Thursday 13 May 2010

الشرق الأوسط 13-5-10

الابتسامة و مطباتها

خالد القشطيني

لابد ان يواجه التلميذ المسلم القادم من مجتمع لا اختلاط فيه بين الجنسين مشاكل كثيرة في التعامل مع الجنس اللطيف الذي يجده محيطا به في كل مكان في العالم الغربي ،و غالبا في اوضاع مثيرة . اول شيء عليه ان يتذكره ان ابتسامة الفتاة و تلاطفها نحوك لا تعني انها وقعت في حبك. فالبسمة جزء عندهم من السلوك الطيب . تجد بائعة التذاكر وعاملة البريد و الممرضة و سكرتيرة الطبيب تفعل ذلك فهو جزء من واجباتها التي يدربونها عليها.
تتسم عيوننا السوداء و المكحلة بخلقة الخالق بقوة لم تعتد عليها الأوربيات. و كثيرا ما يتضايقن و يتخوفن منها عندما يحدق و يبحلق احدنا فيهن. كان معي صديق في القطار اسرف في البحلقة بفتاة كشفت عن نصف صدرها. فداعبته ببسمة ونزعت له صدريتها و كشفت لها عن نهديها بما اضحك بقية الركاب و اضطر للإعتذار اليها. فتذكر قوله تعالى و اغضض من نظرك.
الأعتذار بكلمة sorry و الشكر بكلمة thank you من اهم الكلمات التي لن تستطيع الأسراف فيها. يستعملونها بمناسبة و بدون مناسبة. حتى اكتسبت كلمة اشكرك معان مختلفة عن اصلها. اصبحت تعني اسمح لي ، و ارجوك، و متأسف و كفاية ازعاج و ابعد عني و أي شيء يخطر في بالك. ولنا كعرب مشكلة بصدد هاتين الكلمتين: متأسف و اشكرك. كثيرا ما نمتنع عن الأعتذار لأننا نعتبره اعترافا بالخطأ و المنقصة. و العياذ بالله ! كيف يقع العربي في خطأ؟! و لكن الغربيين ، ولاسيما الانغلوسكسون، يعتبرون الاعتذار من مكارم الأخلاق و الثقة بالنفس . نجى رئيس الحكومة البريطانية قبل ايام من مأزق خطير بمجرد الاعتذار للسيدة التي شتمها. و تسمع الأم الانجليزية تمسك بطفلها عندما يسيء في شيء. لا تضربه و لا تهينه. تمسك به و تلح عليه ان يقول "سوري" لا تفك عنه حتى يقول ذلك فتقبله و تطلق سراحه. تستطيع ان تنجو من المشنقة عندهم بمجرد الاعتذار عن جريمة القتل التي اقترفتها. وبها تعالج المرأة الخاطئة خيانتها الزوجية بمجرد ان تقول لزوجها سوري! اعتقد ان للموضوع علاقة بالتقاليد المسيحية التي تنص على الأعتراف من ناحية و الغفران من الناحية لأخرى.
مشكلتنا مع كلمة " اشكرك" اننا لا نستعملها عندما يكون الفعل واجبا. القاعدة عندنا " لا شكر على الواجب." فلا تحتاج لأن تقول لبائع التذاكر او الطوابع اشكرك بعد ان تدفع له الفلوس و يعطيك التذكرة. نسيت وقلت اشكرك لجابي الباص في بغداد مؤخرا فنظر في وجهي مستاء و قال : " شنو؟ ما عاجبك؟" لقد تصور انني كنت اسخر منه. على عكس ذلك، ينتظر منك الغربي ان تشكره حتى على اداء واجبه. ويستاء كثيرا عندما لا تفعل ذلك. هذا مقلب مازلت اقع فيه باستمرار حتى في بيتي. كثيرا ما نادت علي بائعة التذاكر في لندن و قالت: " ما عندك تربية؟ الم يعلموك ان تقول اشكرك؟" عدت اليها واعتذرت و قلت اشكرك فابتسمت ابتسامة عريضة . و لكنني لم ارتكب غلطة ثانية و احسب انها وقعت في حبي.

No comments: