Sunday 28 March 2010

الاسبوعية28-3-10

برسم الخدمة

خالد القشطيني

من يقوم برسم الخدمة هو من يقف جانبا اثناء الوليمة ليلبي طلبات المدعوين، من يريد قدح ماء او مملحة او صابونة ليغسل يده، يسرع القائم برسم الخدمة لخدمته.
المواطن العربي ، و بالأخص السياسي او الزعيم العربي، رجل واقف برسم الخدمة، واضعا المنديل على كتفه و الصابونة بيده ينتظر كل من يدعوه للخدمة. الفقر و العوز و الجوع المزمن حوله الى هذا الدور البائس. دعوني اقولها صراحة. كلنا واقفون برسم الخدمة حول مائدة اللئام ، نساعدهم على قطع الكعكة و فخذ الخروف و وضع اللقمة في افواههم. انا خدمت سائر الانظمة بما فيها نظام صدام حسين لردح من الزمن.
و الحكام الحكماء يعرفون ذلك. يأتي في طليعتهم نوري السعيد. كلما ازعجه شخص في معارضته، دعاه لخدمته و شاركه في الكعكة. هكذا فعل مع روفائيل بطي و خليل كنة و الجمالي و سواهم. و لكل ثمنه. اذا كنت ملكا فأجرتك مليون دولار لتقف برسم الخدمة. هذا ما عمله الملك حسين. خدم السي آي أي و راح يتجسس لهم على اخوانه من الملوك و الروساء لمدة عشرين سنة لقاء مليون دولار في الشهر. فعل مثل ذلك وزير خارجية صدام حسين ، وأن لم نعرف بعد مبلغ الاجرة التي كان يأخذها من السي آي أي. لكل ثمنه و اجرته. واذا كنت شاعرا فيكفي اعطاؤك بيتا او سيارة لتقف برسم الخدمة، و الصابونة بيدك لتغسل يديه من اي قذارة.
هذا الرجل ، شريف مكة الذي اقسم بالقرآن الكريم بالولاء للسلطان خليفة المسلمين لم يتردد بالوثوب عليه و الوقوف برسم الخدمة لكرنل انكليزي جاءه بتنكة ليرات ذهب و ربما بطخم اسنان جديد صنع هارلي ستريت. و لماذا احصر موضوعي بهؤلاء السادة فقط؟ تاريخنا الاسلامي و العربي من اوله الى آخره يزهو بهذه الأمثلة.
ماذا سنفعل بكل قادة الفن الذين صنعوا تماثيل صدام و رسموا صوره و لحنوا موسيقاه و غنوا انشيده و هندسوا قصوره و نظموا قصائده؟ نسقط جنسياتهم و نهجرهم لاسرائيل؟
الحكام الحكماء يعرفون ذلك. و يقودون سفينة الحكم لشاطيء السلامة ، و ربما لفائدة المجموع باتباع هذه السياسة العقلانية المستوحاة من تجارب الوف السنين. لا فائدة ترتجي من محاولة محاسبة اي مواطن عربي عن ماضيه و مبادئه و مواقفه . انه مجرد رجل واقف بجنب المائدة ، ينظر للسادة الجالسين، كيف يقومون بتقسيم الكعكة و تقطيع الخروف المحشي. يتربص لأي قطعة لحم تسقط على الارض او فتات من الكعكة او تمرة محشوة باللوز تفلت من بين اصابعهم . ينتظر بصبر حتى يفرغون من الوليمة و يدعونه لأكل ما يخلفونه من فضلات. و الكريم منهم لا يمصخ في وجهه او يعيره او يطرده من الصالون . المواطن العربي، و المثقف العربي و السياسي العربي ، و الاديب و الفنان و المفكر العربي ، رجل مسكين غلبان فاته القطار و الم به الجوع والبرد في محطة خربة تأكل فيها الجرذان و يعشعش فيها البوم و الخفاش. تذكروا دائما . انه رجل واقف في هذه المحطة برسم الخدمة. اشيروا عليه بأصابعكم ليحمل عفشكم و امتعتكم على ظهره ، و كل ما نهبتموه من شعب مسكين غلبان. عبر احد من وقفوا برسم الخدمة عن كل ذلك :
نحن بغايا العصر ، كل حاكم يبيعنا و يقبض الثمن، نحن جواري القصر، يرسلوننا من حجرة لحجرة ، من قبضة لقبضة ، من مالك لمالك... (نزار قباني)

No comments: