Sunday 21 March 2010

الشرق الأوسط 22-3-10

خيانة لقلقية

خالد القشطيني

تناولت في مقالتي السابقة موضوع الحب بين الطيور و الاخلاص الزوجي بينها. كذا عرفت عن معشر اللقالق. بيد انها تخرج احيانا عن طورها هذا فتسلك سلوك بني آدم في الخيانة . كان منها هذه الحكاية الغريبة التي روتها لي اولغا جويدة زميلتي في الاذاعة البريطانية. شهدت احداثها في قضاء عقرة عندما كان والدها قائمقاما فيها.
كانت امامهم شجرة توت وافرة، بنى زوج من اللقالق عشهما فيها. اعتادت على حمل الطعام لهما ، كل ما زاد من فضلات الرز و الباميا ونحوها مما يأكله العراقيون . تضعه تحت الشجرة فتنزل اللقلقة الانثى و تأكل ثم يتبعها الذكر و يأكل مما تبقى. قالت اولغا ، ادركت اول مرة ان الطيور تتميز على البشر في منطقتنا في تقديم الانثى على الذكر. قلت لها هل تعلمين السر؟ قالت لا. قلت لها لأن اللقالق لم تتربى عندنا. انها ولدت و نشأت في بلاد القفقاس و تعلمت على مكارم الفروسية هناك.
مضت الزميلة في حكايتها فقالت، مرت ايام و لاحظت غياب اللقلقة عن الشجرة. اصبح اللقلق يقوم بكل حضانة البيض بنفسه و بدون انثى تتناوب و اياه في اداء الواجب. ينزل من الشجرة و يلتهم كل ما تركته له اولغا و يعود مسرعا الى العش قبل ان يبرد البيض. لاح لها وقد بدا الحزن و الاكتئاب عليه و اخذ يفتقد شريكة حياته و شهيته للطعام.
تحير القوم في امر الانثى. ما الذي حصل له؟ هل قتلها احد، مما هو شائع في البلاد، طمعا بريشها؟ تطوع الناس لجلب الاكل لهذا الفحل من امة اللقالق في محنته الفريدة. مرت ايام و اذا بأولغا تشهد من نافذة غرفتها طيرا صغيرا ابيض يلوح من وراء الأفق. اقترب شيئا فشيئا و اذا به تلك الانثى القديمة تعود الى الشجرة. و لكنها دخلت فورا في معركة ضارية مع زوجها اللقلق تحاول ان تطرده من بيتها. و تعالى صياحهما بحيث جعل جمهور القرية يتركون اعمالهم و يخفون لمشاهدة هذه المعركة اللقلقية بين انثى و ذكر. و لكن اللقلق الفحل قاتل بجلادة و استطاع ان يحمي عشه و يطردها من الشجرة. و عادت من حيث جاءت.
مرت ايام ثم رأت اولغا سربا من اللقالق يتقدم من بعيد حتى اذا اقترب من الشجرة انبرت الانثى القديمة من بينها لتقود هجوما شنيعا على زوجها الذي قاتل ببسالة دفاعا عن عشه وفراخه. و لكن العدد تغلب على العدة . سقط اللقلق ميتا و الدم القاني يضمخ ريشه الابيض . و تبعته افراخه موتى واحدا بعد الآخر و استولت الانثى على العش مع عشيقها الجديد.
حضر العقراويون بفؤوسهم و حفروا قبرا مناسبا للقلق الشهيد . و تلى قس من الكنيسة الكلدانية صلاة على روحه و ارواح فراخه قبل دفنهم . ثم هجموا على الزوجة الخائنة و هجروها و هدموا العش القديم.
قصة عجيبة. لو روتها لي اولغا في هذه الأيام لما صدقتها . و لكنني سمعتها منها في ايام غابرة عندما كان الناس في العراق لم يتعلموا على الكذب الذي تعلموا عليه في هذه الايام من زعمائهم.

No comments: