Thursday 22 April 2010

العالم 22-4-10

في مسيرة الديمقراطية (6)

افلاطون يقول كلمته

خالد القشطيني

بعد وصول الديمقراطية اليونانية اوج جمالها في عهد بركليس، اخذت تدب فيها ديدان الفساد و المنازعات و المهاترات و المصالح الشخصية كما رأينا في قضية غرق البحارة فتلكأت كفائتها و فقدت احترامها. راح القادة يستغلون عواطف الناخبين و جهلهم. ادى كل ذلك الى نشوب الحرب الاهلية البيلوبونيسية التي منيت فيها اثينا بالهزيمة. هب نقاد الديمقراطية لينددوا بنتائجها بما اسفر عن اعدام سقراط (399 ق. م) فيما كشف ان الديمقراطيين ايضا كثيرا ما لا يترددون في قمع معارضيهم و مصادرة حرية الفكر. تلاه افلاطون الذي صاغ اقوى نقد لها في كتابه الشهير" الجمهورية". ندد فيه بحكم الأكثرية و دعى الى تسليم الحكم بيد الأقلية من النخبة المفكرة.
استعرض الانواع الاربعة السائدة للحكم، التيماركية وهو النظام الذي اتبعته سبارطة في تسليم الحكم للارستقراطية العسكرية، و الاوليغاركية ، وهو تولي الاغنياء الحكم، و الدكتاتورية وهو تفرد شخص واحد بالحكم، و الديمقراطية. رفضها افلاطون جميع و لكنه ركز هجومه على الديمقراطية التي عنت بالنسبة له "المساواة بين سائر الرجال بغض النظر عما اذا كانوا متساوين ام لا." و ان تكون لكل منهم الحرية في ان يفعل ما يشاء. المساواة السياسية و الحرية هما ديدن الديمقراطية الذي كرهه و اعتبره من عوامل فشلها.
يشبه افلاطون الدولة بسفينة قبطانها قوي و خبيرو لكنه ثقيل السمع و قصير النظر. يفتح ذلك المجال للبحارة ليتعاركوا على قيادة الدفة رغم انهم لا يعرفون اي شيء عن الملاحة و القيادة. و لكنهم لا يرون ذلك ضروريا . و كلما مسك فريق منهم بالدفة هجم عليهم الآخرون و قتلوهم. يستسلمون اخيرا لمن يستطيع السيطرة على القبطان و يحصل منه على القيادة. و لكن لا يمكن ان توجد قيادة جيدة في الديمقراطية حيث يضطر القادة الى مداهنة الأكثرية و مداراة اهوائها. يؤدي ذلك الى التآمر و النفعية وعدم الاسقرار، وتعاظم البون بين الغني و الفقير. ينتهي كل شيء بانهيار الديمقراطية و الاستسلام للقوة. يضطر القادة الى الاعتماد على حرس قوي لحماية انفسهم.
بيد ان الحاكم المستبد يفشل هو ايضا في عمله لأن عليه ان يراعي هذا الحيوان الكبير ( الشعب) و يفهم ميوله و اذواقه. ينتهي افلاطون الى هذه النتيجة وهي ان يتولى الفلاسفة ادارة العالم. وهو بذلك يواصل مقولة سقراط بأن " الفضيلة هي المعرفة" و لما كان الفلاسفة اكثر الناس معرفة فلا بد يكونوا اقدرهم على الحكم. يعني ذلك الاستبداد المتنور. وهو المبدأ الذي طوره كثير من الملوك والحكام الى فكرة الحكم الأبوي. .
مضى افلاطون ليفلسف المجتمع العادل بتقسيم العمل الى المهن المتخصصة وما تتطلبه بحيث تجيد كل فئة بعملها فيتقدم المجتمع و تتحقق العدالة. افتتن احد الحكام لأغريق بفكرة افلاطون و استنجد به لتطبيق حكم الفلاسفة و لكن التجربة آلت بالفشل و نسيت حتى استأنف النظر فيها روسو و ماركس و لنين الذي اعاد صياغتها بفكرة " دكتاتورية البروليتاريا".

No comments: