Monday 10 May 2010

العالم 10-5-05

في مسار الديمقراطية(10)

عالمان

خالد القشطيني

الملحوظ في ادبيات الديمقراطية الكلاسيكية ، ان ما كتبه الأغريق و الرومان بصددها يبدو معاصرا لنا و كأنه كتبه بروفسور في اوكسفورد او هارفرد قبل يومين. فجل ما يتردد فيها من مفردات كالمواطن و المواطنة و الحرية و المساواة و الأقتراع و مصلحة المجموع و مصلحة الفرد مفاهيم معاصرة نقرأها يوميا. و لكننا لا نجد شيئا منها في ادبيات التاريخ العربي. وهو ما يحدوني للقول بأن من الانفع لنا تدريس التاريخ الاوربي بدلا من التاريخ العربي الذي لا يعلمنا غير القتل و العنف و الاستبداد. التاريخ الذي يقول ان من حق القوي ان ينتزع الإمامة بالسيف و علينا اطاعته تأريخ لا يجدر بتعليمه لأولادنا. مما لاحظته في النصوص الكلاسيكية ايضا خلوها من الاشارات الدينية. كان فلاسفة اليونان يفكرون و يكتبون و كأن الآلهة لا وجود لهم. يبدو انهم كانوا يعتبرون زوس و ابولو و اثينا مجرد حكايات تصلح للمسرح و لا دور لها في حياة الناس و شؤون الدولة.
ركز المترجمون العرب على نقل ما كتبه الاغريق في الطب و الفلك ونحو ذلك ولم يعبأوا الا قليلا بما كتب عن الحكم. ترجم حنين بن اسحق " جمهورية افلاطون " و لكن المفكرين العرب لم يتأثروا بالتنظير الغربي في ميادين الحكم والسياسة. للغرب عالمهم و لنا عالمنا. و عالمنا يقوم اساسا على ارثنا ، ما وردنا في القرآن الكريم و السنة وما فعله و قاله الخلفاء الراشدون. على هذا التراث بنى المسلمون نظرياتهم و آرائهم و انحصر تفكيرهم في تفسير ما ورد و تفضيل رواية على رواية. اساس الحكم هو النسب. الولاية لا تكون الا في قريش. دور الرعية ينحصر في طاعتهم لمن تولاهم. ولا شأن لهم في اختيارهم او اختيار عمالهم.
الحقيقة ان فلاسفتنا لم يعبأوا كثيرا بهذه الأمور بعد ان اصبح الحكم وراثيا. و لكن برز منهم ابو الحسن الماوردي (1058م) في كتابه "الاحكام السلطانية". له كتاب آخر " نصائح الملوك". و كانت هذه مهمته: توجيه الحكام. فقد كلفوه بالقضاء في عدة مناطق. كان الماوردي شافعيا و تأثر بتفكير المعتزلة و تأكيدهم على العقل و العلم. تعرض لموضوع اختيار الحاكم اذا لم يكن هناك واليا على المسلمين.
رأى ان يقوم باختياره اهل الحل و العقد، وهذا اصطلاح يتكرر دون تحديد له. من هم؟ كم عددهم؟ و من يختارهم أو يعينهم؟ رأى ان من الممكن الا يتجاوز عددهم شخصا واحدا يقوم بمهمة ما يعرف في الغرب بصانع الملوك. Kings maker. اتفق الماوردي ايضا مع بقية الفقهاء في ان السيف و القوة وسيلة اخرى للحصول على الامامة. و على المسلمين ان يطيعوا الغالب. فمعصية الامام تؤدي الى فتنة و يجب تفاديها. فلا يجوز خلع الامام . بيد ان جعفر الصادق انشق عن هذا بكلمة ثورية فقال: " لا دين لمن دان بولاية امام جائر". و للأمام في عرف الماوردي ان يوصي بالأمامة لأبنه بعد موته.

No comments: