Thursday 25 March 2010

العالم 25-3-10

مدرستان للتاريخ

خالد القشطيني

اشرت سابقا لعزوفي عن دراسة التاريخ او احترام ما وردنا منه. انطبق ذلك بصورة خاصة على تاريخنا العربي. اولا ان هذا التاريخ غير موثق. لا توجد بيدنا اي وثائق تدعم ما قيل. عندما يتكلم الانكليزعن الديمقراطية عندهم و يشيرون الى ما حصلوا عليه من الملك ، يمكنك ان تذهب للمكتبة البريطانية و ترى الوثيقة ( العهد الاعظم) مخطوطة على الجلد و تحمل توقيعه و ختمه. يمكنك ان تتحقق من تاريخ ولادة و وفاة اي رجل في تاريخهم من دفاتر الكنيسة. و كذا الأمر بالنسبة لملكية اي ارض. كل شيء مسجل. و رجال الدولة يدونون ما يقومون به يوما بيوم و يتركونها لتحفظ الى اليوم لاطلاع اي شخص. ليس لدينا شيء من ذلك. تقوم مصادرنا على السماع. قال فلان عن فلان عن فلان . وهو ما يسمى بالعنعنة. يكفي ان يكون واحدا منهم قد كذب او انتابته الشيخوخة او النسيان لتنسف الحكاية من اولها الى آخرها. كلنا نصادف مثل ذلك يوميا عن احداث جرت امامنا و في بيوتنا و مع اولادنا. هكذا تضاربت الروايات عن كل واقعة في تاريخنا. لماذا اصدق زيد و لا اصدق عمرو؟
يضاعف مشكلتنا جنوحنا الى الشعر. الشعر ديوان العرب. و اعذب الشعر اكذبه و الشعراء يتبعهم الغاوون. اعطانا هذا الميل الشعري الميل للتعامل مع الاحداث بصورة شعرية لا موضوعية، فيها الكثير من الخيال و الوهم و الخرافة.
فضلا عن كل ذلك، لا ينفعنا تاريخنا في التعامل مع حياتنا و شؤوننا المعاصرة. لا يوجد فيه اي شيء يمت بصلة عملية او يعطينا سوابق تاريخية للتعامل مع الديمقراطية التي اصبحت الشغل الشاغل لنا. كل القواعد السياسية و الدستورية ، استقلال السلطات ، حقوق الانسان ، منظمات المجتمع المدني ، الدساتير المكتوبة، دور المرأة و حقوقها ، الفدرالية و الكونفدرالية ، مفاهيم اخذناها من اوربا و لا نكاد نجد شيئا منها في تاريخنا.
كل تلك المنازعات التي جرت في التاريخ العربي حول الخلافة لا تعنينا بشيء بالنسبة لحياتنا السياسية المعاصرة . الحقيقة ان الالمام بها يعرقل علينا تفهمنا لمتطلبات حياتنا الحاضرة و مستقبلنا.
اقول نفس الشيء بالنسبة لتراثنا الفكري . يدور كله حول قضايا و افكار عفى عليه الزمن ولا تنفعنا بشيء. الفكر الحديث و الحياة المعاصرة تقوم على ما توصل اليه فرانسس بيكن و داروين و ماركس و آدم سمث و فرويد و انشتاين و سواهم من العلماء و قادة الفكر الحديث.
اذا اردنا حقا النهوض من تخلفنا المزري و مواكبة هذا القرن فلابد من اعادة النظر في مناهجنا. اعتقد ان من اول ذلك تدريس التاريخ الاوربي . ففي احضانه نشأت كل هذه القيم و المؤسسات. علينا ان نعرف كيف توصلوا لفكرة الانتخابات ، و النقابات و الجمعيات و كتابة الدساتير و ميزانية الدولة ، و الرقابة المالية ، استقلال القضاء و حرمة وسائل الاعلام و الشفافية. لم يدرسونا ذلك و لكنني سأحاول ان ادرسهم عنها.

No comments: