Wednesday 31 March 2010

العالم 31-3-10

نقتل و نبكي

خالد القشطيني

البكاء سنة من سنن الحياة في العراق. كتبت سابقا فقلت كيف ان والدتي رحمها الله اعتادت على الخروج من البيت و الطواف في المحلة بحثا عن اي مأتم او عزاء لتشارك الحاضرين بالبكاء ، تعرفهم او لا تعرفهم. كانت تفعل ذلك كلما شعرت بروحها " محتصرة". بدلا من البحث عن سينما او عرس تذهب بحثا عن عزاء.
كنت اقرأ كتاب الدكتور علي الوردي "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" و مررت بحكاية السيدة الانكليزية زتون اثناء الثورة العراقية التي اعقبتها " ندامة الثوار" ، على حد قول الشاعر علي الشرقي. هجم الثوار على زوجها في شهربان ، المقدادية، و قتلوه في مكتبه في القشلة. و اخذوا زوجته الجريحة اسيرة بين ايديهم. الحقوها بنسائهم. نشرت فيما بعد مذكراتها عن محنتها . عبرت فيها عن عجبها في انها عندما اخذت تبكي على زوجها انضمت النسوة اليها و راحوا يبكون معها. استغربت من الأمر. و لربما توقفت هي من البكاء لتواسي ؤلئك النسوة. الواضح انها لم تسمع بما كانت تفعله والدتي. المعتاد عند الانكليز انهم قلما يبكون على ميت. و عندما تشعر الزوجة بالحاجة لبكاء، تسرع الى الحمام و تقوم بذلك بسكوت ثم تغسل وجهها و تعيد المكياج لعينيها و فمها و خدها ثم تخرج للمعزين و تعتذر انها اضطرت للذهاب للمطبخ لتلاحظ طبخ الروست. انهم مثل الوهابيين و لكن الانكليز يعتبرون البكاء على ميت عيبا غير لائق و قلة احترام للحضور، فيما يعتبره الوهابيون كفرا و تحديا لأرادة الله. يقولون للمرأة لا تبكي و تشوشين على الميت! خليه يسمع تسابيح الملائكة.
نحن في العراق لا نبكي على الميت فقط و انما نقتله ثم نبكي عليه. وهو ما فعلوه بزوج السيدة زتون. لنا تقاليد طويلة في الموضوع. فكذا فعلنا مع الأمام الحسين و الامام علي. وبدأنا نفعله بالنسبة لقتل الملك فيصل الثاني و اسرته، و ايضا بالنسبة لنوري السعيد. و برمج صدام حسين هذا السلوك بقتل او اعدام اصحابه ثم السير في جنازتهم . و لكننا لم نبدأ بعد بالبكاء عليه. و من يدري؟ الله اعلم. فإذا استمرت الاحوال بهذا الشكل فربما نسمع عن مجالس فاتحة على روحه و نرى هوسات لطم عى ذكراه في الشوارع. فلا يدري السامع إن كانت صيحة " واحسيناه!" مقصود بها سيد شباب الجنة او سيد شباب النار.
سمعت عن رجل كلف والدته بأن تبحث له عن امرأة صالحة للزواج بها. ذكرت له فتينة بنت اسطة عبد الرزاق في آخر الدربونة. قال لها اعرف فتينة هذي زين. شكلها يلعب النفس، بطنها بكبر الحبانة . شوفي لي وحدة حليوة اتهنى بها. قالت له ، و انت شعليك من بطنها، حسنها او قلة حسنها؟ انت سامعها من تعيط بالعزا؟ ولا اكو مرة بكل هالديرة تقدر ترفع صوتها فوق صوت فتينة . الناس يتوسلون بس تجي تعيط ورا الميت.

No comments: