Tuesday 11 May 2010

الشرق الأوسط 11-5-10

البيئات و الجينات

خالد القشطيني

اثار القاريء الفاضل نهاد شامايا ، وهو من نصارى شمال العراق ، موضوعا مهما من مواضيع علم الأجناس ، الانثروبولوجيا، في تعليقه على ما كتبت بشأن سيماء المسيحيين العرب و هيئتهم. كنت قد قلت ان البشرة البيضاء و العيون الفاتحة ( زرقاء / رصاصية/ عسلية) و القامة الطويلة و الأنف الدقيق يعود الى انحدارهم من اصول اوربية ، روم ، صليبيين ، عساكر انجليز و فرنسيين ، وهمجرا. ينفي الأخ شامايا ذلك و يعزو هذه المميزات الى البيئة، العيش في مناطق جبلية تكسوها الأشجار والثلوج و المياه الغزيرة و نحو ذلك.
المؤسف انني تعرضت لموضوع علمي معقد في زاوية صحافية صغيرة. و ضيقها لم يسمح لي بغير تناول جانب واحد من الموضوع الذي يتطلب مجلدات. صفات الأحياء( البشر و الحيوان و النبات) تتوقف على عوامل عديدة متشابكة. لقد ذكرت فقط عامل الوراثة. لا ننتظر من اسرة افريقية سوداء هاجرت الى السويد ان تعطينا اولادا بيض البشرة زرق العيون لأنهم اخذوا يعيشون في السويد. نواجه هنا عامل الجينات. المسيحيون الأوربيون الذين اجتاحوا الشرق الأوسط تركوا جيناتهم في العوائل المسيحية العربية.
البيئة عامل آخر. و لكنها تتطلب زمنا طويلا لتحدث اثرها. اهم عنصر في البيئة حسب رأيي هو الشمس. كما اقتربنا من خط الاستواء ازدادت البشرة غمقا و سوادا ليستطيع الانسان ان يتقي اشعة الشمس القوية بتغذية جلده بالأصباغ. لهذا يتعرض الأوربي لسرطان الجلد عند معيشته في المناطق الاستوائية لأنه لا يحمل هذه الأصباغ الواقية.
لم يتعرض نصارى الموصل للغزو الأوربي كما تعرض نصارى بلاد الشام و لهذا اتفق مع الأخ شامايا بأن الوانهم الفاتحة تعود لبيئتهم الجبلية الشمالية. الدليل على ذلك ان المسلمين الأكراد الذين يعيشون في نفس المنطقة الشمالية يحملون نفس الصفات، وما هم بنصارى. العيش في محيط جبلي يفرض على البشر طول القامة ليستطيع الانسان ان يتسلق الصخور، في حين ان العيش في الغابات و الأحراش يتطلب قامة قصيرة تتقي اغصان الشجر. وهذا سر قصر قامة الافريقيين.
ما ينبغي تذكره هو ان كل هذه الصفات لم تنشأ بين ليلة و ضحاها و انما هي حصلة ملايين السنين من العيش في البيئة المعينة. السوآل الذي شغل العلماء هو كيف تنتقل هذه الصفة المشتقة من البيئة فتدخل في جينات المخلوق و تصبح جزء من موروثاته يرثها اولاده و اولاد ولاده رغم انتقالهم الى بيئة جديدة لا تتطلب تلك الصفات؟
الاقتصاد عامل آخر في سمات البشر. يتميز غالبا اولاد الأغنياء بطول القامة و بياض البشرة و جمال المحيا. و السبب هو ان ثروة آبائهم و اجدادهم مكنتهم من اختيار زوجات بهذه الصفات الجميلة. المعروف عن اليهود تاريخيا قصر قامتهم و انحناء ظهورهم. من اسباب ذلك ان رجالهم كانوا يفضلون المرأة الذليلة و المطيعة و القنوعة التي تمشي وهي تطأطيء برأسها و ظهرها. فراحت تنجب اولادا لهم بهذه الصفات. لم يفطنوا الى ان مرض السل كان غالبا هو الذي يجعل المرأة تمشي بهذا الشكل، فتكأكأ بصدرها. وهذا مما ادى الى شيوع مرض السل بين اليهود تاريخيا.
و لله في خلقه شؤون.

No comments: