Saturday 17 April 2010

العالم 17-4-10

من يعمل لا يأكل

خالد القشطيني

في روايتي " من جد لم يجد" يجسم البطل كيف ان جهود الانسان في عالمنا العربي لا تأتيه بأي مردود. وهو ما يفسر تفضيل الناس النوم على اليقضة و الكسل على العمل و الفساد على الكسب الحلال و الراحة على التعب والقاء الرجل مسؤولية الزرع و الضرع على المرأة.
ينطبق ذلك على مهنة الكتابة. فحيثما تجد رجلا يكتب او يقرأ فاشفق عليه. الكاتب المحترم هو من لا يكتب، هو من يجمع الثروة من تحاشي الكتابة. جل من كسبوا النجومية في النشر و التأليف لا يكتبون ما ينشرون. تراهم يتركون هذه المهمة المرهقة للمساكين الغلابة الذين لم يكتشفوا اسرار العيش بدون عمل. عشرات من هؤلاء المساكين الغلبانين يعيشون من كتابة روايات و قصائد لسيدات مدللات يطيب لهن ان يرين اسمائهن تلمع على اغلفة الكتب و اعمدة الجرائد.
من ابرع من اتقنوا هذه الحرفة سليم اللوزي. يعود مثقلا بالدولارات من منطقة الخليج في كل رحلة ميسورة و مترفة كان يقوم بها الى هناك. استلم من احد المسؤولين مبلغا محترما لم يعبأ حتى بعده. رجع الى بلده و اودع المبلغ في البنوك. عاد بعد سنة الى ذات المكان. عاتبه الوزير المسؤول. قال له دفعنا لك كل ذلك المبلغ و لم تكتب اي شيء عنا. فأجابه قائلا، هذا كان اجرة لسكوتي عنكم. اذا كنتم تريدون ان امدحكم ايضا فهذا يتطلب مبلغا آخر!
بيد ان الكاتب الذي هزني حقا ببراعته في الكتابة و التأليف كان كاتبا لبنانيا مبدعا آخر. سمع بفضيحة تعلقت بأحد وزراء دول التعاون الخليجي. تأكد اولا من تفاصيل الفضيحة ثم ركب الطيارة و اتجه الى المكان المنشود. طلب مقابلة معالي الوزير. سألوه:
" معالي الوزير يبغي يعرف موضوع الزيارة. يعني شنو اللي في بالك؟"
" عندي كتاب عن سيرة معالي الوزير . بس حبيت اتأكد من بعض المعلومات قبل ما انشر الكتاب."
" تفضل ادخل. الوزير يحب يشوفك."
دخل المكتب و شرب فنجان القهوة العربية ثم لوح ببعض الاسئلة البريئة الى موضوع الفضيحة غير البريئة. " بس حبيت شوية اتأكد من معاليك و ما اقول شيء غير صحيح في الكتاب عن سيرة حياتك الوطنية و جهادك من اجل العروبة و الاسلام."
امتقع وجه الوزير و كبس على التلفون لينادي المحاسب. " ابو حسين جيب دفتر الشيكات و ياك."
و كتب للكاتب الفاضل المبلغ الذي يستحقه عن عدم نشر الكتاب الذي لم يكتبه . افلا نعتبر ذلك الكتاب غير المكتوب و غير المنشور درة من درر الابداع الادبي و السبق الصحفي و تقنية العيش الكريم بدون عمل؟
المساكين في نايجيريا يوصلون الليل بالنهار و النهار بالليل في محاولات كسب لقمة عيش من التزوير و النصب الالكتروني على حسابات الناس في البنوك. تعالوا و تعلموا منا مهنة الكسب بالفهلوة الادبية و الصحافية و الفكرية.

No comments: