Sunday 18 April 2010

العالم 18-4-10

صحوة العقل

خالد القشطيني

بعد نكسة الفكر اليساري و فشل الحركة القومية و هزيمة 1967، بشر القوم بفكرة العودة للدين " الاسلام هو الحل". سميت بالصحوة الدينية. كنا سكارى و نائمين و صحونا . كتبت في حينها و قلت ان هذه الحركة ستلقى نفس المصير . سيجد الناس ان من الممكن لهم ان يمشوا الى الوراء ثلاث او اربع خطوات و لكنهم لا يستطيعون الوصول من سوق السراي الى علاوي الحلة مشيا الى الوراء. فيتوقفون و يستديرون و يبدأون بالمشي للامام.
كيف يمكن ان تنجح الصحوة وهذه الصحف تعج علينا بكل هذه الاكتشافات العلمية التي تتوالى من المختبرات و دور الابحاث؟ للصراع بين العلم و الايمان تاريخ طويل. خاضته بريطانيا منذ القرن الثاني عشر و حسمته بانتصار العلم في القرن التاسع عشر، عندما اضطر رئيس الكنيسة اسقف كانتربري للأعتذار عن خطأه و الاستسلام لشارلس داروين و الاعتراف بمصداقية نظرية التطور. لا يتجاوز عدد المؤمنين الآن 3% من مجموع السكان في بريطانيا و يعتبرون اي شخص يذهب للكنيسة شخصا شاذا يتطلب المعالجة.
كتبت و اكدت ان الصحوة ستفشل ايضا لأن التمسك بشعار صحيح و لكن غيرعملي شيء غير صحيح. فكرة إحياء الخلافة و تطبيق الشريعة اقرب للخيال منها للواقع، ليس الآن فقط و انما حتى بعد جيلين او ثلاثة من وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم عندما بدأ القوم بالخروج عن احكام الشريعة.
توقعت ان يثبت فشل الصحوة في ايران اولا ثم ينفض الناس ايديهم عنها في سائر العالم الاسلامي. و لكنني اجد نفسي الآن مضطرا لتصحيح فكري. العراقيون هم الذين سيقتلونها ضمن كل ما و من قتلوه. انهم مازالوا في اول العملية . و لكن الانتخابات الأخيرة و تراجع الاحزاب الدينية امام الكتلة العلمانية يؤكد على رجوع الشعب العراقي الى ما عرفناه عنه عبر الوف السنين و هو التعلق بالعلم و العلمانية و العقل و العقلانية رغم كل ما ابتلوا به من امية .
لقد سددت الاحزاب و الكتل و المراكز الدينية ضربة مميتة للايمان و الدين بانتهاج الطائفية بكل صورها العملية و المعيشية و الطقوسية و بتحديها للحريات المتعارف عليها في العراق و اتباع تفرقة طائفية و دينية وصلت حد الاضطهاد و التهجير و التقتيل. لن ينسى العراقيون تجارب السنوات القليلة الماضية و سيبقى الدين مربوطا في اذهانهم بتجارب تلك الأعوام. وهل من اساءة للدين و الايمان الصافي اتعس من ذلك؟ التقيت بأمرأة عراقية بسيطة ابعد ما تكون عن دنيا السياسة . كانت عائدة من التصويت الأخير. خطر لي ان اسألها من باب الدعابة عمن اعطته صوتها. قالت اعطيته للحزب الشيوعي. لاحظت معالم الصدمة و الدهشة بادية على وجهي فأردفت و اضافت: على الأقل لم يتهم احد الشيوعيين بالبوك و النهب. و لم يوسخوا ايديهم بوساخات الطائفية و الهمجية.
اننا على ابواب صحوة العقل. وهي الصحوة الوحيدة التي تضمن للشعب مستقبلا ناجحا في عصر العقل و التكنولوجيا.

No comments: