Sunday 18 April 2010

الاسبوعية 18-4-10

الشعب الضاحك الباكي

خالد القشطيني

يتهم الغربيون العرب بأنهم قوم لا يتذوقون النكتة و الفكاهة. و لهذه التهمة ابعاد خبيثة. فانعدام روح الفكاهة عندهم يتضمن انعدام الروح الديمقراطية و حب السلام و التسامح. عندما نشرت دار كوارتيت كتابي " ِِArab Political Humour " ادرجته صحيفة التايمس ضمن اغرب عناوين عشرة كتب نشرت خلال السنة. العرب لا يضحكون. و سياساتهم دموية لا تسامح فيها.
و يعتقد بعض الباحثين ان اللغة العربية بحد ذاتها لغة عبوس ، سوداوية و ملانخولية لا تعطي مجالا للمداعبة و الضحك. و هذا شيء لا اتفق معه.
اذا كان الغربيون ينكرون على العرب روح الفكاهة فالعرب انفسهم ينكرون على العراقيين روح النكتة و الظرف. استغرب الكثيرون منهم كوني عراقيا . كان منهم الكاتب الساخر محمود السعدني. كتب يوما مقالة يسخر فيها مني. التقيته يوما فأشار الى افتقار العراقيين لروح النكتة. قال : جرى الكلام يوما عن احد الشعراء ممن ابغضهم. فقلت عنه انه " ابن شر... طه" (شرموطة) . ما قلت ذلك حتى لاحظت احد العراقيين يتسلل الي شيئا فشيئا ثم يسألني هامسا في اذني: " استاذ محمود تعرف عنوانها فين ساكنة!"
و كان على حق الى درجة كبيرة. ففي اوائل تأسيس الملكة العراقية ، عمد ميخائيل تيس الى اصدار صحيفة فكاهية بعنوان " كناس الشوارع". لم يصدر منها غير اعداد قليلة حتى هجم عليه احد المستائين من مقالاته و كاد يقضي على حياته لولا ان نقلوه للمستشفى و انقذوه من الموت بعد عملية جراحية خطيرة. و كان ذلك آخر عهد ميخائيل تيس في الصحافة العراقية ، فكاهية او غير فكاهية.
الحقيقة انني كثيرا ما اعاني شخصيا من اساءة فهم ما اسوقه من باب الفكاهة . يأخذونه مأخذ الجد و يزجون بي في مناقشة جدية.
و في ذلك مفارقة مؤسفة . فكما نعلم من كتب الأدب العربي ، كان العراق في عهد الدولة العباسية موطنا للفكاهة و السخرية والمصدر الرئيسي لها. هكذا تألقت اسماء ابن الرومي و ابي نوآس و المقفع و ابن الجوزي و ابي عثمان الجاحظ الذي اعتبره اعظم كاتب فكاهي ظهر في القرون الوسطى ، لا في ديار الاسلام فقط و انما في العالم كله ، وهناك في بغداد كتبت مقامات الحريري و الهمذاني و حكاغيات الأغاني التي ضمت الكثير من الفكاهة الجريئة التي لا يستطيع اي منا في هذا الزمن ، زمن الحريات و حقوق الانسان ، ان يجرؤ على كتابة مثلها.
سقطت هذه الروح المنشرحة بسقوط بغداد و تحولت البسمة الى دمعة و الضحك و المرح الى عويل و نحيب. اصبحنا نعتبر الضحك من قلة الأدب و نوعا من السفاهة و نضرب المرأة ، و ربما نقتلها ، اذا ابتسمت في وجه احد او ضحكت على نكتة جنسية. علما بأن الجنس يشكل خمسين بالمائة من دنيا الفكاهة.
و لكن الفكاهة التي تكاد تكون بمنزلة الغريزة في حياة الانسان و تعتبر من مميزاته عن الحيوان لا يمكن ان تموت او تنطفيء. بقيت جذوتها تدفيء مجالس العراقيين في المقاهي و الدواوين و الجلسات الخاصة . و برز بين الحين و الآخر من اشتهر بروح الظرف والنكتة، وهو ما سأحاول ان اتعرض له في الاسابيع القادمة ، تحية مني لكل ؤلئك الظرفاء الذين اغنوا حياة المجتمع العراقي بقفشاتهم و تعليقاتهم ودعاباتهم و اشعارهم.

No comments: