Friday 25 July 2008

اعز جائزة


اعز جائزة

زارني صحافي شاب قبل سنوات على هامش كتابة نقد لرواية صدرت لي في حينها. سألني الاسئلة التقليدية ، اين درست ، ماذا احمل من شهادات، اي جوائز تقديرية قد نلت. قلت له يا سيدي احمل شهادات كثيرة و لكنني مع الاسف لم انل اي جائزة . بيد انني احمل جائزة تقديرية لا اعتقد ان كثيرا من زملائي قد نالوا مثيلا لها. تألق وجه الرجل و نظر الي متسائلا بفضولية كبيرة. كيف ذلك؟ و اي جائزة هذه؟ و من قد تفضل بمنحها عليك؟ و كم كان مبلغها؟ لم اتركه في الظلمة طويلا فأسعفته بالجواب. كانت جائزة تقديرية حظيت بها من امرأة حسناء. ابتسم الصحفي الشاب كمن ادرك الموضوع. لابد انها كانت ساعة رولكس او قلم حبر ماونت بلانش و نحو ذلك. مضيت في تنويره فقلت:
كانت امرأة زارتني في مكتبي في صحيفة الشرق الاوسط. هاتفني البواب قائلا ان امرأة في بهو الاستقبال تريد مقابلتك. قلت له و ماذا تريد؟ كلمها و سألها ثم اجابني. انها من قرائك المعجبات و تود التعرف بك.
اهلا و سهلا. دعها تدخل.
استقبلتها بما تستحق من ادب و احترام. كانت امرأة متوسطة القامة ، يتوجها شعرفاحم مسترسل يطوق جيدها الرقيق ووجهها الابيض المائل للسمرة كقطعة من الشهد. كانت لها عينان متألقتان تبدوان للناظر و كإنهما مغرورقتان بالدمع. انفها دقيق و مختزل. اما صدرها الناهد فقد كان يوحي بولادات و رضاعات سالفة لم تخرب شيئا من حسن قوامها. اجلستها بجانبي فراحت تداعبني بتعليقاتها الذكية على مقالاتي. كانت تتذكر من مقالاتي اكثر مما اتذكره انا. قلت لها شكرا و لكن يبدو ان لديك الكثير مما علق بذهنك. دعينا نخرج الى المقهى المجاورة و نتقهوي.
طال الحديث في المقهى و تشعب فراحت تروي لي الكثير عن حياتها الخاصة. قلت لها لقد حل المساء دعيني ادعوك لتناول العشاء. قالت لا. بل تعال معي الى البيت و انا اطبخ لك العشاء. سيكون شرفا لي و متعة.
اخذنا التكسي الى بيتها. بادرت لتسريح خادمتها السيرلنكية التي نظرت في وجهي شاكرة لي هذا المعروف. جلسنا و اكلنا و شربنا و سمعت منها كل احلامها عن الحياة و الكثير من تجاربها المرة و الحلوة. لا اتذكر شيئا مما قلناه، او اكلناه، او شربناه. لم تتسع ذاكرتي لسوى شيء واحد: وجهها الباسم و عيناها المتألقتان. كقطعين كبيرتين من الماس. كانت لوحة عجيبة جمعت بين المسرة و الحزن ، المتعة و المعاناة. المرأة الشبقة في اوج ذروتها. طاف بي الخيال و راحت الافكار تتقاذفني من شاطيء الى شاطيء.
قامت بقامتها الممتلئة ، و جائت من رف الكتب بنسخة من روايتي " حكايات من بغداد القديمة". كانت قد اشرت على صفحة منها هزتها و اعجبتها. قالت: "لي طلب". ثم ضحكت و اضافت: "عملت لك العشا، اعمل لي هالمعروف! احب اسمعك و انت تقرأ لي هذه الفقرة." اشارت ببنانها الرقيق كشمعة رقيقة من شموع يوم زكريا، الى اعلى الصحيفة. ما انتهيت من قراءة الفقرة بأناة و عاطفية حتى مدت يدها و غطت عليها و اغلقت الكتاب. نظرت في وجهها فرأيت عينيها وقد ازداد بريقهما و احتقن الدمع فيهما حتى تدفق شيء منه و انساب كخيط من الشيرة الرقيقة على حنية جفنيها . كانت في حالة تهيج و انفعال ظاهر. طأطأت برأسها نحوي و قبلتني من جبيني بشيء من التردد و الحيرة.
سحبت رأسها ثم عادت ، و طبعت قبلة ثانية على فمي و التحمت الشفاه و استعرت نارا. شعرت بها وقد القت برأسها على صدري.

مسكتني من يدي. " هيا بنا!" اقتادتني الى داخل البيت و قد لفت ذراعها حولي.
يا سيدي، قلت للصحافي الشاب، من في عالم العروبة و الاسلام يستطيع ان يعطيني مثل هذا الجائزة التقديرية عن اعمالي؟
==============

No comments: