Monday 5 April 2010

العالم 5-4-2010

الكلب و السيارة

خالد القشطيني

كان موحان الخير الله من اشهر الاقطاعيين في العهدالملكي. و الاقطاعي مثل الوزير الفاسد، لا يكتفي بما عنده ابدا ولا يملي عينه غير تراب القبر. نظر فرأى ارضا جيدة بجانب ارضه فطمع فيها. بعث على صاحبها ليشتريها منه. و لكن الرجل ابى ذلك. قال هذه ارض ورثتها من ابي و اعتز بها و اريد اتركها لأولادي. تجاهله الشيخ موحان فبعث بفلاحيه ليحرثوها و يزرعوها، و العن ابو صاحبها. لم يعرف الرجل كيف يرد على هذا الاعتداء. نصحوه بأن الشخص الوحيد الذي يمكن ان يؤثر عليه هو نوري السعيد نفسه. اذهب لبغداد و اقصد قهوة الأعيان في شارع الرشيد. ستجد هناك اعيان اهل البلد. اختر واحدا مهيبا منهم، افندي و استاذ. تعرف به . اعزمه على عشاء في مطعم شمس. الأفندية و الاساتذة ما يهمهم في الدنيا شيء غير الأكل. تودد اليه و توسل به ان يوصلك الى ابو صباح، نوري باشا.
ما خاب من استشار. توكل على الله فركب القطار من الناصرية و توجه لبغداد ثم قهوة الاعيان. وجد مثل هذا الافندي المهيوب جالسا في صدر المقهى ، فسلم عليه و جلس على الطرف الآخر من التخت. " الله بالخير!" بادره الافندي ثم نادى على الصانع ، يا ولد تعال جيب شاي تازة للشيخ هنا. شكره الرجل ثم اخرج كيس التتن من دشداشته ليلف سيكارة و لكن الافندي الفاضل بادره و اخرج من جيبه علبة سكائر غازي و قدمها له. " لا و الله ما تدخن الا من باكيتي." كرم متواصل من اعيان بغداد. دخلا في الحديث حتى طأطأ الافندي الاستاذ برأسه نحو الرجل ثم همس في اذنه: " شيخنا تريد وحدة من بنات بغداد؟ عندي احسن بنات بعقد النجفي!"
تعوذ الرجل من الشيطان و لملم عبائته و انصرف مسرعا. ركب القطار عائدا للناصرية لا يلوي على شيء. رضخ للأمر الواقع فقصد ديوان الشيخ موحان. روى له حكايته. رحت انشد نوري السعيد وقعت بيد واحد قوّاد!" استغرق الشيخ بالضحك و لكن الرجل واصل حديثه: " يا محفوظ! انا و انت مثل الكلب و السيارة. الكلب يعوي و يركض ورا السيارة يريد يلحق بيها و يعضها. وين يلحق الكلب بسيارة ؟ و اذا لحق بيها و عضها راح تنكسر سنونه!... شيخنا، انت عينك على هالأرض اللي عندي. خذها بالحلال قبل ما تطيح سنوني و اعطيني اللي تشوفه عدل و حلال قدام هالناس الأخيار و خلصنا."
لا شيء يحرك المواطن العربي كالشعر و الطرائف الفولكلورية. بعد كل ذلك العدوان و التزمت استغرق موحان الخير الله ثانية بالضحك وقد استلطف التشبيه. مسح على لحيته و نادى على السركال: " يا ابو حسين، روح طلع فلاليحنا من قاع هذا الزلمة و رجعوها له. و اللي زرعوه يخلوه بمكانه هدية من الشيخ موحان."
و الحديث من خالد القشطيني عن ليث الكندي عن ابو حسين السركال عن... عن...عن...

No comments: