Sunday 9 May 2010

العام 9-5-10

الطبقية العربية

خالد القشطيني

لم يخطر لكارل ماركس هذا النوع من الطبقية غير الدايلكتيكية التي سادت بين العرب. لقد ركز كل تفكيره على العمل. و لكن في عالمنا العربي العمل شيء ثانوي و محتقر. العربي الأصيل يكره ان يوسخ يده بأي عمل او حرفة. لا يوجد بين الأعراب اي اسم ينم عن حرفة. صديقي الشاعر فوآد حداد و صاحبي التاجر اسماعيل البنا ، و رسول الصفّارو زميلتي سلوى النجار كلهم من نفايات الحياة الحضرية و اهل المدن الوسخة. لا تجد مثل هذه الاسماء بين البدو. مهنة الأعراب هي الغزو و السلب و النهب. اذا شاؤا الاعتزاز بولد سموه " سيف" و اذا كانت انثى سموها " غزوة". و يا ويلها اذا وقعت في حب رجل اسمه نجار او لمبجي او تكمجي او جادرجي.
و لكنهم بفتح الأمصار شاهدوا اقواما يعيشون من الزرع و رأوا الماء الوافر و الارض الخصبة. فانصرف بعضهم للزراعة. وبذلت الحكومات جهودا كبيرة لحملهم على الاستقرار. و لكن البدوي الاصيل ظل يحتقر المزارعين. مهنة البدو خارج الحرب هي الرعي. وهنا ايضا توجد طبقية، فراعي الأبل يحتقر راعي الغنم و المعز. اما من يربون البقر و الجاموس فهم احقر ممن يعيش من البغاء و التعرصة.
و للزراعة ايضا طبقياتها. فمن يزرع الخضروات ، الطماطا و الباميا و الباذنجان ، شخص وضيع غير اهل للزواج بأبنتك او اختك. المزارع الشريف يزرع الحبوب. وهنا ايضا توجد طبقية فرعية. فأبناء الفرات و الجزيرة يحتقرون ابناء العمارة و القرنة. فهؤلاء معدان يعيشون من زراعة الشلب. الرجل المحترم، الشمري او العنزي، يزرع الحبوب، الحنطة و الشعير. لماذا؟ لأن زراعة الشلب تتطلب جهودا مضنية و الخوض بالمياه و الطين. يصدق هذا التمييز الطبقي على من يحترفون الصيد. فصياد الغزلان في البادية يحتقر كل من يعيش على صيد السمك في الأهوار.
جرت معركة ضارية في السنين الخوالي بين اهل النجف و بني البو حداري ، مني بها النجفيون بهزيمة منكرة. فانبرى الشاعر الشعبي يسخر منهم بهذه الهوسة الظريفة:
هاكم شيلنه و اعطونا خواجيكم
ذولة اهل الطماطا اشعملوا بيكم؟
لا بأس ان تنهزم. و العرب يقولون " ثلثين الشجاعة الهزيمة" . و لكن هذا ينطبق على من يهزمونك من زراع الحنطة و الشعير اما ان تنهزم امام زراع طماطا فيا للعار!
ظهرت اخيرا في المدن الكبرى طبقة متوسطة يعيش اكثر ابنائها من التطفل على الدولة بأسم الوطنية و الدين و خدمة الشعب. وهنا ايضا نلاحظ تقسيما طبقيا آخر. فمثلا من يسرق من اموال الدولة يحتقر من يعيش من قبض الرشوة . و المرتشون ايضا طبقات. فمن يأخذ رشوة من النصارى يحتقر من يأخذ رشوة من المسلمين. و بالطبع يعتبر من يتمتع بمنزلة عالية كل من لا يأخذ رشوة من الجمهور ولا يسرق من اموال الدولة و انما يقبض من الدول الاجنبية لقاء ما يقدمه لها من خدمات و خيانات و تجسسات . يمثل هؤلاء في عالم الفساد العربي من يمكن تسميتهم بأرستقراطية الطبقة الفاسدة. يحلم كل شاب خريج جامعي بالانتساب لهم ، الزواج ببناتهم ، و اغراء نسائهم والعمل في مكاتبهم ، السمسرة لهم ، التهريب لأموالهم و عمل كل ما ينال مرضاتهم عنه و ثقتهم به.

No comments: