Saturday 17 July 2010

الآسبوعية 11-7-10

من منجزات الكلاب

خالد القشطيني

من المشاهد الظريفة في المدن الغربية مشهد الكلب الدليل للعميان. يختارونه اعتياديا من فصيلة اللبرادور الذكية و الوديعة و القوية. يدربونه تدريبا محكما على قيادة صاحبه. يفهم كلامه و يقوده الى حيث يريد. يجتاز به الشوارع المكتضة بالمارة و السيارات، يعبر به الشارع عبورا سليما و يأخذه لمحطة الباصات او القطار ، المنصة المطلوبة، يدخل به القطار، يجلس بجانبه. ثم ينهض في المحطة اللازمة و يخرج به ، و هلمجرا. تنال هذه الكلاب عطفا و محبة خاصة بين الجمهور. يتبرعون لها بمبالغ سخية و كثيرا ما يوصون بتركتهم لها. و لها يوم مشهود في السنة " يوم اللكلاب الدليلة للعميان." تراهم يمسحون عل ظهرها و رأسها و يدللونها.
بيد انه صبيا صغيرا كان ورائي في قطار واترلو بالغ في محبته و مداعبته لاحد هذه الكلاب قريبا مني. رمى اليه بكرته ، كرة تنس صغيرة صفراء. من المعتاد لكل الكلاب ، عندما ترمي اليها بشيء ، كرة او عصا او حجرا، ان تثب و تهرع نحوه ، تلتقفه بفمها و تركض به نحوك لتعيده اليك. هذا سلوك غريزي في الكلاب. رمى الطفل بكرته نحو هذا الكلب الدليل الذي كان يقود امرأة عجوز كفيفة.
مسكت انفاسي متسائلا . ماذا سيفعل هذا الكلب اللبرادور؟ هل سيلبي نداء غريزته فيتخلى عن واجبه في مصاحبة المرأة العجوز و قيادتها و يجري نحو الكرة الصفراء؟ ام سيتجاهل الكرة و يواصل واجبه الذي تدرب عليه نحو المرأة؟
لم يكن الكلب اقل حيرة مني. لاحظته يكشر عن انيابه و قد دخل في ازمة نفسية و صراع مع ذاته و غريزته ، كما يفعل اي موظف عندنا عندما تقع بيده كومة من اموال الدولة. هل يختلسها ام يذكر ربه و آخرته و يتمسك بنزاهته؟ هكذا لمحت الكلب في هذه الأزمة. نظر صوب الكرة في الجانب الآخر من العربة . ثم توجه بعينيه الصغيرتين الجوزيتين نحو سيدته العجوز المكلف بها. و عاد ينظر نحو الكرة ثم عاد ينظر الى سيدته ، ثم رأيته يغمض عينيه كما تفعل جماهير شعبنا عندما تحير في امرها و لا تعرف لمن تستمع و من تصدق. اغمض عينيه و استسلم لواجبه و مهمته المكلف بها. و بقيت الكرة في مكانها . قمت انا بدور الكلب، فمشيت و التقطتها واعدتها للطفل الذي كان جالسا في احضان امه. نظر الي الكلب و ابتسم . يشكرني ان قمت بدور كلب، وهو شيء تعلمنا عليه في عالمنا العربي. وصلنا محطة واترلو ، فانتفض واقفا و اقتاد المرأة الكفيفة الى باب العربة ثم نزل معها ، يقودها الى العنوان المطلوب منه.
ظلت الواقعة تشغل بالي. ففي هذه الأيام التفكير في سلوك الكلاب و الحيوان افضل و اجدى من التفكير في سلوك الانسان. التقيت مساء في مطعم سليمانية بصديقي اسماعيل احمد. رويت له الحكاية و قلت ، يا عزيزي اسماعيل، انظر لهذا الكلب ، كيف التزم بواجبه و التزامه نحو من عهد اليه و تجاهل حتى نوازعه الغريزية و فطرته. لماذا لا يتعلم زعماؤنا و ساستنا من هذا الكلب احترام اولوية الواجب، واجبهم نحو شعبهم و وظيفتهم ؟
" اوه يا ابو نايل، انت تبقى على سذاجتك؟ تريد تقارن بين اخلاق كلب انكليزي بأخلاق ساستنا و قادتنا و مثقفينا؟"

No comments: