Saturday 3 July 2010

صحيفة العالم 3-7-10

عنتر العربي و عنتر الأنكليزي

خالد القشطيني

لكل شعب ابطاله الاسطورية الذين يتغنى بهم . نحن نتغنى بعنتر العبسي . الانكليز يتغنون بروبن هود. كان كلاهما قطّاع طرق ، سلابين و نهابين. طبعا مع الفارق. فما هو الفارق؟
سبق ان كتبت و قلت مرارا و تكرارا، وهو ان من الجدير بنا حذف تدريس التاريخ العربي في مدارسنا و استبداله بتاريخ اوربا. تاريخنا مليء بالسموم التي ينبغي ان نخجل من ذكرها .
اشرت سابقا ان السلب و النهب ، اي السرقة، جزء من تراثنا. يعود عميقا الى ايام الجاهلية. قصة عنتر بن شداد العبسي التي يدرسونها في المدارس و نعتز بها و يشير اليها الكتاب العرب فيصفونه دوما بالفارس البطل، هي واحدة من القصص التي ينبغي حذفها من مناهجنا الدراسية. اولا انها حكاية رجل سخيف العقل احب امرأة ، عبلة ، و قضى كل حياته يحارب و يقتل و يسفك الدماء و ينهب اموال الناس من اجلها بدون طائل. همه و غمه انه شايل زبه و يدوّر على مرة. و لكن عبلة تزوجت برجل آخر، ابيض البشرة ، كما وصفه في بكائيته الشعرية ، كما اوردها الأصمعي :
اما تريني قد نحلت و من يكن غرضا لأطراف الأنة ينحل
فلرب ابلج مثل بعلك بادن ضخم على ظهر الجواد اصيل
غادرته متعفرا اوصاله و القوم بين مجرح و مجدل
يستشف من هذه الأبيات انه كان حاضرا في عرسها ، راضخا لمصيره غير الأصيل. فقد قضى حياته في اعزوبية لا يجرؤ على خطبة اي عربية اصيلة.
ثانيا انها حكاية عنصرية. فعندما تقدم لخطبتها من والدها رفض ان يزوجه بها لأنه كان اسود اللون و من سلالة العبيد. كانت والدته امة من امات بني عبس. افترض ان والده المحترم قد اغتصبها فحملت منه عنتر. لا ادري هل يدرسون هذه الحكاية في السودان و الصومال و اي بلد عربي يغلب على سكانه اللون الأسود؟ بل كيف يدرسونها في كل مدارسنا العربية، فلا يوجد بلد عربي خلى من اطفال ملونين و سود.
ثالثا انها حكاية تشجع على النهب و السلب، السرقة و قتل الأبرياء . فعندما تقدم لخطبة ابنة عمه، شعر عمه بالحرج. فها هو بطل بني عبس الذي انقذ العشيرة في معارك دامية ، حامي الحمى، كيف يرفض زواجه بأبنة عمه؟ فأستعمل اسلوب التعجيز معه. طلب منه مهرا لعبلة ، الف ناقة من ناقات الملك النعمان الشهيرة و المعروفة بالعصافير. فغزى و جاء بها. حكاية سرقة و نهب و قتل اناس ابرياء.
الم اقل انه كان رجلا سخيف العقل. فما ان جاء بالمهر حتى طلب منه عمه شيئا اكبر و اصعب و استمرت التجربة و تكررت و لم يفهم الفكرة التعجيزية وراء كل طلب جديد. أي انسان
عاقل يقول لعمه دعنا نتزوج اولا و ادخل بعبلة و انا آتيك بما تريد. سلّم بلّم...
و المرأة في الحكاية مجرد بضاعة مجردة من العواطف، يتساوم عليها الرجال و يزفونها لمن يشاؤن.
و الآن نأتي الى عنتر الانكليزي، روبد هود.

كثيرا ما واجهت هذه الظاهرة و حرت في تفسيرها. غالبا ما اظهر الأنغلو سكسون جنوحهم للديمقراطية و الاعتدال و الأنصاف fairness حتى في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ في القرون الوسطى، و اينما ذهبوا، من نيوزيلاندة الى كندا. هل انها مسألة جينات تجري في عروقهم؟ تكلمت توا عن عنتر العبسي و كيف انه احب عبلة و كرس كل قوته و بسالته للنهب و السلب و القتل لمجرد أرضاء والدها بالمهر الذي طلبه. تقابله في الأدب الانكليزي شخصية اسطورية مشابهة يمتد تاريخها الى القرن 11. ايام عز الحضارة العربية، ايام الجواري و الغلمان و الخصيان. كان روبن هود قطاع طرق و نهاب سلاب مثل عنترالعبسي، مع الفارق. لم يفعل ذلك للحصول على امرأة ، و انما لحماية المرأة و أعادة توزيع الثروة في البلاد، على حد قول الموسوعة البريطانية. كان يسرق من الاغنياء ليوزع ما ينهبه على الفقراء. هكذا جاءت الأغنية الشعبية التي مازال اولاد الأنكليز يغنونها في المدارس:
Robin Hood, Robin Hood, riding through the glen
Robin Hood, Robin Hood, with his band of men,
He robbed the rich to give the poor.
روبن هود، روبن هود ، راكبا جواده في الوادي
روبن هود، روبن هود ، مع عصبته من الرجال،
ليسرقوا من الأغنياء و يوزعوا على الفقراء.
تقول الموسوعة البريطانية انه كان يجسم تطلعات الجماهير لمجتمع عادل ، بدون طبقات ، خال من رجال الدين، و بلد مستقل لا يتسلط عليه الأجنبي . كانت اساطيره تجسم ايضا حب الطبيعة و الخضرة و البيئة وممارسة الرياضة. فقد كان وعصبته قد اختاروا العيش في غابة شروود، قرب مدينة نوتنغهام، حياة الحرية. تسجل اقاصيصه نضاله المستمر ضد الطبقة الحاكمة في شخصية الأمير آرثر، عمدة نوتنغهام الذي بذل المستحيل لآلقاء القبض عليه و ايداعه السجن. و لكن روبن هود كان يفلت من يديه دائما ببسالته و حنكته. من مغامراته ايضا مهاجمة عربات رجال الدين لسلبهم من مجوهراتهم و حليهم الذهبية وما يحملون من نقود. و عندما سمع بالغزو النورماندي لأنكلترا في 1066، ترك غابة شروود و توجه مع رجاله الى الجنوب ليشاركوا بقية المواطنين في درء الغزو الأجنبي والدفاع عن انكلترا.
لا ذكر في اقاصيصه للوقوع في الحب او السعي للزواج بأمرأة و لكنه كان يتصرف دائما تصرف الفارس الشهم في انقاذ المرأة من الأخطار و عدوان الرجال حيثما تعرضت للأغتصاب و الاختطاف. و لهذا فقد حصر عبادته المسيحية في التعبد لمريم العذراء لأنها جسمت له المرأة الطاهرة.
كيف لا ينشأ المواطن محبا للحرية و الديمقرطية والعدالة وقد استمع لهذه الحكايات في طفولته و غنى هذه الأغاني في احضان امه و ساحات مدرسته؟

1 comment:

peace said...

أتمنى أعرف هذا المعلق الصيني ما أدري الياباني المثقف اللي يقرا المقلات العربية ويعلق عليها

استاذ خالد فكرة منطقية وقس على ذلك قصص هارون الرشيد وأبو العباس السفاح إلى قصص استيلاء رؤسائنا وملوكنا على الأوطان

http://peaceplog-nmc.blogspot.com/