السير اروع من الوصول.

No comments: