Wednesday 24 March 2010

العالم 23-3-10

انا و الشعر

خالد القشطيني

كمعظم الاولاد المحبين للأدب، حلمت في صباي ان اصبح شاعرا كبيرا. و لكن بدلا من الذهاب لمدرسة تعلم الأدب و الشعر ، ذهبت الى معهد الفنون الجميلة لتعلم الرسم اعتقادا مني بأن تعلم الرسم سيساعدني على اجادة الوصف في الشعر. بيد ان دخولي المعهد قلب كل تفكيري. فتح لي النافذة على الحضارة الغربية. ثم ادركت ان هذه الحضارة التي اذهلتني لا تقوم على الشعر و انما على العلم. الوداع يا عالم الشعر العربي!
لم اعد اعبأ بالشعر، و سرعان ما تطور هذا العزوف الى كره و احتقار. فالشعر يعلم الانسان على المبالغة و الأفراط في الخيال و الجنوح الى الكذب و العيش على الصدقات بدل العمل. و عندما نستعرض التاريخ، نجد انه ينمو و يزدهر دائما في المراحل الاولى البدائية من تطور المجتمع ثم يضمحل تدريجيا و يظهر العقل ثم العلم و الفلسفة. هكذا كان الأمر مع الحضارة الاغريقية. كتبوا الالياذة و الاوديسا و ظهر هومر و صافو في القرون الاولى ، ثم ظهر الادب المسرحي ، سوفوكليس و انتهوا بالعلم و الفلسفة ، سقراط و افلاطون و ارسطو، الخ. و كذا الأمر مع الادب العربي. بدأنا بالشعر الجاهلي ، امرؤ القيس و طرفة بن العبد ، الخ. و انتهينا بالفلسفة و العلم و الفكر، ابن رشد و ابن سينا و الفارابي ، الخ. و هكذا ايضا تطورت الحضارة الغربية المعاصرة، ابتداء بشوسر ومارلو و شكسبير و انتهاء بهيغل وماركس وآدم سمث و انشتاين.
نلاحظ نفس المسيرة في حياة الفرد. فعند الطفولة ، نطرب لترانيم الامومة ، لا معنى لكلماتها و لكنها تهزنا بأيقاعها و قوافيها. و عندما نكبر نبدأ بالتفكير فيما نسمع وما تحمله الكلمات من معان.
نظم الشعر و الهيام بالشعر مظهر من مظاهر التخلف و البدائية قلما ينسجم مع العقلانية والروح العلمية. و كثيرا ما افكر بهذا السوآل: هل ان تعلقنا بالشعر و حماسنا له من مظاهر تخلفنا و جهالتنا او انه من اسباب تخلفنا و فشلنا، يعلمنا على ان نقول ما لا نفعل. و نشعر و لا نفكر؟ اصبحنا ننظر للشعر كشيء مقدس. ولا اشك في ان الكثير من الناس سيغتاضون مما قلته هنا. فقبل سنوات كتبت مقالة طويلة في هذا الموضوع. رفضت سائر المجلات و الجرائد نشرها. لم اواجه رقابة شديدة كما وجدت بشأن تلك المقالة. و سأسجلها كمكرمة من هذه الصحيفة اذا نشرت هذه المقالة. فقد وصل الشعر مكانة مقدسة عندنا لا يمكن التعرض لها. تعرض البعض حتى للقرآن الكريم و لكن لا احد يجرؤ عى التعرض للشعر. و اتفهم ذلك ، فهو العزاء الوحيد و الملاذ الوحيد، بعد الدين، الذي يعطينا بلسما لجروحنا و مخلصا من مشاكلنا.
زاد من موقفي السلبي هذا اختلاطي بالشعراء. وجدتهم يميلون الى الانانية و الذاتية و الغرور و الكذب و المبالغة و الانتهازية. لم اتخذ اي شاعر صديقا حميما لي.

1 comment:

Anonymous said...

لكل إمة شاعر! وبطل! وقائد!! وفاسق !!!وباغية !!!! فالشعر أحد الفنون الثابتة ولا ينقص من قيمته كونه أول ما استلهمه الإنسان من ناحية الترتيب الحضاري والدليل هو ثبوت مكانة الشعراء الكبار في كل أمة. ربما عَجْز الكاتب عن كتابة الشعر وعصيانه له جعله يلعن الشعر والشعراء!! تحية للأستاذ القشطيني